رأيت فيما يري النائم خير اللهم اجعله خيراً أن ثورة عظيمة فجرها الشباب وشارك فيها الشعب وحماها الجيش.. وبقوة الإرادة والعزيمة نجح الثوار بعد ثمانية عشر يوما فقط في إجبار الرئيس مبارك علي التنحي.. الفرحة الكبيرة بإسقاط رأس النظام لم تله أحدا عن مغادرة الميدان.. لم يبرح أحد مكانه قبل الاتفاق علي تشكيل مجلس قيادة الثورة.. ضم مجموعة من خيرة شباب وشيوخ كانت لهم رؤاهم وبصمتهم الواضحة في إنجاح الثورة كما كان لهم دور رائع لمعارضة النظام السابق علي مدار سنوات طويلة..لم يكن من الصعب عليهم وضع الأيدي علي جراح الشعب الصابر وتشخيص آلامه والإسراع بتلبية أحلامه وتطلعاته.. توالت قرارات المجلس لتروي ظمأ الشعب المتعطش للحرية وللعدالة الاجتماعية ولكرامة الإنسانية بالطبع لقمة العيش الكريمة. كان أول قرار للمجلس تقديم مبارك وزوجته وأبنائه للمحاكمة بعد مصادرة أموالهم ومنعهم من السفر والاتصال بالبنوك الأجنبية لمنع التصرف في أرصدتهم بالخارج بأي شكل من الأشكال. وزع مبارك ورجاله علي السجون المختلفة لمنع أي محاولة منهم يمكن أن تحرك ثورة مضادة تحاول إفشال ثورة الشعب الكاره لهم، والذي زادت كراهيته بعد الكشف عن حجم الفساد الذي ارتكبه النظام السابق والذي لم يرحم معاناة ملايين تزداد فقرا يوما بعد يوم.. لكنها أخيرا تنفست الصعداء بعد قرار مجلس قيادة الثورة بوضع حد أدني للأجور يضمن لهؤلاء حياة كريمة ويمنحهم الأمل في أن زمن تهميشهم ذهب إلي غير رجعة. فالثورة لم تقم إلا لتحقيق العدالة.. كان الهدف واضحا وعليه جاء القرار الفوري بإقالة النائب العام وتعيين آخر جديد جاءت قراراته صدي للثورة.. لم يمض وقت طويل حتي جهز الأوراق والأدلة وقدم قضايا الفساد كاملة الأركان.. بالوثائق والمستندات فضح النائب العام جرائم الفساد والمتاجرة بديون الوطن واستغلال النفوذ والتربح ونهب الأراضي. كانت التهم واضحة والأدلة دامغة لم يستطع مبارك أن (ينكرها تماما) ولا محاميه المحنك أن يصفه بأنه (ملاك بجناحين).. فبدت دفوعه واهية وكلماته عبثية.. وكان وجه مبارك يرتعد خوفا بينما يجلس علي كرسيه المتحرك.. بينما بدا الذعر علي وجه ولديه علاء وجمال شعر الفاسدون بأنه وقت الحساب وأنها بالفعل لحظة القصاص..تيقنا أن النهاية حتما ستكون قاسية من جنس وحجم فسادهم وأن السجن المؤبد سيكون في انتظارهم.. وقد كان .. جاءت الأحكام حاسمة سريعة لم تطفيء فقط ظمأ الشعب المتعطش للعدالة.. وإنما كانت رسالة واضحة لباقي رجالي النظام أن أحدا لن يفلت من العقاب.. ولم ينتظر هؤلاء طويلا.. بعدما انهال معول الثورة علي رءوس الفساد في كل المؤسسات فتم تطهير المؤسسات الصحفية والإعلامية من محترفي النفاق وتجار الكلمة ومدمني تزييف الحقائق لخدمة صاحب السلطة والسلطان.. خرجوا جميعا بغير رجعة ولم يسح لأحد بالتلون أو ادعاء البطولة أو ارتداء ثوب الثوار. وبنفس الحسم تم تطهير القضاء.. لم يكن الأمر صعبا فالأسماء التي يحمل أصحابها تاريخا ملوثا بالفساد وتزوير الانتخابات وإصدار الأحكام المسيسة التي تصب في صالح رجال النظام كلها كانت معروفة فكان من السهل التخلص من أدرانها التي لطخت ثوب العدالة. ربما كانت المهمة الأصعب هي تطهير الداخلية.. لكن الإصرار كان واضحا علي تحقيق الهدف مهما بدا الأمر عسيرا.. فأحيل جميع الضباط المتهمين بقتل الثوار للمحاكمة وتوالت أحكام الإعدام والسجن علي هؤلاء.. وكذلك ضباط مباحث أمن الدولة الذين ثبت ارتكابهم لأبشع جرائم التعذيب وانتهاك العرض.. نحجت قيادة الثورة في القبض عليهم وقبل أن يتمكنوا من فرم المستندات والأوراق التي تفضح جرائم الفساد الذي ارتكبه النظام السابق. شهور فقط مضت وتيقن الجميع أن النظام بالفعل قد سقط وأن الثورة الرائعة قد نجحت. وبنفس الحماس الثوري وروح التوافق التي وحدت الجميع للتخلص من مبارك ورجاله.. استكمل الثوار الطريق لبناء مصر ديمقراطية حرة.. قتم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور.. طرحته بعد أداء مهمتها للاستفتاء وافق عليه الشعب وبدأت مرحلة أخري شهدت فيه البلاد أنزه انتخابات برلمانية انتهت بحصول التيار الإسلامي علي 40٪ بينما حصلت أحزاب جديدة للشباب علي 30٪ وحصلت الأحزاب القديمة علي 30٪. كانت أولي جلسات مجلس الشعب رائعة.. كانت البداية القوية تشي بأنه حقا مجلس الثورة.. أداء راق في مواجهة حاسمة للمشكلات.. انجاز وحسم في إصدار التشريعات التي توالت عبر جلسات المجلس فلم يكن تمر جلسة إلا وتسفر عن قرار أو مشروع قانون يواجه مشكلة ويحل أزمة سواء تعليما أو صحة أو أمنا أو بطالة. كان المجلس قويا في مواجهة أخطاء الحكومة مهما بدت صغيرة وكانت الحكومة بدورها مسخرة لخدمة الشعب لاتقل حماسا عن تحقيق أهداف الثورة وكيف لا وهي تضم خيرة عقول مصر وأصحاب الهمم والعزيمة والكفاح الطويل. كان ميلاد ومصر الجديدة في أجمل صورة.. هكذا كان الحلم.. الذي حلمنا به جميعا.. لكنه للأسف مر سريعا وسرعان ما تنبهنا منه لنفاجأ بواقع مؤلم.. مبارك في المركز الطبي العالمي في انتظار البراءة هو ورجاله تمهد لها دعوات فجة تطالب بالتصالح مقابل رد الأموال.. وتبشر بها أيضا أحكام البراءة التي تتوالي مكافأة لقتلة الثوار ومنتهكي الأعراض ومرتكبي جريمة كشف العذرية. النفاق الإعلامي عاد متبجحا ليحتل صدارة المشهد.. حرب تشويه الثوار واتهامهم بالعمالة والخيانة بلغت أقصي درجاتها فجاجة.. المحاكمات العسكرية تستهدفهم.. والاختفاء القسري لآلاف منهم.. وآلاف غيرهم لا يدري أحد مصيرهم..! رجال مباحث أمن الدولة مازالوا يمارسون مهامهم في بث الفتنة وإشاعة الفوضي والذعر.. لم يسقط إذا النظام لم تنجح الثورة.. أدخلنا العسكر في متاهة لم نخرج بعد منها.. لم يحموا الثورة بل بدا من كل تحركاتهم أنهم فقط حموا الثورة المضادة.. أليس غريبا بعد كل هذا أن نهتف »يسقط يسقط حكم العسكر«!! ربما يبدو غريبا فقط علي من يصر علي وأد الحلم الثوري.. لكن أبشر هؤلاء بأن هذا لن يحدث.. فالحلم مازال مستمرا وكذلك الثورة والأيام بيننا.