فيما تتهافت وسائل الاعلام على السياسيين والمحللين والخبراء، يبقى العديد من المواطنين البسطاء بعيدا عن الصورة، بحلوها ومرها، وما أكثر مرارات البسطاء. جامعو القمامة "الزبالين" هم بعض المنسيين فى بلدنا، لسان حالهم يقول: "فى الفرح منسيين وفى الحزن مدعيين"، وهكذا يكون لسان حال نحو 120 ألف من جامعى القمامة، و35 الف عام نظافة وافدين من المحافظات. "الوادى" التقى بهم، وسمع آرائهم فى الحياة السياسية، والان فى الشارع، كما سألهم عن توقعاتهم للرئيس القادم، وكانت لهم تحليلاتهم الخاصة. فى البداية قال ابشاي رزق الله، وهو شاب مصري فى عقده الرابع، يسكن بحي منشية ناصر بمدينة نصر يعمل في جمع الزبالة من البيوت والشوارع طوال اليوم، قضى حياته فى الشارع، ولا يشاهد التليفزيون لأنه لا يمتلكه، يكسب كل يوم عشرين جنيها له ولعائلته الصغيرة، ويسير وفقا لمبدأ "على قد لحافك مد رجليك"، لا تهمه كثيرا امور السياسة وصراعات القوى الحزبية وانتخابات البرلمان او الرئاسة بحال، شغله الشاغل لقمة العيش وصندوق القمامة، ولا يعرف أحدا من مرشحى الرئاسة الحاليين سوى عمرو موسى واحمد شفيق، بسبب ما يشاهده من كمية كبيرة من الملصقات واللافتات التى تملأ شوارع الحي الذى يسكن فيه، لكنه يؤكد أن كل أهالى المنطقة مع شفيق رئيسا لمصر، -وبحسب قوله - يريد رجلا للدولة. لا يطلب رزق الله من الرئيس القادم إلا أن يحقق العدل فى مصر، وينشر المواطنة بين المصريين، ولا يفرق بين مسلم ومسيحي، وتراجع قليلا ثم أشار باصبعه قائلا: "مبارك كان راجل كويس، اى نعم سرق ناس كتير، لكنه فى الآخر كان مريح المصريين"، واضاف قائلا: "لا أنا ولا أنت نقدر نحاسب العالم دي، الله يسهلهم ربنا وحده القادر عليهم بأن يبتليهم بمرض ما يقوموا منه". محمد عواد لا يختلف كثيرا عن ابشاي، وعلى الرغم من انه خريج كلية التجارة دفعة 2010، الا انه لم يتحمل الحياة بدون عمل، فخرج بحثا عن وظيفة يجد فيها ذاته ويسد بها رمقه بدلا من انتظار مصروفه من والديه، لكن الحظ لم يحالفه إلا بمهنة "عامل نظافة". اضاف انه لم يعرف مرشحى الرئاسة، ولا يريد معرفتهم، موضحا أن جميعهم يبيعون الوهم والشعارات فى فترات الدعاية الانتخابية ثم لا نراهم بعد فوزهم فى الانتخابات، ولا يفكرون فى المواطنين وكأنهم فص ملح وداب على حد وصفه. فيما قال اشرف زين الدين "علي الرئيس القادم أن يراعي الله في البلد، وان يوفر فرص عمل للشباب العاطل اللى مش لاقى شغل"، وتابع حديثه بقوله "مصر عمرها ما هترجع زي زمان،ورغم إن المخلوع كان واكلنا بس كنا عايشين في أمان واستقرار". يمتلك اشرف صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ويمارس هواية الكتابة والدردشة مع اصدقائه، ولا يجد حرجا فى ان يعلن موقفه من مسئولى النظام الحالي والسابق بقوله: "كرهت كل حاجة في البلد وزهقت من ريحة زبالتها ونفسي اسيبها وأمشي لأي مكان في العالم ولو كانت اسرائيل"، لكنه في النهاية يقول "بصراحة الواحد لما بيستحمي بيفوق" على حد قوله. وفى الوقت الذى يؤيد فيه احمد عباس، عمرو موسى رئيسا لمصر، بمنطق "اللى نعرفه احسن من اللى ما نعرفوش"، يؤكد احمد "ابنك فى ايدك ولا لسه هتدور عليه". وفي شارع عباس العقاد التقينا محمود محمد احمد الذي يعمل في جمع الزبالة منذ أكثر من عشرة أعوام من السادسة صباحا حتي غروب الشمس وهو من أكثر الشخصيات التي تعشق الحديث في السياسة، قبل الثورة وبعدها حتي ان أقرانه اطلقوا عليه لقب "ميدو مشاكل" من كثرة ما يسببه لهم من مضايقات امنية. يقول ميدو مشاكل إنه "يحب المشير طنطاوي لأن دماغه أكبر من دماغ الشعب الذي لا يستحقه ولا يسمع كلام المعارضين التافهين وصاين البلد من اسرائيل والأمريكان الكفرة، ربنا يكون في عونه ويقويه ويعينه علي المصريين وعلي الأيام اللي جايه" ثم ذكرته أنها شهور قليلة ويرحل المشير فرد علي غاضبا "هيفضل القائد الاعلي للقوات المسلحة" ثم اكد ان عمرو موسي هو الرئيس القادم لأنه "أستاذ وخبرة وابن البلد وأكبر من الرئيس المخلوع والعبرة ليست في السن إنما في التنفيذ". "اللي بيشيل قربه مخرومه بتخور علي دماغه" هكذا يري مظهر حبيب، عامل نظافة بشركة "هوم سيرفيس" بالقاهرة ومن الصعوبة بمكان أن تغير عقيدة شعب مصر وكل ما فعلته الثورة أنها منحت مزيدا من الحرية للمصريين ولكن أسوأ ما في الثورة انها نزعت الامان من الشارع المصري وفى الفترة الأخيرة نجحنا فى تأسيس نقابة للزبالين، وترخيص حوالى 720 ورشة لإعادة تدوير المخلفات، وتأسيس 19 شركة نظافة جديدة مصرية، املا فى اعتراف الحكومة بها وفسخ عقود الشركات الأجنبية التي لا تسعي للنظافة بقدر سعيها للربح فقط. ويضيف حبيب أنه يكره الإخوان والسلفيين بصورة كبيرة بعد الاداء الهزيل الذي قدموه تحت قبة البرلمان ولم يتخيل أن يحكم مصر أم الدنيا اخوانيا أو شيخا بذقن رغم برنامج الدكتور محمد مرسي الذي شد اهتمامه وقبل أن يمضي الي عمله قال: "لا عايزين اخوان ولا سلفيين بس عايزين ريس زي حسني مبارك، ذلك الرجل العظيم الذي أدار البلاد لنحو ثلاثين عاماً، بكفاءة واقتدار، فرض خلالها عملية السلام علي العالم كله" وحينما ذكرته أن الشعب خرج ليطالب برحيله في 25 يناير فقال "شلة الريس وعمر سليمان هما اللي وصلوا البلد للخراب والفوضي فيا ريت تسيبوا مبارك في حاله، ليعيش بقية حياته في سلام بعد ما بقينا عبرة للناس كلها بسبب الثورة".