استعدت الإسكندرية لاستقبال 25 يناير بحرب شوارع أعادت إلى الأذهان مشاهد جمعة الغضب، فعلى مدى 7 ساعات استمرت المعارك بين المتظاهرين وقوات الشرطة أمس الأول عقب تنحى هيئة المحكمة التى تنظر قضية قتل المتظاهرين، وتمكن الأمن من إلقاء القبض على 40 متهماً، فيما أضرم محتجون النيران فى مبنى محكمة الجنايات. وتصاعدت الاشتباكات بين قوات الشرطة والمئات من المنتمين إلى القوى السياسية، وأهالى الشهداء والمواطنين بعد منع قوات الأمن بعض أسر الشهداء من حضور جلسة قضية قتل المتظاهرين، المتهم فيها اللواء محمد إبراهيم مدير أمن الإسكندرية الأسبق، واللواء عادل اللقانى مدير قطاع الأمن المركزى السابق، و4 من ضباط الشرطة. وبدأت الاشتباكات عندما هتف الأهالى ضد وزارة الداخلية والرئيس محمد مرسى، ونظّموا وقفة احتجاجية بالتزامن مع انعقاد الجلسة، وطالبوا بإعدام المتهمين، ورددوا هتافات: «الداخلية.. بلطجية»، و«افرح افرح يا مبارك.. مرسى بيكمل مشوارك»، وكثّفت قوات الأمن من إجراءاتها وحاصرت عشرات المدرعات محيط المحكمة، وطاردت المتظاهرين، الأمر الذى دفعهم إلى إلقاء الحجارة على قوات الأمن، التى ردّت بإلقاء القنابل المسيّلة للدموع لتفريقهم، عقب تنحى المحكمة عن نظر قضية قتل المتظاهرين خلال ثورة 25يناير، وإحالة الدعوى إلى رئيس محكمة الاستئناف لتحديد دائرة جديدة لنظر القضية. وبدأت الأزمة بعد انسحاب محامى المدعين بالحق المدنى فى الجلسة السابقة، احتجاجاً على رفض هيئة المحكمة تلبية مطلبهم بمشاهدة «السيديهات» التى اعتبروها كاشفة للوقائع الحقيقية لمقتل المتظاهرين، مؤكدين أن «السيديهات» التى عُرضت ليست هى التى قدموها للنيابة العامة. وتسبب موقف هيئة المحكمة التى اعتذرت عن عدم الاستمرار فى نظر القضية، فى تزايد الغضب والاحتجاجات، حتى أضرم المحتجون النيران فى صناديق القمامة بجوار مبنى المحكمة، وألقوها مشتعلة مع حجارة وزجاجات المولوتوف على قوات الأمن المركزى، لمحاولة اقتحام مقر المحكمة إلا أن القوات تمكّنت من التعامل مع الموقف قبل أن تتزايد أعداد المتظاهرين وأهالى الشهداء. وأضرم محتجون النيران فى سيارتين للشرطة، واعتدى مجهولون على بعض المحال التجارية، وحطموا عدداً من المقاهى واحتجزوا رهائن من المواطنين داخل مقهى التعاون، واستولوا على أموالهم وهواتفهم المحمولة. وظهرت حالة من الترصد للصحفيين، واعتدى المحتجون عليهم، وسرقوا أموالهم ومتعلقاتهم الشخصية بالإكراه، واحتجزوهم داخل أحد المقاهى فى منطقة محطة الرمل التى شهدت مسرح الأحداث. وألقت قوات الأمن المركزى قنابل الغاز المسيّل للدموع، لإبعاد المحتجين عن محيط المحكمة وتفريقهم، ومشطت المناطق والشوارع الجانبية لمطاردتهم والقبض عليهم، وإغلاق الشوارع المؤدية إلى المحكمة بالكامل. وبعدها تجمع المتظاهرون فى 3 نقاط حول المحكمة هى طريق الكورنيش عند الباب الرئيسى للمحكمة، وطريق «الترام» عند الباب الخلفى، وعند مجمع النيابات فى المبنى المجاور للمحكمة، ثم انطلقوا لمحاصرتها من جميع الاتجاهات وتضييق الخناق على قوات الأمن ثم اختراقها من الباب الرئيسى وإضرام النيران فيها. وامتدت النيران لتلتهم الدور الأرضى للمحكمة وغرف المستندات وسجلات القضايا، قبل أن تتمكن قوات الدفاع المدنى وسيارات المطافئ من السيطرة على الحريق، وبخاصة بعد قطع الكهرباء عن مساحات واسعة من المناطق المجاورة للمحكمة، واستخدام معدات متطورة والعشرات من رجال الإطفاء. واستمرت حالة الكر والفر بين قوات الأمن المركزى والمتظاهرين فى محيط محكمة الجنايات منذ الساعة الرابعة عصراً حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، وشنت قوات الأمن حملة اعتقالات لأكثر من 70 من المتظاهرين، فى محاولة لإنهاء الاشتباكات، فضلاً عن القبض على 8 من مقتحمى مبنى المحكمة. فيما حرر محمد حافظ، محامٍ، بلاغاً برقم 248 لسنة 2013 إدارى العطارين، يتهم فيه قيادات مديرية أمن الإسكندرية باختطاف المتظاهرين. وقال اللواء ناصر العبد، مدير مباحث الإسكندرية إنه تم إحالة 40 متهماً إلى النيابة العامة تم ضبطهم خلال أحداث الاشتباكات أمام المحكمة. وأوضح أن هناك قضيتين، الأولى هى تحطيم سيارتين تابعتين للشرطة، وإضرام النيران فيهما وإصابة 3 مجندين، ورشق القوات بالحجارة والمتهم فيها 31، وقضية اقتحام مقر المحكمة والمتهم فيها 9. وبدأت نيابة شرق الإسكندرية تحقيقات موسعة، وانتقلت إلى موقع المحكمة وبدأت فى معاينة المكاتب التى تم اقتحامها، كما قررت انتداب لجنة من أطباء وزارة العدل لفحص الملفات التى تم حرقها، وانتداب لجنة هندسية للوقوف على مدى سلامة مبنى المحكمة. وعقب الأحداث خلت شوارع وسط المدينة من المارة وتحولت إلى منطقة أشباح. وشكل النشطاء وشباب الثورة لجاناً شعبية لحماية المحكمة صباح أمس، وأصدروا بياناً أكدوا فيه أن الثوار والمتظاهرين ليست لهم علاقة باقتحام المحكمة، وما حدث من اقتحام كان من أجل تشويه صورة المتظاهرين وقالت حركة شباب 6 أبريل، إن الثوار الأحرار الشرفاء يبحثون عن حق الشهداء، ولا يبحثون عن أغلبية فى مجلس الشعب أو يطمعون فى حكومة ورئاسة. فيما استنكر أنس القاضى المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين فى الإسكندرية، ما قام به عدد من المتظاهرين من أحداث عنف وشغب على مدار اليومين الماضيين. وقال: «الإخوان طالبوا من قبل وما زالوا يطالبون بحقوق الشهداء والمصابين ولابد من تحقيق عدالة ناجزة والقصاص لهم لأن ذلك مطلب أصيل من حقوق الثورة، مشيراً إلى أنه ضمن هيئة الدفاع عن أسر الشهداء عدد كبير من المحامين الإخوان بالإسكندرية الذين حملوا على عاتقهم الثأر لشهداء الثورة، ولكن من غير الطبيعى أن يقوم عدد من المتظاهرين بالقفز على شرعية المطالب وسلمية المظاهرات، ويستخدموا العنف ونشر الفوضى والرعب بين المواطنين».