هند بنت عتبة، اسم معروف فى الجاهلية والإسلام أشد المعرفة، استمد شهرته من طبيعة خاصة ميزتها كسيدة تفردت بشخصيتها بين نساء مكة، أيام بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعززت بزواجها من سيد «مكة» أبوسفيان بن حرب، ثم توجت بعد ذلك بارتباط اسمها باسم أول ملك للعرب، بعد زوال عهد الخلفاء الراشدين، وهو معاوية بن أبى سفيان، مؤسس الدولة الأموية التى اقتنصت راية الحكم من بنى هاشم، رهط النبى، صلى الله عليه وسلم. يكاد يكون مفهوم «السيدة الأولى» اختراعاً خاصاً ب«هند»، داخل المجتمع المكى، ربما يكون قد سبقها إلى هذا الدور غيرها، لكن كتب التاريخ تبدأ الرحلة معها. تجربة هند بنت عتبة هى التجربة الأم فى هذا السياق، وقد تركت ظلالها على الكثير من النساء اللائى حاولن الجلوس على مقعد السيدة الأولى بعد فتح مكة وانسحاب البساط من تحت قدميها، بعد أن خرجت السيادة من بنى أمية إلى بنى هاشم، حتى استردها ولدها «معاوية» ثانية بعد ذلك. لعبت «هند» دوراً محسوساً فى مواجهة رسول الله عندما بعثه الله برسالة الإسلام، لم يأخذ شكل الصراخ والعواء والذم والقدح، قدر ما أخذ شكل الترتيب والتدبير المحكم، وقد كانت تجيد فى هذا المقام كل الإجادة. نستطيع أن نستدل على ذلك مما تحكيه كتب التاريخ حول المواجهة المبكرة التى خاضتها قريش مع النبى، صلى الله عليه وسلم، حين قررت مقاطعته، ومن آمن معه، أو ناصره من بنى هاشم، فقد فطنت «هند» إلى ضرورة فك حزب «بنى هاشم» من الداخل، ولم تر حلقة أقرب وأضعف فى العائلة الهاشمية من «أبولهب» (عبدالعزى بن عبدالمطلب)، إذ يبدو أنها اتفقت معه على ألا ينحاز إلى محمد، كما فعل أخوه أبوطالب، ونفر من بنى هاشم. يحكى صاحب «البداية والنهاية»، أنه لما كانت الصحيفة انحازت بنو هاشم وبنو عبدالمطلب إلى أبى طالب، فدخلوا معه فى شعبه، واجتمعوا إليه، وخرج من بنى هاشم أبولهب عبدالعزى بن عبدالمطلب إلى قريش، فظاهرهم، وحدثنى حسين بن عبدالله أن أبا لهب لقى هند بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشاً، فقال: يا ابنة عتبة نصرت اللات والعزى، وفارقت من فارقها وظاهر عليها، قالت: نعم.. فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة. وعندما هاجر النبى وصحبه من مكة إلى المدينة، فراراً من ملاحقة القرشيين لهم، لم تصمت «هند»، بل لعبت دوراً ملموساً فى دفع أهل مكة إلى قتال محمد، ومطاردته خارج مكة، وكان ذلك من خلال زوجها أبوسفيان الذى أوغرت صدره من كل الطرق الممكنة على النبى، وحفزته عبر اتهامها المستمر له بالجبن والنكوص، وكانت كثيرة الاتهام له بذلك، وسيبين لك ذلك فيما بعد. وأصل غزوة بدر هو القافلة التى كان يقودها أبوسفيان، وأراد المسلمون إصابتها، تعويضاً لهم عن اضطرار قريش لغالبيتهم إلى ترك ديارهم وأموالهم ليهاجروا إلى المدينةالمنورة، وعندما علم أبوسفيان بالهجمة المتوقعة أرسل إلى قريش مستنجداً، فخرج له صناديدها، وفى غمرة المواجهة تمكن أبوسفيان من أن يسلك طريقاً مختلفاً، بعيداً عن جند محمد، واستطاع الفرار بالقافلة، وأرسل إلى مكة بالخبر، لكن كبار قريش الذين خرجوا أبوا العودة، رغم أن هوى أبوسفيان كان مع إيثار السلامة وعدم المواجهة، وحرضه هؤلاء الكبار -وعلى رأسهم عمرو بن هشام (أبو جهل)- على قتال محمد، ولم يكن من الصعب عليهم إقناعه بذلك، فيكفى جداً أن يتذكر اتهام «هند» له، وما كان ينتظره لو رجع دون أن يقاتل عدوها اللدود، حتى يكر راجعاً لقتال النبى وصحبه!.