داخل حجرة صغيرة لا تتعدى مساحتها متر ونصف، يجلس الرجل الستيني على أريكة خشبية، مرتديًا "بالطو" أنيق لونه أسود، اعتاد على ارتدائه أثناء النزول إلى عمله أو الجلسة في غرفته البسيطة بمنطقة المطرية، ليخفي وراءه ملابس بالية متسخة، أثر العمل كرجل أرزقي "على باب الله". حسن عبد الحميد، لا تدل هيئته المنمقة على أنه "فواعلي"، لكن ظروفه المعيشية والصحية دفعته لتلك المهنة، فهو مصاب بمرض السرطان منذ الصغر: "أيوه أنا راجل على قد حالي ومعيش فلوس، لكن بحب النزاهة .. ومتعود دايمًا أقعد في البيت ببالطو أو روب زي ولاد الأكابر، عشان لبسي اللي بشتغل بيه بيبقى على طول مش نضيف، ومش بحب أقعد بيه وبخبيهم في البالطو، لأن معنديش هدوم كتير، والشغل بيدوب اللبس". النزاهة التي يتسم بها الرجل السبعيني وراثة عن والده، اعتاد أن ينتقي ملابسه بعناية شديدة مثل أبيه، فيقول: "أنا مليش أخوات، وأبويا كان تاجر كبير في السوق، وكنت عايش حياتي مرفه ووالدي مكنش حارمني من أي حاجة، بس بعد وفاته كان عليه ديون كتير ومورثتش أي حاجة منه إلا النزاهة، رغم ظروفي الصعبة لكن مبقدرش أنزل ولا أقعد في البيت بأي هدوم". "حسن" لم يتزوج أبدًا، أصر على عدم الزواج لظروفه الصعبة، حتى لا يعاني من المسؤولية ومصاريف الزواج الباهظة، يروي الرجل المسن مدى حرصه على إصراره لقرار عدم الزواج: "عشان أتجوز مسؤولية كبيرة، وأنا تعودت أعيش لوحدي، لأني مش عارف أصرف على نفسي هصرف عليها وعلى العيال إزاي، وأنا مش هدفي أتجوز عشان أعذب الأسرة اللي هبنيها معايا، كفاية البهدلة اللي عايش فيها، ومرضي اللي ملازمني طول حياتي.. أنا عاجبني العيشة لوحدي". الجميع يعرف نزاهة "حسن" جيدًا، الكل يتحدث عن أناقته رغم ظروفه البسيطة: "الناس مسميني حسن النزيه، مفيش حد في المنطقة مش عارفني إلا بالبالطوا اللي مش بقلعه لا صيف ولا شتاء، وعلى الرغم من أني مريض وسني كبير وظروفي البسيطة، لكن لازم أهتم بمظهري، وكمان الاهتمام بنفسي حتى لو مش معايا فلوس".