بعد الإنتهاء من مراسم تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر يوم الأحد 8 يونيو 2014 بحضور لافت لدول الخليج التي أيّدت عزل المشير السابق للرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وفي ظل غياب أي مسؤول كبير من الدول الغربية التي تقدم للقاهرة مساعدات عسكرية وتقنية بمليارات الدولارات، تعود للواجهة التحديات الإقتصادية والأمنية والإجتماعية الكبرى التي تُعاني منها البلاد كما تُطرح بإلحاح مسألة التعامل السياسي مع المعارضين عموما وجماعة الإخوان المسلمين تحديدا. ومع تأكيد كثيرين أن التحديين، الأمني والاقتصادي، يأتيان في مقدمة التحديات التي تواجه السيسي في رئاسة مصر، يرى مراقبون أن "التسوية السياسية" للخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين وأنصار ومُؤيّدي الرئيس المعزول محمد مرسي، تبقى واحدة من أهم وأبرز التحديات القائمة، فبدونها لن يتوافر للرئيس الجديد الهدوء والإستقرار اللازمين للتفرغ لإحداث إنجازات ملموسة على الأرض وبدء صفحة جديدة مع قطاع لا يُستهان به من المصريين، الذين يعتبرون أنفسهم في خصومة بل ثأر مع السيسي. في هذا السياق، التقت الوادي مع ثلاثة من الباحثين والمحللين السياسييّن المصرييّن، المهتمين بهذا الملف الشائك، وسألتهم هل يعتقدون أن الرئيس الجديد سيستهل عهده بقبول (أو السعي) إلى إيجاد تسوية سياسية أو مصالحة شاملة مع القوى السياسية، وخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، أم أن هذه المسألة قد حُسِمَت ولا مجال للتراجع فيها؟ وما هي الشروط الواجب توافرها لتهيئة الأجواء لإجراء مثل هذه التسوية أو المصالحة الشاملة؟ وكيف يُمكن توافرها أصلا؟.. النتائج الرسمية للإنتخابات الرئاسية.. أرقام ونِسب في البداية، أوضح الدكتور محمد الباز، الخبير الإعلامي، أن "السيسي حسَم أمره مبكرا، حيث أعلن أنه فاتح الباب بالفعل لكل المواطنين، لكنه وضع لهذا شرطين؛ الأول، أن لا يكون متورطًا في قضايا فساد، وهؤلاء المقصود بهم رجال عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك. والثاني، أن لا يكون متورطا في قضايا العنف أو التحريض عليه"، مشيرا إلى أن "الشرط الثاني الذي يفتح الباب أمام استيعاب بعض الإخوان على أساس أنهم لم يُدانوا قضائيا في قضايا عنف، هو نفسه الذى يغلق أمامهم الباب، على اعتبار أن الإخوان في سلة واحدة وأنهم يساندون العنف، عمليا ونظريا"، على حد زعمه. ويقول الباز، الكاتب والمحلل السياسي: "لكن السؤال الأهم هو: هل يقبل الإخوان المسلمون الدخول من باب السيسي إذا فتحه لهم؟"، ويجيب قائلاً: "أعتقد أن هذه مشكلة ستقابل التنظيم، خاصة أن السيسي عندما جزم بأنه لن يكون هناك إخوان في عهده، أعتقد أنه كان يقصد التنظيم، وليس الأفراد، الجماعة التي لها مرشد، وليس المواطنين الذين يمكن أن يحملوا فكر وأفكار حسن البنا"، حسب رأيه. ويضيف "ولأنه لا إخوان دون تنظيم، فإنه على وجه التقريب يمكن أن يكون السيسي هو كلمة النهاية في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بمصر"، معتبرا أن "المصالحة ليست اختيارا ولكنها اضطرارا. فهو لن يعمل في هذا الجو من الإضطراب ولن يصبر على أن يكون خصيما لفصيل من الشعب، خاصة وأن هذا الفصيل يرى أن له ثأرا عنده، لكن الإشكالية هي مصالحة على أي أساس؟". ويوضح الباز أن "الإخوان يتمسّكون بالشرعية التي يعتقدونها، رغم أن هناك شرعية جديدة على الأرض، وهى شرعية وراءها مؤسسات الدولة، على عكس شرعية الإخوان التي يدافع عنها أصحابُها من الخارج ومن داخل السجون، ولا شك أن شرعية الأرض بمعطياتها الحالية تكسب، وهو ما يجعلني أنحاز إلى أن الإخوان عند نقطة محددة، يمكن أن يسعوا إلى التصالح والجلوس بالقرب من المائدة، حيث لن يسمح لهم أحدٌ بالجلوس على المائدة مرة أخرى،.. أما متى تأتي هذه اللحظة، هذا بالطبع سيتوقف على نجاح السيسي أو إخفاقه في الشهور المقبلة". من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي مصطفى زهران، أن "هناك حقيقة ظاهرة وأخرى خفية، كلاهما يعيهما جيدا المراقب للمشهد السياسي المصري ويبصرهما المشير عبد الفتاح السيسي، الذى يُعدّ نفسَه لرئاسة مصر. الحقيقة الأولى الظاهرة، أن الإخوان وأنصارهم من القوى الإسلامية والذين التحفوا وانضووا تحت مظلة ما يعرف بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب، قد قاطعوا الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي أتت بالمشير السيسي". ويقول زهران، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية "أما الحقيقة الأخرى الخفية، فهي أن هذه المقاطعة ساهمت بقدر كبير في التأكيد على قوة وفاعلية جماعة الإخوان المسلمين على الأرض وقدرتها الكبيرة على الحشد والتعبئة، والتي انتفت هذه المرة في هذا الإستحقاق، جراء مقاطعتها لها والتي أثبتت أنها القوة الحقيقية المعارضة لأي سلطة تأتي بعد ذلك". ويضيف: "لذلك، وانطلاقًا من هذه النقطة، وبالتوازي مع الحراك القائم في الشارع، فضلاً عن عدم وجود رؤية حقيقية مستقبلية له، إلا أنه من المتوقع أن يذهب السيسي إلى محاولة التصالح أو الوصول إلى نقطة التقاء مع الإخوان وأنصارهم من الإسلاميين، خاصة وأن ازدياد وتيرة المعارضة في الشارع ربما ستزيد من حالة العنف في ظل مشهد اقتصادي مترهل". ويتابع زهران قائلاً: "ولا يعني ذلك أن المصالحة المتوقعة أو التكهن بذلك، أمر في منتهى اليُسر وأنه ربما يأتي مباشرة وعلى وجه السرعة عقب تنصيب السيسي رئيسا للبلاد، وإنما يتأتّى ذلك وفق مناخ يُساهم ويساعد على هذا التحول، إن جاز الوصف، وذلك شريطة أن يتنازل الفريقان - إلى حدٍّ ما - عن شروطهم السابقة". ويقول: "ولعل ما طرحه الدكتور ناجح إبراهيم (القيادي السابق بالجماعة الإسلامية) منذ وقت قريب، هو الحل الأمثل لجلوس الفريقين على طاولة المفاوضات، من خلال دفع الدّيّة عن كل فريق للآخر، فضلاً عن تنازل الإخوان عن فكرة عودة الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي وقبولهم بالواقع الجديد والمتغيّرات التي حدثت خلال عام كامل، وبالتوازي مع ضرورة إفراج السلطة عن كل معتقلي الإخوان، بلا استثناء". أما الكاتب والمحلل السياسي أحمد طه، فيقول: "للأسف الشديد، بات من المُستبعد إقدام السيسي على إجراء مصالحة وطنية مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، على الأقل في المدى القريب، وذلك لعدّة أسباب؛ أهمها، أن كِلا الطرفيْن تبنّى سياسة التصعيد و"الحدّ الأعلى" من سقْف المطالب طيلة الأشهر الماضية، مما جعل من الأزمة "مباراة صفرية" من طرفيْها"؛ مشيرا إلى أن "السيسي نفسه صرّح منذ أسابيع قليلة في حوار متلفز إبّان حملته الانتخابية، بأنه لا وجود للإخوان في رئاسته". وفي تصريحات خاصة يضيف طه: "الدولة تبنّت سياسة إقصائية – استئصالية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، اقتصرت فيها على الحل الأمني، دون تقديم أي حل سياسي للأزمة. فقد اعتبرت حكومة الببلاوي (السابقة) الإخوان جماعة "إرهابية" وأسرفت السلطة كثيراً في استخدام الآليات الدولية الخشنة، بدءا من التوسع الكبير في الإعتقالات، ومرورا بالبطش الأمني بالتجمعات والمظاهرات، وانتهاءً بالقتل وإراقة الدماء في الشوارع بصورة بالغة القسوة". "ومن جانبها - يستطرد المحلل السياسي - لم تتراجع أو تتخلَّ جماعة الإخوان المسلمين عن مطلب عودة الرئيس السابق محمد مرسي، ورفضت تماماً أي حديث عن إمكانية قبول الأوضاع الجديدة، إلا بعد عودة مرسي، كما أن التكلفة الباهظة التي دفعتها الجماعة من دماء شبابها وحرياتهم والعائد الذي لا يُذكر، وضَعَ قيادة الجماعة في موقف بالغ الحرَج أمام قواعدها، مما يشكّلُ عقبة أخرى أمام خَطِّ الرّجعة عن موقفها"، إلى جانب "دخول الجماعات والخلايا المتطرفة على خطّ الأزمة، والتي قامت بعدّة عمليات إرهابية، راح ضحيتها العديدُ من الضباط والجنود الأبرياء، مما زاد الطين بلّة". وتابع طه قائلاً: "هذا بالإضافة إلى عامل آخر، ألا وهو الخطاب (التأجيجي) العدواني والتحريضي، الذي يتبنّاه عددٌ كبيرٌ من النّخبة السياسية والمالية والإعلامية تجاه كلمة "المصالحة" أو من يذكرها، ويكفي هنا أن نذكّر الحملة الشّعواء التي تعرّض لها الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والحملة المماثلة التي تعرّض لها الدكتور حسن نافعة في فترات هبَط فيها الخطاب الإعلامي إلى مرحلة بالغة التدنّي والإسفاف". ويختتم الكاتب والمحلل السياسي أحمد طه بالقول بأنه "تجدُر الإشارة إلى أنه لا مخرَج من الأزمة الجارية، إلا بالمصالحة الوطنية. فلا يمكن أن ينطلِق الوطن نحو مستقبله بهذه الحالة من الإستقطاب السياسي الحادّ، الذي تحوّل إلى انقسام اجتماعي كبير، ولن تتحقّق المصالحة الوطنية، إلا إذا احتكم الطرفان إلى خطاب العقل وتغليب مصلحة الوطن على ما سِواها".