من السادسة مساء، يدوى صوت الطبلة فى الهواء حتى يصل إلى أسماع المارة بشارع النبراوى المتفرع من شارع شمبيليون بوسط البلد: إنه هانى الدسوقى، معلم الطبلة، الذى يجتمع بتلاميذه فى الاستديو الخاص به والملتصق بمنزله الكائن فوق سطوح بناية «الداون تاون» جاليرى. الدسوقى من مواليد القاهرة، وبدأ العزف على الطبلة وهو فى الثامنة من عمره وعندما وصل إلى مرحلة العشرينات شارك مع فرق مختلفة، خاصة تلك التى كانت موجودة فى وسط البلد، قبل أن يؤسس هو بمفرده فرقا مستقلة للعب أنواع مختلفة من الإيقاع، كالنوبى والجاز والراجى. تمر السنون ويشجعه بعض معارفه ممن كانوا يأتون إليه ويعزفون معه على الطبلة على تعليم لغة الإيقاع وتعليم كيفية التواصل مع من حوله من خلال تلك اللغة، فهو يرى أن الإيقاع حالة من حالات التواصل مع الآخر، ويبدأ بالفعل فى عمل إعلان صغير عن «دروس طبلة مصرية». التلاميذ ليسوا مصريين فقط، وإنما من جنسيات مختلفة، بل لاحظ الدسوقى فى الآونة الأخيرة انضمام الجنس اللطيف إلى تلاميذه، خاصة «الشابات» فقد أصبحن مهتمات بتعلم العزف على الطبلة. مدة إتقان الطبلة تختلف من شخص لآخر، إلا أن الحصة الواحدة لا تقل عن ساعة واحدة، ولايذهب الدسوقى إلى بيوت الطلبة لإعطاء الدرس، «دا مش درس خصوصى فى الفيزياء، ويحتاج لتركيز»، فمن اللازم أن يدخل الدسوقى هو وتلاميذه فى «حالة» الإيقاع. وبالطبع يملى على بعض طلابه واجبات فهم يقومون بتسجيل «الأرتام»، أى أنواع الإيقاع، على كاسيت ويوصيهم بوضع فوطة داخل الطبلة حتى لا يسبب صوتها العالى فى إزعاج جيرانهم. «ما حدش علمنى الطبلة»، يقولها الدسوقى بمنتهى الثقة، ويضيف أن طريقه للعزف على الطبلة بدأ ب«التطبيل» على الدكة فى المدرسة واستخدام صفيحة الزبالة علشان نشجع فريق المدرسة وهو بيلعب فى بطولات كرة القدم»، ثم انضم لفرقة الموسيقى بجمعية الشبان المسلمين، ومن شغفه بالطبلة خالط الدسوقى محترفى الطبلة ووجدهم من الفئة الشعبية الميكانيكيا والبوهيجية». الطبلة بالنسبة له موهبة فطرية، «فيه واد طبال مولع الدنيا فى شبرا، وتلاقى الولد ده عنده 17 سنة وفعلا سايق الفرح ومحدش علمه». وليس العزف على الطبلة حكرا على الفئة الشعبية فقط وإنما يعتقد الدسوقى أن «موضوع الإيقاعات ده فيه محامين ومهندسين ودكاترة هواة». ويضرب الدسوقى مثالا على ذلك بتجربته شخصيا، معلم الطبلة الذى تخرج فى كلية التجارة جامعة الأزهر، وعمل 15 عاما بعيدا عن مجال الإيقاع. جرب الدسوقى العزف على الطبلة خلف راقصة، ولكنه لم يستمر فيها لأنه لم «يجد نفسه»، ولأنه يلعب إيقاعات مختلفة مثل السامبا والريدى ويمزج كثيرا بين الغربى والشرقى، ويوضح الدسوقى هنا الفرق بين عازف الإيقاع وطبال الراقصة. فالأخير لابد وأن تتوافر فيه مهارات عالية وأن يوجد التوافق بينه وبين الراقصة فيعرف مواضع البطء والسرعة، أما عازف الإيقاع فى الموسيقى العربية فيتبع التمبو، أى التقطيع الزمنى للألحان، ويسير وفق المازورة. ويتذكر الدسوقى أنه واجه الكثير من السخرية والرفض بسبب ولعه بالطبلة، وكان أول من رفض ذلك الأمر هو والده، عندما وجد أول طبلة فى حجرته كسرها قائلا «عايز تطلع طبال؟». أول ما يقوله الدسوقى لتلاميذه فى أول حصة طبلة، «هو إن الموسيقى سمع»، أما عن أجود أنواع الطبلة، فيذكر الدسوقى أن طبلة زمان كانت حلوة والمصنوعة من جلد السمك والفخار وهى متوفرة الآن بشكل محدود، والطبلة المنتشرة حاليا هى المصنوعة من الألومنيوم، ودائما ما يشترى الدسوقى الطبلة من شارع محمد على. آخر كلام الدسوقى هو أن الطبلة مهمة جدا «بطبيعتنا إحنا المصريين لازم لما نهيص، تبقى فيه آلة الإيقاع.. الطبلة».