خرجت "العائلة المقدسة" من فلسطين فراراً من ظلم "هيرودس" الملك الروماني الذي أمر بقتل كل الأطفال ببيت لحم حين علم بأن هناك مولوداً ذكراً قد وُلد و سيكون ملكاً علي مملكته. طارد رجال "هيرودس" "العائلة المقدسة" حتي وصلت إلي تلك البقعة الطيبة من أرض مصر، فلما شعرت "السيدة مريم" بدنو خطرهم ما كان منها إلا أن إحتوت وليدها "السيد المسيح" عليهما السلام بين ذراعيها و إختبأت تحت ظل شجرة جميز ضخمة بعيداً عن أعين رجال "هيرودس" فكانت الشجرة -التي سُميت لاحقاً بإسم "شجرة مريم"- سبباً إلهياً في نجاة "العائلة المقدسة" ثم عُرفت تلك البقعة الطيبة من أرض مصر بالإسم الذي إشتُق من الكلمة اللاتينية Mattar التي تعني "الأم" تشرفاً بمرور "أم النور" بها. قبل زيارة العائلة المقدسة بنحو ألفي عام كان يحكم مصر فرعون إسمه "سنوسرت الأول" أو "سيزوستريس" الذي تميزت البلاد في عهده بالصناعة القائمة علي إستخراج الذهب و الفيروز و النحاس. شيد الفرعون "سنوسرت الأول" مسلةً كانت تُطلي قمتها المدببة بالذهب حتي إذا ما سطعت الشمس إنعكس ضياؤها علي قمة المسلة لينير الدنيا تمهيداً لعبادة رع إله الشمس. و تعد مسلة "سنوسرت الأول" التي تقع علي بُعد أمتار من الشجرة المُباركة هي الأثر الوحيد الباقي بمصر من مدينة "أون" الفرعونية (مدينة الشمس) التي أطلق الأغريق عليها إسم "هليوبوليس"....................تلك هي "المطرية". مر علي "المطرية" نحو 4 آلاف عام منذ "سيزوستريس" فرحلة "العائلة المقدسة" إلي أن وصلنا إلي هذا الزمان التعس، حيث تغيرت أحوال العباد و البلاد. و بعدما كانت المطرية حاضرةُ "الحياة" التي ترسل أشعة شمسها لتنير العالم، صارت حاضرة "الموت" التي ترسل سُحُبَ القتل السوداء لأبناء المحروسة. منذ بضعة أيام دعاني بعض الأصدقاء من "المطرية" لوقفة إحتجاجية (مُصرحٌ بها) تحت شعار "إنقذوا أهل المطرية" للإعتراض علي إقامة مصنع "للشركة المصرية للتكرير" بمسطرد و (المملوكة بنسبة 11.7% لشركة "القلعة") التي تعمل في إنتاج "السولار" بإستخدام ما يُصطلح علي تسميته فنياً "بالتكسير الهيدروجيني"، و هو ما ينتج عنه أبخرة تنبعث منها غازات قاتلة يمتد أثرها إلي حوالي 45 كيلومتراً حسب دراسة مقدمة من أساتذة متخصصون بجامعة عين شمس. ستمتد الآثار القاتلة لهذه الغازات لتدمر صحة الملايين من سكان المطرية و الزيتون و عزبة عاطف و عرب الحصن و الخصوص، فإذا ما رزقنا الله بمطرٍ من عنده فسيتحول هذا الخير إلي شرٍ مستطير حين تختلط مياه المطر بتلك الغازات السامة فتصير أمطاراً حمضية تُتلف الزراعة. هكذا و بكل بساطة و بلا أدني ذرةٍ من ضمير أو وازعٍ إنساني و سعياً وراء أقصي ربحٍ ممكنٍ تُدمرُ الشركة بدم بارد صحة المصريين و تتلفُ ما تبقي لديهم من زراعة في ظل غيابٍ تام للحكومة المصرية التي تبدو كما لو كانت تحكم شعباً آخراً. المضحك المبكي أن معالي السيدة وزير الدولة لشئون البيئة -و هل لدينا حقاً وزارة لشئون البيئة ؟- كانت في نفس الأسبوع الذي أقيمت فيه الوقفة الإحتجاجية لأهل المطرية تجتمع بنظيرها "المجري" لبحث سبل التعاون بين البلدين و دراسة كيفية تفعيل الإتفاقية الموقعة في مجال حماية البيئة بين البلدين في 2008 بدلاً من أن تذهب لزيارة المنطقة للتعرف علي المشكلة و تنسق بين الوزارات المعنية لحلها. هكذا يضيع وزراء حكومتنا وقتهم في بروتوكولات لا طائل من وراءها..هكذا تضيع حكومة الفشل الذريع الشهيرة بحكومة "الببلاوي" وقتها فيما لا ينفع الناس من إجتماعات لا تُسمن و لا تُغني من جوع في الوقت الذي يئنُ فيه المصري و يصرخ لأجل أبسط حقوقه في الحياة التي لا تُقيم الحكومة لها وزناً. ما يزيدك حنقاً و غضباً و سخطاً علي حكومة "الفشل الذريع" أنها كانت قد أصدرت في أكتوبر الماضي خطاب "طمأنة" للبنوك والجهات المقرضة التى تمول المشروع، بما يؤكد الدعم الحكومى له حسب تصريحات السيد "أحمد هيكل" رئيس شركة "القلعة". و أتسائل هنا عدة تساؤلاتٍ مشروعة إن صح حديث السيد "هيكل": كيف قامت الحكومة "المؤقتة" بمنح خطاب "الطمأنة" و ماهي حدود صلاحياتها و أبعاد تعهداتها ومداها الزمني؟ و ما عساها ستفعل بشأن هذا الخطاب في ضوء نص المادة 46 من الدستور الذي سنُستفتي عليه بعد أيام و المتعلقة بحق المصريين في بيئة صحية سليمة: هل ستلتزم بما قطعته علي نفسها من طمأنة للمستثمر فتحتفظ بمواد الدستور حبراً علي ورق أم ستسحب إلتزام "الطمأنة" تفعيلاً لمواد للدستور؟ قد يري البعض أن الوقت غير ملائمٍ للحديث عن طلب إقالة حكومة "الفشل الذريع" لتأثير ذلك علي مسارات خارطة المستقبل و إستحقاقاتها ..ليكن، لكن هذا لا يعني أبداً أن نصمت علي أخطاءها القاتلة، و أحسب أن تلك الحكومة مدينة لنا بالإفصاح عن طبيعة و تفاصيل خطاب "الطمأنة" الذي أشار إليه السيد "هيكل" ثم إقالة وزيرة شئون البيئة -و هل لدينا حقاً وزارة لشئون البيئة؟- التي تركت مطالب الناس معلقة بالهواء لإجراء مفاوضات بروتوكولية لا تضر و لا تنفع و أظن أن مثل هذه الإقالة لن يكون لها تأثير بالمرة علي مسارات خارطة المستقبل و إستحقاقاتها . أقيلوا الوزيرة و إسحبوا إلتزام "الطمأنة" و أوقفوا العمل بالمصنع حفاظاً علي صحة المصريين و إحتراماً لدستورٍ تسعون للحصول علي موافقتهم عليه و أنصتوا لأهل المنطقة التاريخية العريقة الذين لعبوا أنبل الأدوار في موجتي الثورة التي خلعت الفاسد "مبارك" و عزلت الخائن "مرسي" ثم أتت بكم إلي كراسي الحكم.