عرضت في مقال سابق وفي سطور سريعة لنشأة التصوف وتطور هذا التيار وبعض رواده والهدف من تفجير هذه القضية في الاصل هو ما خرج علينا به الدكتور ابو العزايم شيخ الطريقة العزمية من تصريحات خرج بها من عباءة التصوف ودخل في عالم السياسة وهو عالم او نشاط أو اهتمام ليس من اهتمامات الصوفية قديما أو حديثا ولاعلاقة له بهذا التيار القديم ولم يكن في يوم من الأيام من اهتمامات شيوخه أو مريديه علي السواء. في هذه السطور أقول ان التيار الصوفي يضم اربع شرائح متميزة ومتباينة. الشريحة الاولي وهي علماء الصوفية وهم صفوة من كبار رجال الدين اختاروا هذا المجال واندمجوا فيه وهم معروفون ربما كان من ابرزهم واشهرهم الشيخ الجعفري والمرحوم الامام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود هؤلاء المفكرون نذروا انفسهم لله وودعوا كل زخارف الدنيا لم يشكلوا حزبا أو ينشئوا طريقة او ينخرطوا في أي تجمع ايا كان وهم قسمان قسم يؤمن بالمجاهده عن طريق الزهد والبعد عن الدنيا والاغراق في التأمل والعبادة ليلا ونهاراً وصولا الي الهدف الاسمي وهو الفناء في ذات الله. والقسم الثاني يتمسك بكل شدة بقوله صلي الله عليه وسلم نقلا عن الحديث القدسي »مازال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها إذا دعاني أجبته وإذا استعان بي أعنته« »معني ذلك ان الاغراق في العبادة والصلاة توصل العابد الي أن يحل به قبس من روح الله ويصبح بذلك انساناً أقرب ما يكون الي الملائكة وهذا الفكر قديم انحدر من فلسفة اليوجا وعرف اصحابه في التاريخ الاسلامي »بالحلولية« أي الذين يؤمنون بحلول قبس من روح الله في الجسم البشري. هؤلاء المفكرون منطوون علي انفسهم يتفرغون للعبادة والذكر.. ولا يهتمون بما يدورحولهم وليس لهم في الحياة مآرب أو غاية. الشريحة الثانية هي مشايخ الطرق الصوفية (67 شيخا) في مصر وحدها وهؤلاء يمثلون طبقة من رجال »البيزنس« هؤلاء الرجال ورثوا المشيخة أبا عن جد وكل منهم يسمي طريقته باسم شيخها الاول.. غالبيتهم محدود الثقافة كل بضاعتهم أنهم يحفظون عدداًمن الأوراد ويجيدون رئاسة »الحضرة« والحضرة هي »الذكر« ويأخذون العهد من الاتباع ويتلقون التبرعات من المريدين يوزعون بعضها علي بعض الاتباع ويحتفظون بمعظمها.. هؤلاء الشيوخ شديدو الثراء ويتنقلون دوما بين القري ويحضرون جميع الموالد وينظمون المهرجانات التي يسير فيها الاتباع بأعلامهم وملابسهم المميزة. والشريحة الثالثة هي المجازيب او الدراويش فلكل طريقة عدد منهم تضم الرجال والنساء يلبسون الملابس المرقعة ويعلقون في رقابهم المسابح الطويلة وهؤلاء لا عمل لهم وهم يعيشون كما يعيش »الغجر« يحفظون جيداً مواعيد موالد الأولياء واماكنها وهم يتنقلون من مولد الي مولد يعيشون في رحاب الضريح طوال ايام المولد وينامون معا رجالا ونساء بلا قيود أما الطعام فيأتيهم من أفخر الاصناف يحمله اليهم أهالي القرية.. وهم طوال أيام المولد يتجولون في القرية فرادي يقتحمون الابواب دون استئذان ويدعون ان هناك هاتفاً دفعهم الي ذلك ورغم وقاحتهم فإنهم يقابلون بالترحاب يطلقون البخور الذي يحملونه في أكياس تتدلي من رقابهم ويطلقون صيحات غيرمفهومه تصيب اهل الدار بالرعب ثم يأكلون ما تيسر ويأخذون بعد تمنع ما تجود به الايدي من أهل الدار ثم يغادرون الي بيت أخر وقد امتلأت أكياسهم بما لذ وطاب وامتلأت جيوبهم بالبنكنوت ومن مولد الي مولد وطوال العام هذه هي حياتهم وهم بالطبع فرق تنتمي كل فرقة منها الي طريقة معينة وتحظي بالرعاية الكاملة من شيخ الطريقة. وهم كما قلت حياتهم كلها وسط الموالد وطعامهم المفضل هو »صواني« الفتة أو الثريد التي يجود بها الفلاحون بسخاء وهم يبحثون دائماً في كل ما يقدم لهم عن »هبر« اللحم وتتحدد دعواتهم لصاحب الطعام بمقدار ما يقدمه من »فتة ولحم«. والشريحة الرابعة: وهي الجسد الرئيسي لجميع الطرق الصوفية وعددهم يقترب من الخمسة ملايين وليس 51 مليونا كما يدعي ابو العزايم وهؤلاء معظمهم من الاميين وبعضهم من اشباه المتعلمين وهم يعتقدون اعتقاداً فطريا قويا في شيخ الطريقة وأعطوه العهد علي الطاعة وهم يؤمنون ايماناً عميقا بأن شيخ الطريقة رجل »واصل« وان له حق الشفاعة وأن دعوة واحدة منه يمكن أن تقضي علي كل مشاكله وآلامه.. وهولاء لا تستطيع اي قوة أن تزحزهم عن هذا الإيمان ويصل اعتقاد بعضهم في شيخ الطريقة الي حدود لا يمكن أن يقبلها عقل أو منطق وهما أداتان لا يعرفانهما ولا يتعاملون بهما.. عندما كنت صغيرا شاهدت بعيني الفلاحين من أهل قريتي يتقاتلون بشراسة للحصول علي الماء الذي توضأ به شيخ الطريقة وكان وقتها يزورالقرية وكان المحظوظ منه من يستطيع ان يحصل علي بضع قطرات من هذا الماء ليشربها مؤمنا أيماناً عميقا بأنها البلسم الذي يمكن أن يشفيه من كل الأمراض. وللحديث بقية ولله الامر