الحى الشعبى مظلم.. الشارع الضيق ملتوٍ، العنوان معلوم ليس بحاجة لوصفة «ابن حلال» أو خريطة «جوجل إيرث»، رائحة المكان ترحب بالأجانب الوافدين، شهامة وجدعنة وبأس شديد.. خصائص تميز سكان حى عابدين عن الأجناس الأخرى.. فى عمق مربع «الصنايعية» كان وما زال يسكن.. صيته برح الحى الشعبى وصولاً للجميع، جداريات تجمع فنون الرسم التشكيلى.. تهدى عابر السبيل إلى منزل «جابر صلاح جابر» الشهير ب«جيكا»، بين أركان شقة متواضعة فى عمارة قديمة.. نشأ الشاب الثورى على مبدأ ويقين دفع ثمنه قطف زهرة عمره عند 17 سنة.[Image_2] غرفته مرتبة.. تحتضن كل متعلقاته وذكرياته التى خلفها وراءه، قطته البيضاء ترضع وليديها ولا تزل تبحث عن صاحبها، «صلاح جابر» عجوز على المعاش.. ازداد فوق الكهولة كهولة بعد فراق نجله الأصغر، السواد يغطى كل محتويات البيت الصغير، شهيد الاحتفال بذكرى أحداث محمد محمود منتمياً لحركة 6 أبريل وعضواً بحزب الدستور.. يعشق السياسة، الأصل أن الأب يورث ابنه.. جيكا قلب الآية وورث قناعته النضالية لوالديه، بنفور شديد من ممارسات جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى.. يُعدد الرجل الستينى انتهاكات القانون على يد الجماعة والتيارات الإسلامية الأخرى ماراً بالأحداث والمواقف والقرارات وصولاً إلى رأس الدولة «مرسى». جيش من نشطاء الحركة ينادون بدمه.. والد «جيكا» يرفض انتهاك القوانين «لو هىّ غابة وبالدراع يبقى مايلوموش الشباب على التجاوز بقى!»، مشدداً ومكرراً «لازم نحترم القانون».. فقواعد القانون ميثاق الحياة والعدل وصون الحقوق. وحسب صلاح جابر «مفيش حقوق هتيجى للشهداء وهالجأ للأمم المتحدة». الشرار يتطاير من جفنيه الحمراوين.. يجلس على «كنبة» فى حجرة نجله الشهيد، سهامه مسلطة على الرئيس والجماعة منتقداً ممارساتهم وأغراضهم.. بحضور زوجته وأحمد طه -صديق جيكا- يقول إن الشهيد انتخب مرسى ضد شفيق آملاً منه خيراً فكان أول من قُتل فى عهده.. مبدأ التعويضات المادية لديه مرفوض قطعاً متمسكاً بالقصاص العادل: «ييجى من بره إن شاء الله ويتحقق بتقديم مرسى وغيره للعدالة»، صبابة حب البلد تجعل والد الشهيد يكتفى بحق ابنه فى تحقيق مطالبه وهو حى: «البلد يبقى فيها قانون وحقوق الناس اللى ماتت غدر»، صراحة يقولها الوالد وتؤمّن عليها أم الشهيد «حق ابنى فى قيام دولة يتحاكم فيها الكبير قبل الصغير، من الرئيس لأصغر حد». «أنا شايفه دم ابنى لحد دلوقتى فى عينيّه». تغالب السيدة المجروحة دموعها عند الحديث عن فلذة كبدها، قائلة إنها تريد مصر نظيفة غنية «مش عايشة على الشحاتة والتسول من بلاد بره»، مسلمة أمرها وإيمانها لعدالة السماء بأنها ستأتى بحق جيكا، زملاء وأصدقاء «جيكا» ينادونه فى المظاهرات والوقفات شاهرين أعلامهم عليها صورته.. وطابعين جرافيتى باسمه وصورته على الحوائط، أشياؤه أيضاً تناجيه.. أم الشهيد تخشى على الشعب من غضب المولى «ربنا هينتقم مننا كشعب لأننا لم نقتصّ للشهداء لحد دلوقتى»، يطلق الأب قذيفة كلامية من العيار الثقيل: «الشهداء فى مصر زى الكلاب بتيجى عربية الصيد بتاعة زمان يلموهم ولا ليهم قيمة». زيارات أصدقائه وقبلاتهم على أيادى والديه لم تجف، أحمد طه -عضو 6 أبريل- يتعهد وزملاؤه بحقوق ودماء الشهداء ومنهم جابر.. «الإخوان سلطوا عليه ظابط من الداخلية عشان بيهتف ضدهم وبيحاربهم واللى ضربه معروف وعليه شهود»، جرس تليفونه المحمول يضرب على صوت الهتاف الشهير للشهيد «الثوار مش بلطجية.. يسقط ظلمك يا داخلية»، «طه» متمسكاً بصداقته التى بدأت فى الثورة.. «جيكا رمز جديد للثورة والقصاص هيكون قريب». أخبار متعلقة: هؤلاء يطلبون القصاص شقيق «علاء»: «بدوّر على القاتل لأن الحكومة منفّضة» والد «شهاب»: «لو حق ابنى مرجعشى هعمل زى الألتراس.. الدم بالدم» شقيق «جرجس»: «فى عهد مرسى مفيش حقوق هترجع»