المناقشات داخل البرلمان حول اللائحة الجديدة تشير إلى اتجاه قوى لإقصاء القوى السياسية والحزبية وإعادة صياغة كتلة برلمانية تلعب نفس الدور الذى كان يلعبه الحزب الوطنى الديمقراطى فى برلمانات ما قبل ثورة يناير، لضمان أغلبية جاهزة لدعم القرارات الحكومية والتصويت بنعم على مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة والتصويت بالانتقال إلى جدول الأعمال عند مناقشة الاستجوابات الموجهة للوزراء أو الحكومة، بمعنى آخر ضمان ألا يقوم البرلمان بدوره الرقابى والتشريعى ويبقى برلماناً لدعم الحكومة وليس الدولة المصرية. صلاحيات البرلمان وفقاً لنص المادة 101 من الدستور، هى إقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، واعتماد الموازنة العامة للدولة بعد مناقشتها، بالإضافة إلى ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية وفقاً للآليات التى نص عليها الدستور وتفرضها اللائحة الداخلية، منها السؤال وطلب الإحاطة والاستجواب ولجان تقصى الحقائق، لضمان التزام الحكومة بالدستور والقانون فى مواجهة كافة أشكال الفساد المالى والإدارى وضمان حقوق المواطنين، فقد نص الدستور من المادة 122 إلى المادة 135 على الأدوات الرقابية، وقد نص الدستور على اتخاذ القرارات داخل البرلمان بالأغلبية إلا تلك القوانين والتشريعات المكملة للدستور، وأشارت إليها المادة 121 الفقرة الثالثة، التى تطلب أغلبية خاصة هى الثلثان لإقرار القوانين المكملة للدستور والتى تعد من أهم القوانين التى تضمن الحريات والحقوق الأساسية، بالإضافة إلى قوانين الأحزاب والانتخابات والسلطة القضائية والهيئات القضائية. لذلك توقعنا أن تأتى اللائحة لتضمن وتكفل لكل القوى السياسية والحزبية داخل البرلمان مشاركة حقيقية فى الأعمال البرلمانية، والمشاركة بشكل خاص فى أعمال اللجان النوعية واللجنة العامة وتشكيل الهيئات البرلمانية لضمان المشاركة فى المناقشات، على أساس أن النظام السياسى يقوم على تعدد الأحزاب، إلا أن المناقشات تتجه إلى عكس ذلك تماماً، لا سيما أن ائتلاف دعم مصر الذى تشكل عقب الانتخابات البرلمانية وانتخب منه رئيس البرلمان وأحد الوكيلين، بدأ فى الهيمنة على أداء البرلمان وتهميش دور الأحزاب السياسية، وقد بدأ هذا خلال مناقشة اللائحة الداخلية للبرلمان، فالمادة 24 جاءت وفقاً لنص مشروع اللائحة الذى أعدته اللجنة، على أن الحد الأدنى للهيئة البرلمانية يكون للحزب الحاصل على خمسة مقاعد كحد أدنى، ففى الوقت الذى فيه اقترحت الأحزاب السياسية تخفيض عدد المقاعد إلى ثلاثة أعضاء كحد أدنى إلا أن ائتلاف دعم مصر تقدم بطلب غريب يقصى أغلب الأحزاب السياسية، وهو رفع الحد الأدنى للمقاعد إلى عشرة مقاعد، الأمر الذى يحصر عدد الهيئات البرلمانية فى البرلمان على خمسة أحزاب فقط من أصل 12 حزباً سياسياً ممثلين داخل البرلمان بنسب مختلفة من المقاعد. الأمر الثانى وهو المهم وهى المادة الخاصة بتكوين الائتلافات، حيث تقدم ائتلاف دعم مصر باقتراح أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضاء الائتلاف 25% من مقاعد البرلمان، أى حوالى 150 مقعداً تقريباً، وهو ما يحد من تشكيل الائتلافات داخل البرلمان، الفهم الصحيح للنص الدستورى عندما تحدث عن الحزب أو الائتلاف الحائز على الأغلبية لتشكيل الحكومة هو الائتلاف الذى تشكل أثناء الانتخابات البرلمانية وليس بعد تشكيل البرلمان، لا سيما أن القانون حظر تغيير الانتماء السياسى للنائب، وبالتالى فالائتلافات يجب أن تكون بين الأحزاب السياسية لتكون حكومة، ولا يجب اشتراط نسبة معينة، رغم أن النص الدستورى يؤكد أن الأحزاب هى أساس النظام السياسى، يجب أن يكون الهدف هو تعزيز المشاركة السياسية للأحزاب، إن اللائحة الداخلية للبرلمان تقصى الأحزاب السياسية الممثلة فى البرلمان، وهو اتجاه يعزز الاستبداد والاستئثار بالحكم من أجل العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، فالأداء فى البرلمان بعيد كل البعد عن الديمقراطية.