داهمنى شهر «مارس» باحتفالاته وندواته ولقاءاته، وتغطيات صفحات الجرائد والمجلات المختلفة وتدفق البرامج التليفزيونية المتتالية، التى تشيد بدور المرأة وأفضالها العميمة على الأسرة والرجل والمجتمع والدول والحكومات والدنيا والكون، وهو بحق يعتبر شهر المرأة حيث اليوم العالمى للمرأة الذى أعلنته منظمة الأممالمتحدة (8 مارس)، ويوم المرأة المصرية (16 مارس) ذكرى خروج المرأة المصرية فى أول مظاهرة نسائية خلال ثورة (1919)، الذى صاحت فيه «هدى شعراوى» رائدة تحرير المرأة المصرية مخاطبة زوجها «على باشا شعراوى» حينما سألها: إلى أين تذهبين والرصاص يدوى فى أنحاء المدينة؟ - للقيام بالمظاهرة التى قررتها اللجنة. فأراد أن يمنعها مردداً: - هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز أن تفزع بعض النساء ويولولن يا لهوتى؟! - إن النساء لسن أقل شجاعة منكم أو وطنية أو غيرة قومية أيها الرجال. ثم يختتم شهر مارس احتفالاته بعيد الأم الذى تحرمه المدارس الإخوانية الخاضعة للإشراف المالى والإدارى لوزارة التربية والتعليم. ■ ■ ■ ما إن تأكدت من استغراق زوجتى فى النوم حتى تسللت إلى «الهول» حاملاً بعض الكتب التى أعتز بها «لعباس العقاد» مثل «اليوميات» و«بين الكتب والناس»، و«هذه الشجرة» وغيرها، وبعض كتب «توفيق الحكيم» مثل «الرباط المقدس» وبعض أحاديثه الصحفية التى أحتفظ بها فى دوسيه خاص محاولاً استعادة زمن جميل سرت فى جنازته المهيبة وشيعته بدموعى الحارة الساخنة إلى مثواه الأخير فى ذاكرة التاريخ وأنا أتذكر مناقبه العظيمة وأتحسر على أيامه البديعة وأستعيد معه ذكريات لحظات السعادة بحرية هى تاج على رؤوس الأحرار لا يشعر بها إلا العبيد المطرودون من جنتها تحت وطأة استبداد وطغيان ذلك المخلوق النازى النزعة، الفاشى التوجه طارد البهجة، الذى قيل إن الشيطان حينما ابتلعه لم يستطع أن يهضمه، إنه المرأة، أما الزمن الجميل فهو زمن ما قبل الزواج، ذلك المشروع الذى، كما يقول «أنيس منصور»، ليست له دراسة جدوى، ولا جدوى من الدراسة، إنه مشروع لاثنين فى ظروف غير عادية، ليكتشف كل منهما أنه الشخص غير المناسب، والرجل حينما يتخذ قراراً بالزواج فعليه أن يدرك أنه سوف يكون آخر قرار يتخذه فى حياته، وقديماً قال «نابليون»: فى تاريخ الاستبداد فإن أسوأ أنواعه هو استبداد الضعيف بالقوى لأنه هو الاستبداد الذى يدوم، لذلك إن لم أكن أعزبَ، لوددت أن أكون أعزبَ. وقد استطاع «العقاد» أن يعيش أعزب حراً طليقاً يستمتع بالحب دون قيود، وينعم بالهوى دون مسئوليات، ويجاهر بعداء المرأة دون خوف من عقابها، إنه يرى أنها بينها وبين الرجل فوارق فى التفكير، فأخلاقها تغلب عليها «الغريزة» على الإرادة، بينما أخلاق الرجل تغلب فيها الإرادة على «الغريزة»، كما أن المرأة ليست بأسلم جانباً من الرجل لأنها أميل منه إلى الشحناء والشجار، وقد أغناها عن أن تكون مجرمة بنفسها أنها تجرم بيد غيرها، لأن أكثر الجرائم إنما يقع بسببها ولأجلها، فهى تدرك ما تشاء من الجريمة دون أن تتحمل تبعتها، وقلما تقع مصيبة أو كارثة إلا كان وراءها وطر لامرأة تقضيه بيد المجرم، بعيدة عما يتعرض له من العقاب، وهى إن كانت أقل من الرجل عبثاً وإجراماً فما هى بأقل منه خطايا وآثاماً، أما الفوارق العقلية بين الجنسين فمن المكابرات التى لا تفهم لها معنى أن يقال إن هذه الفوارق لم تثبت بعد، لأن المرأة كان محجوراً عليها فى القرون الماضية، فإن الحجر نفسه دليل على التفوق، وهيهات أن يتفق جميع الرجال أن يحجروا على جميع النساء لو لم يكن بينهم فارق فى قوة العقل والجسد. ويرى العقاد أن المرأة لا تبتدع فى صناعة من الصناعات أو فى فن من الفنون، وإن طال عملها فيها، فإذا شاركها الرجل فى الطهى أو الحياكة أو التزيين والتجميل وهى صناعاتها التى داومت على مزاولتها مئات الأحقاب كان له السبق بالتجويد. ■ ■ ■ ثم ما لبثت أن استغرقت فى النوم فى مكانى، وفى هذيان الحلم تخيلت نفسى زوجاً أنعم بزوجة مثل «سيادات» قرينة «توفيق الحكيم»، تلك الحسناء التى تزوجته مرحبة بشروطه الخمسة عشر القاسية، وفيها ألا يستقبل ضيوفاً فى بيته، وألا يصطحبها فى نزهة أو رحلة، كما أنه ليس مسئولاً عن مشاكل البيت والأولاد، وأن يكون بيته بلا ضجة فيه ولا أصوات مزعجة حتى يتفرغ للكتابة، المهم أن سيادات الرائعة لم تكتف بالترحاب بشروطه وإنما كانت تجد لذة فى خدمته، لا تتركه إلا بعد أن تقدم له عشاءه وتضعه فى فراشه وتغطيه باللحاف وتضع القربة الساخنة تحت قدميه وتحرص أن تستيقظ قبل أن يفتح عينيه بساعة لتعد له طعام إفطار، وهى تشعره دائماً أنه الملك وأنها رعيته فقد أحبت المفكر الفنان فيه قبل أن تحب الرجل.. و.. وأفقت مذعوراً بفضل لكزة من زوجتى أعقبتها بصياح هادر: اصحى، كل المنبهات اللى بترن دى مش سامعها؟! الأولاد اتأخروا عن المدرسة، وصلهم وادفع المصاريف والباص وبعدين روح ادفع فاتورة التليفون، واشتراك النادى، وانت راجع عدى على ماما اطمن عليها، عطست امبارح وكل جواز إخواتى طلوا عليها ما عدا انت، وما تدخلش بإيدك فاضية، هات لها تورتة على شكل قلب، واكتب لها عليها حمد الله على السلامة يا حماتى يا غالية عليَّا، يا قد الدنيا كلها، وما تنساش تجيب لنا لحمة وفراخ وجمبرى وخضار وفاكهة، وعلى فكرة ما تبقاش تغافلنى مرة تانية وتقرا لتوفيق الحكيم وللعقاد، دول اتنين إخوانجية. صحت بدهشة بالغة: - إخوانجية؟! إيه الكلام الفارغ اللى بتقوليه ده؟! دول اتنين من أهم رواد التنوير فى العصر الحديث. هتفت بسخط وانفعال: - ادعاء، محض ادعاء، دول ظلاميين تكفيريين زيهم زى الإخوان والسلفيين والوهابيين، بدليل كراهيتهم للمرأة واعتبارها كائناً غير أخلاقى، عورة من أخمص قدميها حتى شعر رأسها، ومصدراً للغواية، ومنبعاً للرذيلة، ومخلوقاً غريزياً لا يستدعى سوى الشهوة ولا يفصح إلا عن المجون والخطيئة، بل إن أحد الدعاة تجاسر وقال إن وجهها مثل فرجها لا بد أن تخفيه، ولا بد درءاً للفتنة أن ترتدى أكفاناً متراكمة تحجبها عن الناظرين وتبعد شرها عن المؤمنين خوفاً عليهم من الزلل الذى يستوجب نار جهنم وبئس المصير، والغريب أن صديقك «العقاد» هذا الذى يتصف بهذه النظرة العنصرية للمرأة يعانى من الازدواجية، بدليل أنه كان يهيم غراماً ب«مى زيادة»، وهى تعتبر من زعيمات الحركة النسائية المطالبة بمساواة المرأة بالرجل فى جميع أمور الحياة، السافرة فى عصر الحجاب، بل إنه ألح عليها إلحاحاً شديداً فى الزواج بها رغم اختلافهما فى الدين، ولما تأكدت من شكوكها بخيانته لها مع «سارة» ذهبت إليه فى الجريدة التى كان يعمل بها وردت له خطاباته العاطفية إليه منهية علاقتها به، فبكى وهم أن يقبل يدها طالباً المغفرة، لكنها أبت وانسحبت من حياته، ثم وقف أمام قبرها بعد موتها يبكى وينتحب، ويتلو قصيدته الخالدة فى رثائها. ثم ما تلبث أن تهتف بحدة آمرة: - دى آخر مرة تحلم فيها «بتوفيق الحكيم» ومراته والخزعبلات دى. صحت مبهوراً: عرفتى إزاى؟! - مش شغلك.. وإلا.. هتفت مقاطعاً: وإلا إيه؟! انتِ عندك سلطة مصادرة الحلم؟! - لا، عندى سلطة الخلع. استجمعت شجاعتى وانفجرت فيها: - يبدو أنك تعيشين فى مجتمع آخر، ولم يصل إليك حتى الآن نبأ أن الإخوان ما زالوا موجودين بيننا، صحيح أننا تخلصنا من حكمهم، إلا أن أفكارهم الرجعية والمتخلفة ما زالت تعشش فى عقول الناس وأرواحهم وضمائرهم، وما زال فقهاء المصادرة والتحريم والإقصاء ينفثون فتاواهم الكريهة ويكرسون المطوعين من دعاة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» لتدعيم دعاوى الحسبة وإرساء دعائم الردة الحضارية التى سوف تستمر طويلاً فى ظل غياب ثورة ثقافية تقتلع جذور التخلف وتسعى لبناء دولة عصرية مدنية جديدة، لذلك فسوف أنضم إلى طليعة هؤلاء الظلاميين العظام فكرياً ووجدانياً وأشاركهم مجهوداتهم الرائعة للسعى إلى عودة النساء إلى «عصر الجوارى» وإلغاء قانون الخلع، وتأديب السافرات الخليعات وإعادة سيطرة الرجل واستعادته لحقوقه المسلوبة وإنهاء فعاليات قهره وتعمد إذلاله، فإحصائية المركز القومى للبحوث الاجتماعية تؤكد أن 38% من الرجال تضربهم زوجاتهم، كما أن رئيسة إحدى الجمعيات النسائية طالبت بإصدار قانون يفرض على الرجل أن يقوم بتنظيف المراحيض العامة إذا ما أخفق فى قيامه بواجبه فى المعاشرة الزوجية خير قيام، كما سأطالب بتشجيع الختان وزواج القاصرات وعودة المرأة إلى المنزل لا تبرحه إلا إلى القبر، وعدم توليها أى مناصب قيادية ونفيها من فردوس الولاية لأنها تحيض. نظرت إلىَّ فى استهانة وهتفت فى سخرية وتحد: - أضغاث أحلام، عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وحتى لو عادت سنقوم بمليونية نسائية ونهدم المعبد فوق رؤوسكم، ولا تنس أن نابليون قال: إن المرأة التى تهز مهد الطفل الوليد هى نفسها القادرة على هز عروش أعتى الرجال.