في ضوء المحاولات الدؤوبة لتلطيخ صورة المسلمين ومعتقداتهم واشعارهم بالدونية خرجت علينا بعض العناصر المشبوهة والصحف التي توجهها عناصر مغرضة بفيلم مسئ ورسوم كاريكاتورية سيئة للنيل من شخص النبي الكريم ولنشر سمومهم ضد الإسلام والمسلمين وغرس الكراهية في نفوس الغربيين تجاه كل ما هو إسلامي بصورة تجاوزت كل الحدود ، والعجيب أن القرآن الكريم يخبرنا أن هذه أفعال المجرمين والشياطين وأن هذا دأبهم مع كل الأنبياء والمرسلين "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا" ،"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون" وقد أمر الله نبيه أن لا يلتفت إلى كما في الآية السابقة وذلك لأنه سيتولى سبحانه أمرهم "إنا كفيناك المستهزئين". ولاشك أن هذه الأقلام والأعمال تحركها بواعث الحقد والكراهية وتدل على افتقاد الذوق وسوء استخدام حرية التعبير وسكب الزيت على النار لإثارة رد فعل المسلمين المكلومين وجرهم لارتكاب أفعال خاطئة كما في أحداث السفارة الليبية تبرر الصدام معهم وربما قيام حرب عالمية ثالثة بين الإسلام والغرب خاصة في ظل وجود نظريات تؤكد حتمية الصدام بين الحضارات واعتقاد الغربيين بأن المسلمين ودينهم هم الخطر الماحق الذي يهدد الحضارة الحديثة بعد زوال خطر السوفيت ، والصعود السياسي للتيار الإسلامي واعتلاءه سدة الحكم في دول الربيع العربي التي تعاني من مشكلات وتحديات أمنية واقتصادية وسياسية بالجملة. إلا أن الغرب يخشى أن تعود للإسلام مكانته في بلاده خصوصاً بعد أن تعثرت الأيدلوجيات المستمدة من الشرق والغرب بمختلف مسمياتها " الاشتراكية ، الليبرالية ، القومية، الرأسمالية " حيث أن عودة الروح الإسلامية ستحول المسلمين إلى قوة تلاحق إنجازات الحضارة الحديثة لاسيما وأن المسلمين يمتلكون مقومات اقتصادية وجغرافية جعلت لدولهم دوراً مؤثراً في الحياة الدولية ، فإن الغرب يسعى إلى إضعاف المسلمين والعودة بهم إلى الوراء وإجهاض أي حركة تظهر للنهضة والتحديث. ولأن التغلغل في فهم العواطف والمشاعر الإنسانية يفسر كثيراً من المواقف الغامضة فلا يمكن أن نفسر دوافع هذه الإساءات المتكررة والتي تظهر في توقيتات محددة تضفي عليها صفة القصد والتخطيط بعيدا عن ظاهرة "إسلاموفوبيا" أو مرض الخوف من الإسلام التي باتت حقيقة مؤكدة لايمكن إنكارها، ولو قام أي شخص بعمل بحث على الانترنت عبر محرك بحثي كجوجل الكتب لوجد أن هناك 40 ألف كتاب باللغة الانجليزية تتناول ظاهرة islamophobia أو عبر جوجل الويب فسيجد أن هناك أربعة مليون و650 ألف نتيجة تتعلق بالمصطلح الذي يدل على عمليات التشويه والتمييع لصورة الإسلام انطلاقاً من مرض الخوف منه أو ما تم ترسيبه وتكريسه وإشاعته من قلق مرضي وخوف نفسي لا شعوري لدى الغرب من الإسلام وكل ما يتصل به، خوفا من انتشار الإسلام ونفوذ قوته الدينية والثقافية والبشرية داخل المجتمعات والدول الغربية. ولم يكن صعباً على الغرب على مر العصور العمل على إشاعة الخوف من الإسلام وإحداث نوع من الاقتناع لدى الإنسان الغربي بأن الإسلام دين مخيف وعدو جديد وخطر محدق بالحضارة الغربية. ومنذ قرون تمكن الغربيون، من كنسيين ورهبان ومستشرقين واستعماريين، من إيجاد صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين تُجَرِّدُ الإسلام من كامل خصائصه وملامح حضارته الإنسانية، كما نظروا إلى الرسول محمد في أحسن تقدير على أنه واحد من اثنين: إما "قس كاثوليكي فشل في الترقي في سلم البابوية" فقرر الثورة ضد المسيحية، أو "راعي جمال فقير تلقى تعليمه على يد راهب سوري" ليشكل دينا جديدا من "قشور العقيدتين المسيحية واليهودية" وذلك ضمن ملامح محددة وثابتة تعبر عن صور ذهنية عن الإسلام والمسلمين ترسخ في العقل الغربي - حتى لدى بابا الفاتيكان الحالي بنديكيت- لإقامة سد منيع ضد انتشار الإسلام داخل أقطارهم. إن الإسلاموفوبيا تعني إجمالاً توليد الخوف من الإسلام وأهله وإشاعته في العالم أجمع، وذلك عن طريق شن حملات مشحونة بالدسائس والأكاذيب الموجهة إلى الإسلام وحضارته. وقد عبر أحد الصحفيين السويديين عن ذلك عندما قال : "لو أن مائة ألف عربي قتلوا لما انتابني أي شعور غير عادي، أما بالنسبة لقوات الحلفاء الغربيين فالأمر مختلف لأني أشعر بالتعاطف معهم ومع أسرهم، إن العرب يبعثون الخوف في نفسي على أية حال". وعلى الرغم من ضياع قوة المسلمين وتفرقهم في العصر الحديث، إلا أن الخشية والخوف من الإسلام لا يزال يؤرق الغرب ويقلقه ، ويرجع ذلك إلى أن الغرب يعتقد أن في الإسلام طاقة كامنة قادرة على استعادة قوتها لو توافرت لها الظروف والمتطلبات ، ولذلك فهم يعدون العدة لمقاومة كل حركة تهدف إلى النهوض بالعالمين العربي والإسلامي لأن في هذا النهوض تهديداً للغرب ومصالحه. ويبدو أن ما يخشاه الغرب من الإسلام هو حيويته كنموذج ديني وحضاري وبالتالي ما يحمله من إمكانيات كتحدي فكري رئيسي للغرب بما يطرحه من أيديولوجية متماسكة للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات المسلمة تتحدى الرأي الغربي الذي يزعم أن فلسفة الديمقراطية الليبرالية قابلة للتطبيق على المستوى العالمي في عصر ما بعد الشيوعية ، وبرز ذلك بشكل كبير أثناء الأزمة المالية العالمية الأخيرة والتي شهدت افلاس كبريات البنوك الغربية وانتشار البنوك والمصارف في الغرب وفي العالم بشكل كبير ومتسارع (117 دولة) بعد شهادة خبراء الاقتصاد والفاتيكان في صحيفة«لوسيرفاتوري رومانو» صحيفة الفاتيكان الرسمية بقدرة النظام الاقتصاد الإسلامي على تخليص البنوك الغربية من أزمتها لما فيه من قواعد أخلاقية، وأن على الغرب أن يمعن النظر في قواعده ونظرياته وأدواته ومن ثم تطبيق الشريعة الإسلامية في مجال الاقتصاد للخروج من الأزمة. إضافة إلى قدرة الإسلام على الانتشار والامتداد، فالغربيون يعترفون مع شيء من الحيرة والدهشة، بأنه فعلاً هناك ما يخيف في الإسلام كدين كاسح له قابلية التنامي والانتشار بسرعة مذهلة، كما رأوا فيه ديناً يحمل في جوهره روحاً وثابة وقدرة خارقة على الامتداد جغرافياً في شتى بقاع العالم، وهذا ما أثبته بعض الخبراء الاستراتيجيين الغربيين أنفسهم عندما اعترفوا بأن الإسلام هو أكثر الأديان نمواً وأقواها تأثيراً في النفوس وأوفرها أتباعاً جدداً وذلك لبساطة تعاليمه وسمو قيمه ودعوته إلى المساواة بين جميع البشر بصرف النظر عن أجناسهم وأعراقهم وألوان بشريتهم وأوضاعهم الاجتماعية " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ". ولكن هل يعني ذلك أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أو عاجزين عن فعل شئ لصد هذا السيل الهادر من الإساءات المتكررة؟ هذا ما سنتناوله في المقال التالي.