سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
16 خبيراً أمريكياً: «واشنطن» حاولت إعادة هيكلة الجيش واختيار قيادة مدنية له.. ومستشارون اقترحوا تسريب معلومات عسكرية للضغط عليه «واشنطن» أدركت أن نفوذ الجيش محدود سياسياً.. ولمست صعوبة فى التفاهم مع «طنطاوى» وجنرالاته بسبب رغبتهم فى إرضاء الشارع
فى يناير 2012، اجتمع 16 من كبار المحللين والمسئولين الأمريكيين السابقين، ممن لهم اتصال مباشر بالشأن المصرى فى قطاعات مختلفة، ب«مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الأمريكى (CSIS)، لرسم صورة لوضع مصر ومستقبل علاقتها بالولاياتالمتحدة، وكتبوا تقريرا رصينا لصناع القرار فى واشنطن، يكشف عن جوانب مهمة فى علاقة الولاياتالمتحدة بالمجلس العسكرى خلال المرحلة الانتقالية وارتباك البيت الأبيض فى تعامله مع مصر، بسبب انفجار الثورة المصرية فى توقيت غير مناسب لإدارة أوباما، التى كانت تواجه أزمة مالية طاحنة، فضلاً عن اقتراب ولايته الأولى من نهايتها. وأشار التقرير، الذى أعده للنشر مدير وكبير باحثين ب (CSIS) جون ألترمان، إلى إحباط المسئولين الأمريكيين بسبب انخفاض شعبية الولاياتالمتحدة فى أوساط المصريين بعد الثورة، رغم الدور الذى لعبته واشنطن فى إزاحة «مبارك» فى فبراير 2011، فقد ظلت شعبية الولاياتالمتحدة فى أدنى مستوياتها تماما، كما كانت منذ إدارة «بوش الابن»، أى أقل من 20 فى المائة، والغريب، وفقا للتقرير، أن ذلك انطبق أيضاً على المؤسسة العسكرية التى تعتبرها واشنطن حليفها الأساسى فى مصر، وعلى عكس المتوقع ساد البرود أو أحيانا التوتر العلاقة بينهما، وعلى عكس المنتظر أيضاً أدى تدفق المساعدات الأمريكية على الجيش المصرى خلال الثلاثين عاما الماضية، إلى علاقة يشعر فيها الطرفان بالمرارة وعدم التقدير. ويصف الضباط الأمريكيون، الذين خدموا فى مصر، العلاقة بين البلدين بأنها «رسمية وتفتقر إلى الدفء والثقة»، مقارنة بعلاقة الأمريكان مع باقى جيوش المنطقة. وتدهورت علاقات الولاياتالمتحدة بشكل واضح مع تولى المجلس العسكرى إدارة البلاد، وكثيرا ما شكا جنرالات الجيش المصرى فى اجتماعاتهم المتكررة مع المسئولين الأمريكيين من الوفود قليلة الأهمية التى ترسلها واشنطن للتفاوض معهم، وشعروا بالغضب بسبب تجاوز واشنطن لهم فى دعمها لمؤسسات المجتمع المدنى، والأهم من ذلك أن الإدارة الأمريكية لم تظهر التقدير الكافى لدور الجيش فى حفظ الدور الإقليمى، وشعروا بالحزن للضغوط المستمرة من جانب الكونجرس لخفض المساعدات لهم، وهى تزيد سنة بعد الأخرى. وركز التقرير على خلافات متعددة بين الولاياتالمتحدة والجيش المصرى؛ إذ كانت واشنطن تشكو صعوبة التفاهم مع المشير حسين طنطاوى وجنرالاته، بسبب ميولهم القومية الواضحة، ورغبتهم فى إرضاء الشارع بسياسات شعبوية، فضلاً عن أن آليات اتخاذ القرار داخل المجلس لم تكن واضحة للأمريكان، ما أدى إلى توتر العلاقة بين البلدين، وسوء فهم فى أكثر من قضية. وأشار الخبراء الأمريكان إلى أن واشنطن كانت تدرك أن نفوذها الدبلوماسى على المجلس العسكرى، لم يكن قويا، نظراً لأن النفوذ الأمريكى على الجيش المصرى يصل لذروته عندما يكون الأخير واقعا تحت ضغط، لحاجة الجيش للمساعدات الأمريكية فى عملية التعبئة، ولم يكن الجيش المصرى واقعا تحت هذا الضغط.. فضلاً عن أن الخارجية الأمريكية لم يكن لها نفس نفوذ البنتاجون على الجنرالات المصريين. وعلى المستوى السياسى، كان الأمريكان، وفقا للتقرير، مقتنعين أن الجيش، رغم حضوره الطاغى على الساحة السياسية، «محدود النفوذ نسبياً»، مقارنة بفرص وحظوظ الإسلاميين فى الصعود؛ فالجيش يعانى من أزمة فى السيولة، ولا يشعر جنرالاته بالارتياح فى التعامل مع السياسيين، ما جعل قادته يقررون الابتعاد عن السلطة المباشرة ويسعون للحفاظ على مصالحهم، دون تكبد صداع التدخل فى إدارة البلاد بشكل يومى. وحددت الدراسة أولويات الجيش الثلاث فى الحفاظ على مصالحه الاقتصادية «ليس بالدرجة الأولى لتحقيق أرباح، إنما لمواجهة كلفة عملياته الأساسية»، والحفاظ على استقرار البلد والتماسك الاجتماعى بصرف النظر عن أى أيديولوجيات، والبقاء حامياً لشرعية الدولة. لكن من غير الواضح أن لديهم استراتيجية محددة لتحقيق ذلك، وهم «يرتجلون الحلول من يوم ليوم». وأشار التقرير إلى أن الجيش الذى يسعى لدور له فى مصر بعد الثورة، لا يستطيع المغامرة بحكم مصر بشكل مباشر، لأن ذلك سيتعارض مع قناعة كثيرين، حتى من العسكريين، وأن حكم الجيش المباشر لمصر بين عامى 1952 و1967 كان خطأً فادحاً، وهناك شبه إجماع على أن هذا الوضع كان عقبة رئيسية أمام تطور الديمقراطية ونمو مصر اقتصاديا، فضلاً عن أن انشغال العسكريين بالسياسة قد يمنعهم من مواجهة التحدى الأساسى أمامهم، وهو الارتقاء بمستوى الجيش لمصاف المؤسسات العسكرية الحديثة، كما حدث فى البرازيل والأرجنتين، وجيوش عدة بلدان فى أوروبا الشرقية، التى تحولت إلى جيوش محترفة لا علاقة لها بالسياسة. وعبرت الدراسة عن قناعتها بقدرة الضباط المصريين على تحقيق هذه النقلة، لكنها استبعدت أن يحاول الجيش المصرى محاكاة نظيره فى تركيا، فى أى مرحلة من مراحل الحياة السياسية فى تركيا؛ فالجيش التركى تحركه قناعته بعلمانية الدولة، بينما ما يحرك الجيش المصرى هو مصالحه الخاصة، وليس أيديولوجية محددة. وطرح التقرير أيضاً رغبة الولاياتالمتحدة فى إعادة هيكلة الجيش المصرى، بحيث يجرى تصعيد العناصر الأكثر مهنية، ويقبل ضباطه بقيادة مدنية، وهو ما لم يجد صدى لدى كبار ضباط الجيش فى السنوات الماضية. واقترح أحد المستشارين الأمريكان المشاركين فى الدراسة أن تضغط واشنطن على الجيش المصرى لتحقيق هذين المطلبين، بتسريب معلومات لا يعرفها المصريون عن الجيش تُمكن المدنيين من الضغط على الجنرالات، مع تسليمه بأن هذه الخطوة قد تؤدى لنتائج عكسية، وشكك باقى الخبراء فى جدوى فرض شروط على العسكريين المصريين. ورغم كل تحفظات الأمريكان على أداء الجيش وتوجهاته خلال العام الأول من الثورة، فإن حكومة الولاياتالمتحدة كانت مقتنعة بأن الجيش وجهاز المخابرات العامة المصرية، الذى وصفته الدراسة بأنه بعيد عن الجيش مؤسسياً لكنه يرتبط به ثقافياً، هما المؤسستان الأكثر كفاية فى مصر، ومركز الثقل فى العلاقة بين البلدين، ونظراً للضعف الذى أصاب وزارة الداخلية، يعتبرهما البعض، فى مصر والولاياتالمتحدة، المؤسستين الوحيدتين اللتين تقفان بين النظام والفوضى فى أكبر بلد عربى. وعلى الصعيد الدولى، أجمع الخبراء الذين شاركوا فى التقرير على أن فهم السياسة المصرية الخارجية فى المستقبل، سيكون أكثر تعقيدا بكثير مما كان عليه فى الماضى، ما يفرض على السفارة الأمريكية بالقاهرة تحديات كبيرة فى التعامل مع كل القوى بشكل مختلف عما اعتادت عليه فى الماضى، خصوصاً أن الجميع فى واشنطن يتوقع اتساعا فى الجفوة والتباعد بين مصر والولاياتالمتحدة فى مرحلة ما بعد مبارك، لعدة أسباب منها أن المصريين يحاولون رسم خطوط فاصلة بين العهد الجديد والعهد القديم، كما أن السياسة الإقليمية تتجه ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة. وأشار التقرير إلى الدور الذى تلعبه إيران للوقيعة بين مصر والولاياتالمتحدة، فهى تحاول وستحاول إشعال الموقف فى غزة بهدف إحراج الإخوان أمام الرأى العام الذى ينتظر منهم نصرة الفلسطينيين، وفى نفس الوقت تزيد الجفوة بين تركيا وإسرائيل. ويحدد التقرير سببا جوهريا للخلاف بين تركيا وإسرائيل وهو غضب الأتراك من تطوير إسرائيل لحقول غاز الآفشور، قبالة سواحلها على البحر المتوسط، ودعمها لدول أخرى فى هذا المجال، ما يعد تهديدا لدور تركيا كمركز لتجارة الطاقة إلى أوروبا، لكن رغم تدخل إيران يبقى دعم دول الخليج للأحزاب الدينية المصرية أكثر خطرا بكثير على السياسة المصرية بالنسبة للولايات المتحدة. ويرصد التقرير ارتباكا واضحا لصناع القرار الأمريكى، وهو ما عبر عنه أحد المشاركين فى الدراسة بقوله: «ماذا نستطيع أن نقدم لمن؟ ولماذا؟». ويوضح التقرير أن الثورة المصرية جاءت فى وقت سيئ لأمريكا، التى تعانى من مشكلات مالية هائلة، وقبيل عام من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكان وضع استراتيجية فعالة لواشنطن ومقبولة للمصريين أمر شبه مستحيل، ورجحت الدراسة أن الوضع السياسى فى مصر سيظل غير مستقر لفترة أطول بكثير مما توقع معظم المراقبين مع تتابع لجولات انتخابية متعددة. وعبّر التقرير عن القلق من عدم وضوح تصورات القوى الإسلامية لمفهوم كلمة «إسلامية» عند ترجمتها لبرامج محددة، وأن هذه القوى أمامها وقت طويل حتى تستقر على قناعات محددة اقتصاديا وسياسيا. ورصدت الدراسة تطلعات الأزهر فى لعب دور سياسى غير معهود للمؤسسة التى قام عبدالناصر بتدجينها فى الخمسينات والستينات، وظلت خاضعة لمؤسسة الرئاسة لعقود، وبات الأزهر يُظهر الآن رغبة وطموحا للعب دور سياسى كبير، أبرز ملامحه دور الحكم أو الوسيط بين القوى المختلفة، خصوصا بين التيارات الإسلامية والدولة. وعبّر الخبراء المشاركون عن اندهاشهم من تبخر شباب الثورة من المشهد السياسى، واعتبروا ذلك ملمحا مخيبا لآمال المراقبين الخارجيين؛ فهؤلاء الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة ولعبوا الدور الأكبر فى إسقاط مبارك، أثبتوا أنهم نسبياً أقل طموحا فى تشكيل القواعد السياسية الجديدة لمصر، وسواء كانوا غير مهتمين بالسياسة أو قليلى الخبرة فقد جرى تهميشهم على نحو متزايد. ورأى المشاركون أن تهميش هؤلاء الشباب الذين أثاروا إعجاب الغرب بحضورهم وثقافتهم، أفقد مصر أحد أهم أصولها. كان التقرير قد توقع أن تضرب الأزمة الاقتصادية مصر فى مارس 2012، حين يصل الاحتياطى النقدى للقاع، ويضطر المصريون لتخفيض قيمة الجنيه، وستصل هذه الأزمة ذروتها مع الحملة الانتخابية الرئاسية وكتابة الدستور، وقدر الخبراء أن الاضطراب الاقتصادى مع السياسى سيزيد ضعف الاقتصاد المصرى. ورصد التقرير ملمحا آخر للأزمة، فمصر تحتاج بشدة لدعم القطاع الخاص للخروج من أزمتها، لكن الساسة الذين سيدافعون عن القطاع الخاص سوف ينظر إليهم بريبة، ما قد يدفع الساسة للمبالغة فى اتباع سياسات شعبوية، ليس منها دعم رجال الأعمال. وتوقع التقرير أن تحاول مصر حل مشكلاتها بالطريقة السهلة، وهى مساعدات دول الخليج التى لا ترتبط مساعداتها، على عكس دول أوروبا، بأى إصلاحات سياسية أو اقتصادية، لكن المشكلة أن هذه الدول دائما ما تعِد وتتباطأ فى تنفيذ وعودها، فضلاً عن رغبة الخليجيين الذين تعهدوا بضخ 7 مليارات دولار مساعدات عاجلة، فى عدم استثمار أى أموال فى مصر، قبل أن يطمئنوا على المنازعات حول استثماراتهم العقارية فى مصر، وهذا الأمل هو الذى دفع مصر لرفض عرض سخى من صندوق النقد فى يوليو 2011.