كتبتُ هذا المقال منذ أكثر من شهر ورفضت صحيفتان "مستقلتان " نشره... وأرجو ملاحظة إن موجة النفاق صارت عاتية بل وكارثية ولكنني فضلتُ الاحتفاظ بنص المقال كما كتب في حينه.. فيه حاجة غلط أكيد!!..في كل مرة نقوم بثورة عظيمة تُبهر العالم ،نُسلمها تسليم مفتاح الى رجال النظام الذي ثٌرنا عليه ونجلس في مقاعد المتفرجين راضين من الغنيمة بالإياب ، أو نتركها في العراء حتى يأتي من يستولي عليها ويفرض علينا شخصيات من دولاب النظام القديم !!.. كارثة حقيقية ألا يحكم الثوار أو يتم الحؤول بينهم وبين السلطة في كل مرة ، ناهيك عن الإصرار على تجاهل الشرعية الثورية ، وحق هذا الشعب الأصيل في استعادة أمواله المنهوبة وتقديم مبارك ورجال عصابته من قيادات الحزب الوطني لمحاكمة سياسية جادة عن كل جرائمهم العظمى في حق الوطن والمواطنين ..فإذا كانت الثورة تغييراً جذرياً يقوض النظام الذي ثارت عليه الجماهير ، ويقيم بدلا منه نظاما جديدا يحقق أحلام وتطلعات الثوار نحو غد أفضل ، فإن محاولة الإبقاء على النظام القديم وترقيعه أو الاكتفاء بمجرد تجميل وجهه القبيح ، تعني خيانة الثورة والثوار والتنكر لدماء الشهداء وتضحيات المصابين..وأخشى القول إن هناك مؤشرات على محاولة إعادة إنتاج نسخة مُطوَرة من دولة مبارك القائمة على "المشروع الساداتي" ، وهو خلطة تعتمد على الفساد والتبعية والتحالف مع تجار الدين والانحياز للأغنياء ولصوص الأموال والأوطان !!.. ومما يثير الانزعاج والقلق في المشهد الحالي تصاعد الأصوات التي تحاول تشويه ثورة 25 يناير وتصويرها على أنها مجرد مؤامرة أمريكية إخوانية تم تصحيحها في ثورة 30 يونيو ..وتقود هذه الأصوات "جوقة" ، من الإعلاميين والسياسيين المرتبطين بأمن دولة مبارك ، ولجنة سياسات الحزب الوطني ، والذين كانوا ، حتى آخر لحظة، يروجون لمشروع التوريث!!..إنها باختصار محاولة مكشوفة للقفز على ثورتين شعبيتين وأهدافهما ، بُغية استعادة نظام مبارك دون رأسه..أما الأخطر فإنها محاولة هؤلاء العودة للهيمنة على المشهد الإعلامي والسياسي بعد 30 يونيو من خلال حملة نفاق فجة وممجوجة للفريق السيسي غير مدركين أنهم يسيئون للرجل ودوره المشهود في إنقاذ الدولة المصرية وحضارتها العتيدة ، وذلك لأنهم ارتبطوا في أذهان الناس بنفاق رموز نظام مبارك والتستر على فسادهم ، فضلاً عن المشاركة في جرائمهم في حق الوطن والمواطنين ، الى جانب محاولاتهم المكشوفة والمستميتة لتبييض وجه أبشع عصور الإنحطاط في تاريخ مصر..وأرجو مخلصاً أن يتدخل مَن بيدهم الامر لوقف هذه الحملة من النفاق الرخيص التي تُسيء لمصر وثورتها وجيشها!!.. وأرجو أن يدرك هؤلاء المهرجون أن الشعب المصري شب عن الطوق ولن يسمح لهم بمواصلة الرقص على كل الحبال في كل العصور ، وأن هذا الشعب تجاوز أمراض وعُقد عبادة الافراد ولن يقبل بمرور أي مرشح الى المنصب الأعلى في البلاد ، إلا إذا كان لديه برنامج واضح ورؤية ثاقبة لمستقبل هذا الوطن الذي تأخر طويلاً عن ركب التقدم ، حتى لو كان هذا المرشح هو الفريق السيسي نفسه بكل ما له من حب وتقدير كقائد لجيش مصر العظيم..وأتعشم أن تكون تلك الحقيقة ماثلة في أذهان دولة الفساد الساداتية / المباركية التي شمرت مؤخراً عن ساعديها للدفاع عن مشروعها في مواجهة الثورتين ، وتعمدت أجهزتها السرية ، التي لا تزال نافذة وطويلة الباع ، والتي تعتبر الثوار والقوى الوطنية التي عارضت السادات ومبارك اعداءً لها وللوطن ، الدفع برجالها لتصدر المشهد السياسي بعد ثورة 30 يونيو ، كما فعلت بعد ثورة 25 يناير!!..فقد صدرت الاجهزة في المرتين شخصيات لا تنتمي للثورة ولا تؤمن بالتغيير ، وكانت معظم هذه الشخصيات من أبناء المشروع الساداتي الذين تورطوا في الدفاع عن فساده وجرائمه!!.. والمؤكد أن أبناء هذا المشروع لم يكن لديهم ما يمنعهم من التعاون مع نظام الإخوان طالما كانوا سيسمحون لهم بمواصلة الفساد والسمسرة والتبعية ..والمثال الاكثر فُجرا وفجاجة على جرأة ونفاذ دولة الفساد ، هو تعمد الاجهزة السرية لهذه الدولة معاودة الدفع الى واجهة السلطة بشخصيات معادية للتغيير والثورة ، أو على الاقل تعاونت مع نظام مبارك وشاركت في المحاولات الاخيرة اليائسة للإبقاء عليه وإجهاض الثورة!! .. وقبل أن أختم بالقول إنه لا يجب السماح بعد الآن بتعيين رئيس او وزير أو مسئول كبير دون أن نُعلن ذلك على الملأ مسبقاً ونعرف تاريخه الشخصي والمهني بالتفصيل ، أجدني مضطراً للتحذير بأعلى صوت من أن "المشروع الساداتي بكل ما يعنيه من فساد وتبعية وتواطؤ مع الإخوان وتجار الدين ، يعود الآن بقوة لقتل الثورتين اللتين قامتا لإسقاطه"!!..ومُنذراً لاحسي الاطباق على موائد السلطة في كل العصور الذين بدأوا يتخذون أوضاعاً جديدة ، وأحياناً مُخلة ، أملاً في إعادة عقارب الساعة الى ما قبل 25 يناير 2011 ، وإقناع القيادات الجديدة بأن قمع الحريات هو أقصر طريق لثبيت سلطتها ، بأن يكفوا عن هذه الالاعيب المكشوفة ، والافضل أن يختفوا من الصورة تماماً، لأن زمنهم ولى ولأن المصريين تغيروا وكسروا حاجز الخوف ولن تردعهم أعتى القوى عن تحقيق أهداف ثورتيهم كاملة.. [email protected]