تثير بعض الصور نمط ما يجعلنا نتناول كل شيء من زاوية محددة، ولكن ارتباط المادة بمعادل وحيد لها لا يمكن أن يعني فقط هذا المعادل مثل الضوء في نهاية النفق، والذي كان بالضرورة يعني الأمل حتى جاء أحد الأفلام وغير الفكرة بجعله قطارًا يعرف طريقه إليك، وأنت لا تملك وسيلة سحرية لتنجيك من طريق الموت الذي يتحرك القطار على متنه. هنا يمكن جمال الحبكة رغم صعوبتها على المتلقي. إلا أن عدم استسلام المؤلف للمسلمات هو ما يعني صناعة قصة مختلفة لن ينساها المشاهد. ومن المعروف أن المساحات الواسعة هي خالقة البهحة لدى، فأغلب المشاهد المُريحة يتم صناعتها في البراح، ولكن بعض الأفلام أثبتت أن الحوائط والمساحات الضيقة يمكنها أن تكون هي الأخرى مصدرًا للبهجة، فقط إن تعاون المخرج والمؤلف ليخرجوا السعادة الكامنة من تلك المساحات الصغيرة. السعادة يمكن أن تكتب على الحائط Amélie حياة "إيميلي" لا تحمل كثيرًا من النجاحات الفردية، ولكن الفيلم الفرنسي "إيميلي أو الحياة المصير الخرافي لأغيميلي بولان" يستطيع أن يخلق البهجة من أبسط الأشياء، ليؤكد لك عبر محاولات إيميلي لإسعاد غيرها أن السعادة تكمن في التفاصيل الصغيرة، في جواب عابر، أو في قبلة، أو كلمة، وبالطبع في الحب. في قصة هامشية تمامًا داخل قصص أخرى احتواها الفيلم تدور علاقة بسيطة بين "إيميلي"، وكاتب مغمور حيث تقرأ روايته ويعلق في أذنها جملة واحدة، تلك الجملة التي ترددها طوال الفيلم، هي بالظبط ما تبحث عنه "إيميلي" في حياتها الخاصة، وعندما تعثر على الحب تكتب تلك الجملة على جدار في محيط سكن ذلك الكاتب، ورغم الإحباطات المستمرة التي تعرض لها ذلك الكاتب من رفض لمقالاته، وعدم اهتمام بروايته، فإن تلك الجملة على وجه الخصوص كانت السبب في شعوره بالسعادة، والذي تمثل في مشية هي الأقرب للرقص على معزوفة موسيقية حينما وقعت عينيه على جملته التي كتبتها "إيميلي" على الجدار، يمشي بجانبها، ويتحرك بخفة، وكأن حياته لم تحتوِ على تلك الإحباطات المتوالية. Children of Heaven الحيوات تتغير بين الحوائط فاستعد في فيلم إيراني من التسعينيات بعنوان "أطفال من الجنة" تدور مشاهده، طفلين "أخ وأخته" وهما يتبادلان حذاء واحدًا في زقاق صغير لحائطين متقابلين يكفي أن يحمل جسديهما الصغيرين، حيث في كل مساء عندما يتم تبادل الحذاء داخل هذا الزقاق تتعدد الحكايات، ويصبح الحائط هو العنصر الذي يجتمع فيه الأخوان بجانب بيتهما الصغير. ورغم الحال الضيق لأبطال القصة، إلا أن القصص الصغيرة، والتفاصيل الصغيرة، هي ما خلقت من كل لحظات الألم طريق آخر للسعادة، فقط لأنهما يحاولان. يبحثان عن حذاء الأخت الأصلي الضائع في رحلة موازية، ويشترك الأخ في مسابقة للركض فقط من أجل الحصول على حذاء جديد، ومع ذلك تصبح تلك المساحة الصغيرة، هي العامل الأهم في القصة، وتصبح جزءًا مهمًا للنجاح الذي يحاول الفيلم الوصول إليه في النهاية. Frances Ha الحائط يمكن أن يكون البداية في فيلم أمريكي هذه المرة، تطل من مسرح صغير "فرانسيس هالاداي" الفتاة التي تحلم بأن تكون راقصة محترفة، ولكن فرانسيس المفعمة بالحيوية، لا يبدو أن جسدها قد خلق لتكون راقصة محترفة، وهي رسالة الفيلم، كيف يمكن أن نغير أحلامنا بما يتناسب مع إمكاناتنا الشخصية؟. في رحلة البحث عن النجاح تتحول "فرانسيس" لصانعة رقصات، حينها تتحول الحياة مبهجة بعد إحباطات عديدة تعرضت لها "البطلة" طوال الفيلم، إحباطات استطاعت التغلب عليها بالرقص، حينما كانت ترقص في الشارع غير عابئة إلا بالتخلص، ما قد يصيبها بأزمة، بالرغم من ذلك لم تسهم تلك اللحظات الواسعة بنفس الارتياح الذي انتاب المشاهد في اللقطة الأخيرة، والتي كانت من أضيق لحظات الفيلم، حينما تقف فرانسيس في حوش المنزل، أمام جدار علب البريد الذي يحمل أسماء الساكنين، تصنع "فرانسيس هالاداي" اسمها ولكن العلبة لا تكفي الاسم كاملًا تقتص من اسم أبيها الباقي فتظهر منها "ها" فقط، يشير المؤلف بذكاء لعدم اكتمال الحلم، ولكن تحقيقه والسير فيه هي البداية التي غالبًا ما تحمل الذكريات الأهم والأعظم في حياة البشر.