أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية حكما هاما لصالح العاملين في الدولة، لرفع مستوى معيشتهم ومواجهة الارتفاع المستمر في الأسعار، وقضت بإلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بالامتناع عن إصدار قرار بتحديد الحد الأدنى لأجور العاملين بالجامعة، وربطه بالحد الأقصى طبقا للأسس الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 322 لسنة 2012، وما يترتب على ذلك من آثار، لتسوية الحالة المالية لموظفتين بكلية الطب بالجامعة، وإعادة تدرج دخليهما تبعا لذلك. أصدر الحكم المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة رئيس المحكمة، بعضوية المستشارين عوض عبداللطيف وأحمد درويش وعبدالوهاب السيد، نواب رئيس المحكمة. وقالت المدعيتان إيمان إبراهيم وهويدا مصطفى، الموظفتين بكلية الطب، إن مرتبهما لا يكفي لمواجهة ظروف الحياة، خاصة أن لديهما أبناء في مراحل التعليم، وتزيد خدمتهن عن 30 عاما، وأن رئيس الجامعة امتنع عن تطبيق قرار رئيس مجلس الوزراء على العاملين بالجامعة. وأكدت المحكمة أنه يتعين على رؤساء الجهات الإدارية المخاطبين بأحكام قرار رئيس مجلس الوزراء، ومنها الجامعات، تحديد الحد الأدنى لأجور العاملين وربطه بالحد الأقصى، ووضعه موضع التنفيذ عن طريق الوحدة المحاسبية في ذات الجهة اعتبارا من أول يناير 2012 وفي بداية كل عام مالي، وهم ملزمون بنشر وإذاعة هذا القرار على العاملين بالطرق المتبعة، ولمَّا كان رئيس جامعة الإسكندرية تقاعس عن إصدار ذلك القرار، فمن ثم يشكل امتناعه قرارا سلبيا مخالفا لحكم القانون. وأضافت المحكمة أنه ولئن اختلفت النظريات الاقتصادية حول أسس تحديد الأجر، إلا أن التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شهده العالم وانعكس صداه على كافة الأنظمة الاقتصادية، وامتد أثره إلى دساتير العالم بما يضمن مبدأ عدالة الأجر ومبدأ الحد الأدنى للأجور، على نحو يكفل الحياة الكريمة للعامل وأسرته التي يعولها، بمراعاة قيمة العمل الذي يقوم به وبما يتناسب مع الظروف الاقتصادية للمجتمع، فغن اختلت هذه المعادلة فإن ذلك يكشف عن خلل اقتصادي واجتماعي، ولا سبيل لتحقيق الأجر العادل إلا بضمان حد أدنى لأجور العاملين، وربطه بالحد الأقصى بالحدود والنسب المحاسبية السليمة، بما يؤدي إلى حياة كريمة ليتناسب مع ظروف المعيشة والارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، آخذا في الاعتبار أن المادة 7 من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر عام 1966، التي وقعت عليها مصر في الرابع من أغسطس 1967، وتمت الموافقة عليها بقرار رئيس الجمهورية رقم 537 1981، ألزمت الدول الأطراف بأن توفر للعاملين مكافات كحد أدنى وأجور عادلة ومعيشة شريفة لهم ولعائلاتهم. ونوهت المحكم إلى أنها وهي تتصدى للدعاوى الحقوقية للعاملين بحسبانهم من المواطنين، وهي العليمة بأنها تقضي ولا تحل محل الإدارة في تسيير مفاصل الدولة، لكنها لا تستطيع أن تغض الطرف عما تلحظه من تهذيب القرار من شوائبه ومن المثالب التي شابت تصرف الإدارة، كي لا يفلت من الهداية والصواب الذي عناه المشرع وهدف إليه، بما لا يجوز معه لرؤساء الجامعات التخلي عن واجبهم نحو تحديد الحد الأدنى للعاملين، وأنه ليس صحيحا أن نص الحد الأدنى للدخل من النصوص التوجيهية التي تستنهض عزم الحكومة على تحديده للعاملين لديها مجاراة للدول المتقدمة نصا بغير عمل واقعا، بل إن النص ألزم الحكومة وكافة الجهات الإدارية المخاطبة بذلك النص وضرب لها موعدا لتطبيقه، اعتبارا من أول يناير 2012، فإذا ظنت الحكومة والجهات الغدارية التابعة لها أن مجرد النصوص في ذاتها دون أن تلقى تطبيقا حقيقيا هو غاية الالتزام المنوط بها لاستكمال شكلها الحضاري أمام العالم، دون أن يكون له أثره الفعلي على روافد الحياة الواقعية للعاملين، فإنها تكون أخطأت في فهم القانون، وتخلت عن التزامها تجاه العاملين لديها، وهو أمر تأباه العدالة، وما تلمسه حكمة القانون التي توجب احترام قواعده ليكون القانون هو السيد الأعلى في البلاد.