"في ليلة مفترجة من ليالي شهر رمضان المبارك، دخل شادي البيت لقى باباه ومامته بيتفرجوا على المسلسلات الرمضانية الجميلة وبياكلوا كنافة وقطايف. وقف قدامهم وأدى ضهره للتليفزيون، وقال بصوت شخص واثق من نفسه (ماما.. بابا.. أنا كبرت وعاوز أتجوز!).. فجأة اتنفضت مدام إحسان ورقعت زغروطة جابت آخر الشارع (يا حبيب ماما! ياما أنت كريم يا رب!).. أما المهندس جلال نط من مكانه وحضن شادي، وقال (يا حبيبي يا ابني، كبرت وبقيت راجل!، ونويت تتجوز مين عشان نروح نخطبهالك؟)، بص شادي للست والدته وابتسم ابتسامه خبيثة، وقال (لا أنا عاوز ماما هي اللي تنقيلي العروسة المناسبة)". مش هطول عليكم لأنكم عارفين باقي المشهد وشايفينه في 200 فيلم ومسلسل عربي قبل كده، وجايز تكونوا توقعتوا الأحداث اللي هتحصل في حياة "عيلة شادي" -العيلة المصرية النموذجية-، خلال العشر سنين اللي جايين. شادي اللي قرر بإرادته الحرة أمتى يتجوز، مفرقش معاه هيتجوز مين واكتفى أنه يصرح بنيته واحتياجه الفسيولوجي في التوقيت ده. وطبعا أم شادي هتبدأ من تاني يوم تلف على صحباتها، واحدة واحدة وتدعبس لحد ما تلاقي العروسة "اللي هي".. حاجة كده شغل فاخر.. وتجيب صورتها توريها لشادي وأبو شادي ولو العروسة عدت كشف الهيئة واختبارات حسن السير والسلوك، هيتكلوا على الله وهكذا. مشهد عادي تقليدي مكرر خالٍ من أي إثارة أو تشويق، طيب تعالوا نتخيل نفس المشهد ده بحذافيره بس هنغير تفصيلة واحدة بس بدل شادي هنخلي البطل.. "شيماء" أخته! "في ليلة مفترجة من ليالي شهر رمضان المبارك, دخلت شيماء البيت لقت باباها ومامتها بيتفرجوا على المسلسلات وبياكلوا. وقفت شيماء قدامهم وخدت نفس عميق وقالت بنبرة خوف وقلق "ماما.. بابا.. أنا كمان كبرت وعاوزة أتجوز!"، فجأة اتنفضت مدام إحسان ورقعت بالصوت الحياني "يا نهار إسود! إيه بجاحتك دي! مش مكسوفة وأنت بتقولي كده في رمضان!!"، أما المهندس جلال نط من مكانه ومسك شيماء من دراعها "أنت إزاي بتفكري في الحاجات دي؟، وكمان ليكي عين تقولي الكلام ده قدام أبوكي! جيل بايظ!". الست إحسان والمهندس جلال مش هيفرحوا قوي ببنتهم، مش هيحضنوها ولا هيبركولها، أم شيماء مش هتدور لشيماء على عريس زي ما دورت لشادي، وسياق الدراما في حياة "عيلة شيماء" بعد الجملة دي هيتجه ناحية، إن شيماء قليلة الأدب عشان بتفكر في الحاجات دي، شيماء نموذج لبنات كتير، جميلة ومتعلمة ومثقفة ومحترمة جدًا وعندها النية والاستعداد إنها تكون أسرة، وتتجوز لكن "القدر" و"النصيب" لسه مجاش عندها. مضطرة تتعامل يوميًا من ساعة ما تتم العشرين سنة مع جمل من نوعية "مش هنفرح بقى؟ هو مفيش حاجة كده"، وكأن هي اللي موقفة المراكب السايرة. في حين أن الولد ما بيستناش حد يخبطله على الباب وبيتصرف، البنت تتصرف إزاي؟. على الرغم من اقتناعنا الموروث بعبارات مستهلكة فقدت معناها زي "اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك" أو "إحنا بنشتري راجل"، لا عمرنا سمعنا عن أب خطب لبنته راجل شايف إنه إنسان محترم، ولا سمعنا عن أم طلبت إيد ابن صاحبتها لبنتها. أم شيماء وغيرها ما بتدورش لبنتها على عريس غير بعد ما "المجتمع" يدي شيماء اللقب اللي مايتسماش "أبو أربع حروف" من منطلق إنهم لازم يجوزوها أي حد والسلام.. وساعتها برضو مش هيبقى عند شيماء أي اختيار ولازم ترضى باللي "يرضى بيها" من غير ولا كلمة. جدتي –الله يرحمها- كانت دايمًا تقولي "مفيش بنت بتقعد من غير الجواز. الحلوة بتتجوز والوحشة بتتجوز" لكن جدتي مواليد سنة 1921، وما تعرفش إن دلوقتي بقوا الحلوين كتير واللي بيقعدوا من غير جواز أكتر. الموضوع مش زي أيامكم يا تيتة.. مفيش خاطبة.. مفيش ابن الجيران اللي بيحب جارته 10 سنين من البلكونة لحد ما ياخد الشهادة ويتوظف في الحكومة ويتقدملها ويتجوزها في شقة إيجارها 3 جنيهات.. الحكاية ما بقتش بنت حلوة ووحشة، الموضوع بقى أصعب بكتير، الموضوع بقى حياة ضاغطة ومشاكل اقتصادية على كل الأطراف.. الحكاية بقت نسبة طلاق مرعبة نصها بيحصل قبل مرور أول سنة جواز.. الحكاية بقت جيل محبط من قبل ما يتجوز.. الشباب بقى عندها Commitment Issues وInsecurities تخلي الست مارلين مونرو بجلالة قدرها تقعد من غير جواز. في مجتمعاتنا وبالرغم من زيادة الفرص في التعليم والشغل للبنات، لكن لسه الراجل عنده فرص أكتر بكتير من الست.. فرصة التعبير عن احتياجاته الإنسانية العادية، حقه اللي المجتمع بيكفلهوله ومحافظله عليه، حقه إنه يقول "أنا كبرت وعايز أتجوز" حقه إنه يحدد أمتى وإزاي يغير حالته الاجتماعية.. حق مش عند بنات كتير مطالبة إنها تتعرض للضغط المجتمعي، وتسمع كل يوم جمل من نوعية "شدي حيلك" و"هو مفيش حاجة في السكة؟"، مع إن "الحيل" كله عند الراجل.. والسكة مقفولة في وشها.. إزاي نبقى مجتمع بيتعامل مع البنت في قضية الجواز إنها مفعول به لكن في نفس الوقت بيحملها مسؤولية التأخير والتقصير؟. الضغط المجتمعي غير المبرر على أي بنت عدت العشرين بإنها "تفتح بابها" و"تشد حيلها" و"عاوزين نفرح بقى" لازم يتسق مع حق البنت في تحديد مصيرها، واتخاذ قراراها تتجوز مين وامتى.. ولو التعبير الحر والتصريح عن النية مكفول لشادي بس، يبقى الأولى هو اللي يتقاله: "شد حيلك" ولما يتأخر في الجواز ياخد لقب "عانس". الكاتب