كان شعار الثورة المصرية من أول يوم هو «سلمية.. سلمية»، وكلما سعى دخيل لكى يربك المشهد كان الثوار أنفسهم يتدخلون ويوقفون أى تحرك يمكن أن يغير المسلك السلمى للثورة والثوار، حتى نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير وأصبحت مضرب المثل فى الدنيا كلها بسلميتها وتحقيقها لهدفها الأول وهو إزالة الطاغية حسنى مبارك، لكن ما شهدته وتشهده مصر فى الذكرى الثانية للثورة أكد على أن القائمين على هذه الأحداث مهما ادعوا علاقتهم بالثورة والثوار فقد أصبحوا غير ذلك، لم يقم الثوار على الإطلاق بإخفاء وجوههم بأقنعة سوداء وقاموا بحرق مقرات للصحف أو لأحزاب سياسية أو وسائل إعلامية أو لمدارس أو أغلقوا الطرق أو عطلوا مصالح الناس أو حاولوا اقتحام مبنى التليفزيون أو الهجوم على منزل الرئيس مرسى ومحاولة إحراقه أو غير ذلك من السلوكيات التى ظهرت خلال الأيام الماضية وعكست أن هناك أيدى سواء داخلية أو خارجية لا تحب الخير لمصر وأهلها تعبث بأمن الوطن وتريد إحراقه وتستخدم هؤلاء بعلمهم أو بغير علمهم لتحقيق ذلك، والموقف الغريب كان موقف ما يسمى بالمعارضة التى لم تقم بإدانة أى من هؤلاء أو سلوكياتهم بل كأنهم كانوا ينفذون مخططات المعارضة لاسيما أن الأدمن لصفحة «بلاك بلوك» ظهرت له صور على شبكة الإنترنت وهو يرتدى تى شيرت لأحد مرشحى الرئاسة السابقين، الأمر الأغرب من موقف الأحزاب السياسية المعارضة التى يبدو أنها متورطة بشكل أو بآخر فى حالة الفوضى والحرائق المنتشرة فى أنحاء مصر هو بعض وسائل الإعلام التى أصبحت تمجد أفعال هؤلاء بل تعتبرهم امتدادا للثورة حتى إن الصحف وصفتهم بأنهم «درع الثورة وسيفها»، والشعب المصرى حينما قام بالثورة لم يحرق مقدراته أو يعطل مصالح الناس أو طرقهم أو يقوم بالهجوم على مؤسسات الدولة وتدميرها، ومعنى هذا أن بعض وسائل الإعلام شريكة فى هذه الجرائم التى تحدث، إن هناك فوارق أساسية بين أفعال الثوار وأفعال البلطجية، هل الهجوم المسلح بالرشاشات الخفيفة والثقيلة على سجن بورسعيد ومحاولة إخراج المساجين منه بعد صدور الحكم الخاص بمجزرة الاستاد هو فعل ثورى؟ وهل الذين قاموا به ثوار؟ وهل ما حدث فى السويس كذلك من محاولة للهجوم على الأماكن التى يحتجز فيها بعض المساجين هو فعل ثورى؟ وهل هجوم مجموعات البلاك بلوك والقناع الأسود على مبنى التليفزيون ومحاولة اقتحامه وإغلاقهم لكوبرى 6 أكتوبر لساعات وتعطيل مصالح الناس وإحراق مقر «إخوان أون لاين» وحرق المكاتب الإدارية للسكة الحديد وبعض المدارس التى هى ملك للشعب وإحراق جزء من المتحف العلمى مرة أخرى وغير ذلك من الحرائق الأخرى هى أفعال ثورية أم أفعال بلطجية؟ إن كل من يصمت على إحراق مصر وإشعال الفتن فيها وحماية القائمين عليها هو شريك فى الجريمة، وإن المعارضة المصرية بكل أطيافها التى صمتت أمام الجرائم التى وقعت فى مصر خلال الأيام الماضية هى وقادتها شركاء فى تلك الجرائم، وإن وسائل الإعلام التى تروج لهذه الفتن ولهذه الجرائم هى شريكة فيها، إننا نريد أن نفرق بين الفعل الثورى والفعل الإجرامى، إن الذى يُحرَق هو ممتلكات الشعب وإن شيوع الجريمة بهذه الطريقة مع تخاذل الأمن فى التصدى لها بالشكل الكافى هو تواطؤ لإحراق البلاد، ومع فشل المظاهرات التى كانت المعارضة تعوّل عليها يوم 25 يناير وكذلك فشل التحركات لدفع الألتراس لحرق مصر يوم السبت جعل ما يسمى بالمعارضة تعقد مؤتمرا صحفيا مساء السبت تعلن عن دعوتها الشعب للاحتشاد يوم الجمعة المقبل.. هل هؤلاء يريدون استقرارا أو مصلحة للبلاد أم يعملون من أجل مصالح شخصية ضيقة تعكس فشلهم فى كل ما يخططون له؟ وفى كل يوم نرى وجوها جديدة تقول إنها المعارضة.. أىّ معارضة تلك والانتخابات النيابية بقى عليها أربعة أشهر أو أقل وإذا كانوا جادين فى معرفة حجمهم فى الشارع فعليهم أن يحشدوا للانتخابات؟ إن ما يحدث فى مصر من محاولة لحرقها وإشاعة الفوضى فيها لم أعد أشك ولا لحظة واحدة أنه جزء من مؤامرة كبرى أبعد من استهداف مرسى أو الإخوان، لكن الله سوف يخيب أمل القائمين عليها رغم الضعف المزرى للحكومة والسلطة فى مقاومتها.