يتمايلون نساء ورجالا بملابس رثّة إلى اليمين واليسار حد التراقص، في معظم الأحيان، ويتناولون "الفتة" المزينة باللحوم بطريقة عشوائية متمتمين كلمات لا يُفهم منها غير لفظ الجلالة "الله"، صورة ذهنية رسمها العامة عن أتباع الصوفية بما يشاهدونه في معظم "الموالد" كمولد السيدة زينب، رغم أنها لا تعبر عن الصوفيين الحقيقيين القائمين بحضراتهم على مرتكزات وشعائر بعينها، ملتزمين بما جاء في الكتاب والسّنة وليست "تصرفات شعوذية". وللحقائق صور أخرى ترويها الصوفية عن نفسها: "اضرب عن الناس وادخل حضرة الله، فوالله والله لا تلقى سوى الله، أسبغ وضوءك وادخل في سكينة وانوي القرب لله، ولا تصرخ ولا تزعق، وكُن جبلا إلا إذا كنت مغلوبًا في الله، وانصت إليهم هل شُغِلوا بمكروه عن الله، وأحسن الظن بالذكّار إنهم لولا العناية لم يأتوا إلى الله"، هذه أسس تأدب الذاكر في الحضرة كما أوردها شيخ الطريقة السمانية في السودان، وكذلك الحديث القدسي "من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها"، هو نهج الصوفية الأول، التي تهتم بالجوهر دون النظر إلى لبس معين. ليسوا كيانا واحد، كما يظن الكثيرون، ولكن تتشعب الصوفية بين 80 طريقة تتنسب في النهاية إلى 4 أقطاب نُشرت الصوفية على أيديهم، وهم الشيوخ: أحمد الرفاعي في العراق، وعبدالقادر الجيلاني في المغرب، وأحمد البدوء في مصر، وإبراهيم الدسوقي في مصر، ويضاف إليهم أبوالحسن الشاذلي في مصر، بينما مؤسس الصوفية هو الإمام حسن البصري، الذي يطلقون عليه "إمام التابعين"، وعاصر الإمام علي بن أبي طالب وهو صغير، ثم قام سيدنا الحسين على تربيته، وكان دائم القول بإن الصوفية ليست بالملبس أو طريقة معينة، لكنها صفاء القلب والنية وعبادة الله. "وعن مذهبي في الحب مالي مذهب.. وإن ملتُ يومًا عنه فارقت ملّتي"، شعر ابن الفارض الذي يعبر عن سر الحالة الروحانية التي تتميز بها الطرق الصوفية، المُتفقة على الالتزام بكتاب الله وسُنة رسوله، وتختلف في الأوراد التي تتُلى يوميا وحضرات الذكر في صيغتها وكيفية قراءتها وهيئتها ومواعيد تلاوتها، فلكل شيخ طريقة وأسانيد يتكئ إليها في رضائه بصيغ وأعدد وكيفية وهيئة ومواعيد للأوراد التي تتلى يوميا. تفرّقت الصوفية طرقا رغم وجود 5 أعلام لها فقط، ويرجع الشيخ إبراهيم الباجوري، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية، ذلك إلى أن كل شيخ أخذ مجموعة من المُريدين وأنشأ بهم طريقة تتبع الطريقة الأم، على سبيل المثال: أكثر الطرق اتباعا هي "الشاذلية"، وهناك طرق كثيرة متشعبة منها تأخذ في النهاية لقب الشاذلية مثل "الجعفرية الشاذلية" أو "المحمدية الشاذلية"، كما أن للطريقة الرفاعية 5 أو 6 طرق متشعبين منها، في مصر واحدة وبالمغرب أخرى فضلا عن 3 بالعراق، لكن كل طريقة متشعبة تسير على نفس الأسس إلى جانب ما فطن إليه شيخها، والطرق بالنهاية ليس بها عرقية وإنما التزامًا بالطريقة المتبعة عهدًا ووردًا. عايشت "الوطن" طُرقا صوفية متعددة، موضحة للقارئ في حلقات على مدار الشهر الكريم، كيف جاءت ال80 طريقة من أصل 4 أقطاب فقط، وما يُفرّق كل واحدة عن الأخرى، وأشكال "حضرة ذكر" كل طريقة على حدة.