بعد عامين من 25 يناير 2011، وُضع لمصر دستور لا يبنى الديمقراطية ولا يضمن العدالة الاجتماعية ويعصف بالحقوق والحريات ويقر الوضعية الاستثنائية للمؤسسة العسكرية فى تشريعاتها وميزانيتها ويفتح الباب (فى مادتيه 4 و219) واسعاً أمام الدولة الدينية. بعد عامين من 25 يناير 2011، أصبح لمصر الرئيس المدنى المنتخب الذى اختارته أغلبية المصريات والمصريين فى الانتخابات الرئاسية وأعطوه باختيارهم هذا الشرعية الديمقراطية. إلا أن الرئيس المنتخب، وبعد مضىّ ستة أشهر على بدء فترته الرئاسية، لم يحقق ما وعد به انتخابياً للمائة يوم الأولى ولا للمائة يوم الثانية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد بلغ هاوية كارثية. يتحمل الرئيس المسئولية السياسية الكاملة عن أداء فريقه وحكومته التى لم تعرض على الرأى العام بعد خطط إصلاحية أو تنموية حقيقية. فقط وعود لم تنفذ، وحديث عن أموال قادمة من الخارج لا نعلم شروطها، وصكوك لبيع مصر تُعتمد وتُمرر. بعد عامين من 25 يناير 2011، يتحمل الرئيس المسئولية الكاملة عن السيطرة المتنامية لجماعته وحزبها على الدولة ومؤسساتها، وليس فقط على المواقع السياسية كالمستشارين والوزراء، فهذه لا اعتراض عليها وتتسق مع النتائج المشروع أن يرتبها الفوز فى الانتخابات. بعلم الرئيس، يفرض على الدولة ومؤسساتها هيمنة إخوانية ويستمر غياب حياد الدولة (كما كان غائباً فى ظل استبداد الرئيس السابق) ويقضى على محاولات الإصلاح وإعادة الهيكلة ومكافحة الفساد. بعلم الرئيس، تعقد جماعته التحالفات والصفقات (الجزئية) مع المصالح الاقتصادية والمالية التى أنتجت فساد العقود الماضية، وتقف من ثم مساعى الشفافية والنزاهة والعدالة الاجتماعية التى طالب بها الشعب منذ عامين ولا يزال. بعد عامين من 25 يناير 2011، عادت القيود على حرية التعبير عن الرأى والحريات الإعلامية لتصبغ المساحة العامة فى مصر بلون واضح السلطوية والاستبداد. ملاحقات لأصحاب الرأى بتهمة إهانة الرئيس وتهم أخرى، وقيود وتهديدات لوسائل الإعلام بلغت حد الحصار، ووزير إعلام إخوانى عوضاً عن إلغاء هذه الوزارة وثيقة الارتباط بالنظم السلطوية، وغيرها من الظواهر الخطيرة التى تدفع بمصر بعيداً عن الحرية والتعددية اللتين طالب بهما الشعب منذ عامين ولا يزال. بعد عامين من 25 يناير 2011، يزج الرئيس وجماعته وحزبه بمصر مجدداً باتجاه انتخابات برلمانية قانونها معيب وضمانات نزاهتها غائبة والحكومة التى ستديرها يسيطر الإخوان على وزاراتها المحتكة بالعملية الانتخابية (التنمية المحلية والإعلام والشباب). والإخوان وحزبهم يستخفون بمطالب القوى السياسية المعارضة (بل وبعض حلفائهم) بشأن الحكومة المحايدة وضمانات نزاهة الانتخابات المرتبطة بوضوح بمصداقية العملية السياسية برمتها. بعد عامين من 25 يناير 2011، تعود المصريات ويعود المصريون الذين لم تتحسن ظروف معيشة أغلبيتهم الساحقة إلى اليأس من السياسة وممارسيها، بين حكم عاجز ومعارضة لا تقدم بديلاً متماسكاً. يعودون للانصراف عن السياسة الرسمية (والدليل نسبة المشاركة الشعبية المنخفضة فى استفتاء الدستور) ويعزفون عنها قانطين ويعود بعضهم إلى (أو يستمر فى) الشارع احتجاجاً وطلباً للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التى طلبها منذ عامين ولا يزال. بعد عامين من 25 يناير 2011، تعود قطاعات شعبية واسعة للاحتجاج رفضاً لدستور مشوه ولأوضاع اقتصادية واجتماعية كارثية ولسيطرة الإخوان على الدولة ولغياب الإصلاح الجاد والقيود المفروضة على الحريات، ورفضاً للسياسة الرسمية العاجزة عن إحداث تغييرات إيجابية. وإن كان الدكتور مرسى قد انتُخب ديمقراطياً، فإن الديمقراطية هذه مع خطايا الدستور واستمرار عجز حكومته وتردى الأوضاع لن تحميه من مواجهة رفض قطاعات شعبية واسعة ولا من الدعوة إلى انتخابات مبكرة إن لم يحدث التغيرات الإيجابية المنتظرة.