مهن لا يتقبلها الكثيرون لإختلافها مع معتقداتهم،أو مبادئهم، أو لإختلافها مع مواصفات المهن التي يراها تقدم خدمة اجتماعية من وجهة نظره؛ ولكنها مهن مهما اختلف عليها الناس يمتهنها الكثيرون ومقتنعون بها وتمثل مصدر رزقهم، ومنها مهنة الطبال وخاصة طبال الأفراح الشعبيه والملاهى الليليه من يقضى ليله وسط السكرانين والراقصات . وقد التقينا أحد هؤلاء وهو رجل يبلغ من العمر 53 عاما شعره أسود من أثر الصبغة، عيناه بها شئ من الإحمرار ترجع إلى السهر الذى يقضى حياته فيه، دخان سيجارته رسم هالة حوله، متكأ دائما على أقرب الأشياء لقلبه وهى طبلته الزرقاء "ابنته الصغرى" كما أطلق عليها. محمد حسين طبال وهى المهنه التى بدأت قصته معها منذ أكثر من ربع قرن، حصل محمد على شهاده الإبتدائيه وتقرر له عدم اكمال تعليمه، نظراَ للظروف المادية الصعبة التى كان يمر بها أبيه والذى كان يعمل "ساعاتيا"، محمد له 5 أخوات كل منهم عمل من صغره وأنفق على تعليم نفسه، ولكنه قرر ألا يكمل وقال ان الدنيا قد علمته ما لم تعلمه مدارس لأحد. عمل محمد فى بدايه حياته بإحدى مصانع الخزف وكان عمره وقتها 16 عام، وبعدها عمل فتره من عمره فى المطابع كعامل، حتى جاء اليوم الذى قرر فيه أن يصبح طبال كأحد جيرانه الذى شجعه على ذلك وعلمه أصول العزف واشترى محمد أول طبلة له وعرفه صاحبه عصفور على أصحاب فراشات الأفراح وبعض الراقصات وبدأ بعد فتره قصيرة أن يطلبه الفرق بالإسم لبراعته فى العزف على الطبله، وتمكن بعد ذلك أن يدخل فى فرقة شهيرة وقال أنه أمضى فيها 5 سنوات، يذهبون للأفراح الشعبية وأفراح القرى والمحافظات وراء راقصة من راقصات الحجم الكبير على حد قوله. وأضاف أنه بعد أن أتم الخامسة والعشرين من عمره ذهب للعمل فى "ملهى ليلى" مشهور وقتها ؛و أنه دخل إلى عالم آخر غير معروفة ملامحه لأن كل من يدخله "سكران ومتبهدل" على حد تعبيره. وعن أبنائه قال أن له 3 أبناء أكبرهم فتاة فى الخامسة والعشرين من عمرها، وظهر الأسى على وجهه وعبس حتى قربت عيناه على البكاء عندما سُئل هل هى متزوجه، فرد بحزن غير متوقع، للأسف لا، وأشار أنه يتقدم فى لها كثير من العرسان ممن يتصفون بالمواصفات الانسانية الهائلة ولكنهم يتركونها بعد أن يعرفوا مهنتى، وأضاف قائلاً :أن هذه المهنة هي ما تعود عليه من زمن بعيد ولن يتركها من أجل أحد، وقال لم ينفعنى أى أحد وقت أن كنت محتاجا، فلن أترك عملى وأذهب لعمل آخر من أجل أى أحد حتى إن كان أبنائى. وأشار إلى ابنه الأوسط الذي كان في التعليم المتوسط ثم تركه وعاش مع جدته بعد مشكلة كبيرة أثارها معه بسبب مهنته و وأنه ترك المنزل لأنه شعر أن المال الذى يأتى به غير حلال، ولكنه أوضح أن ابنه يسأل عنه ويزوره ويساعده بالمال ولكنه قرر ألا يعيش معه. وقال محمد "أنا عيالى بيستعروا منى وانا عارف بس هعمل ايه هو ده أكل العيش". "الطبال مبياخدش كتير" هذا ما قاله عن دخله، فقال أن الناس يعتقدون أن الطبالين يقبضون بالآلاف ويخلطوا بين الأمور، فالراقصه هى صاحبه الآلاف أما الطبال يأخذ بالفرح "يعنى فى فرح بنقبض، مفيش فرح مبنلاقيش أكل، وقال أن عمره قد تجاوز الخمسين وترك الملهى الذى كان يعمل فيه بسبب عمره "طردوه بالذوق"، وأصبح محمد يقتصر في عمله على الأفراح الشعبيه التي تحييها الراقصات الممتلئات و وفي النهاية فإن هذه الأفراح دخلها قليل، ويأخذ فى الفرح الشعبى جنيه 300 وآخر راتب له فى الملهى 900جنيه شهرياً. وأضاف أن لمهنته مواسم يكثر بها الأفراح كالعيد الكبير والصغير وأجازه الصيف، ورأس السنه أحياناً. وقال أن أكثر شهر لا يعمل به هو شهر رمضان، وقال أن لا أحد يقيم فرحه فى شهر رمضان، وحتى أيام الملهى كان الزبائن غير كثر وعلق "بيخافوا من ربنا". وأشار أنه يستحرم النزول فى رمضان ليطبل لراقصة رقص أمام غائبين عن الوعى ومُخدرين، و يضيف: أشعر أن الله غير راضى عني، و ويؤكد أنه لم يتخذ القرار بعد بترك المهنة. وأشار إلى أن عائلته تساعده خاصة فى شهر رمضان لأنهم على دراية بالظروف المالية رغم أنهم غير راضين على مهنته وقال "لكن كل واحد حر وهما كتر خيرهم". أما عن توقعاته لعمله فى ظل حكم إسلامى، قال أنا شاركت فى الإنتخابات البرلمانيه ونفذت الفتوى وأخترتهم ونزلت الأنتخابات الرئاسية وانتخبت مرة عمرو موسي والثانية أحمد شفيق وهذ ليس حباً فيهم أو إقتناعا بقدراتهم ولكن لكى أبعد عن الإسلاميين المتوقع منهم أن يغقلوا الملاهى الليلية ويمنعوا الراقصات من الرقص فى الأفراح وبالتالى سأجلس فى منزلى "أقمع باميه". وقال أن بالفعل فى بعض الأفراح داخل جماعات من ذات الدقون وقالوا "خلصوا المسخره دي لإما هنقلبها ضالمه" فخاف صاحب الفرح على النقطة التى جمعها وأغلق الفرح. وأخيراً قال أنه يحب مهنته ويجد متعته فى العزف على الطبلة. وأنه في بداية حياته كان لا يريد أن يكون طبالا وراء راقصة وإنما كان يريد أن يمارسها كهواية .