«نجيب محفوظ»: موهبة فريدة.. و«سيد البحراوي»: أصلان قصة قصيرة.. و«إبراهيم فتحي»: مختبئ وراء التل تعيد «الوادي» نشر شهادات مجموعة من «رفاق الدرب»، الكاتب الروائي الكبير إبراهيم أصلان، بمناسبة الذكرى الثانية لوفاته التي تصادف اليوم، 7 يناير. وكانت مجلة «أدب ونقد» نشرت في عددها ال89 والصادر في يناير 1993، شهادات نجيب محفوظ وسيد بحراوي وإبراهيم فتحي، عن عم أبراهيم أصلان، الأديب العصامي الذي بدأ حياته وبناها بمجهوده وبصبر وبحكمة الراوي.. أكتسب مهارات الكتابة من مهنته التي عمل بها في البدايات كبوسطجي في هيئة البريد، فتاثر بها سريعا لينسج من " التلغرافات وجوابات البوسطة".. وإلى نص الشهادات «نجيب محفوظ»: موهبة فريدة ترجع معرفتى به الى أيام قهوة "ريش" فى الستينيات قبل النكسة وبعدها وحتى إنقطعنا عن الذهاب اليها عندما جعلوا يوم اللقاء أجازة رسمية للقهوة. وكنت أقرا إنتاجه من القصص القصيرة من مجلة "جاليرى" وقد أحببته حبا خاصاً واعتبرتها مثلا جيداً مثل الفن الجيد للمدرسة التعبيرية المصرية الحديثة، والحقيقة أنى كنت أنتظرها وأقرأها باستمتاع وأعجبنى جداً خيالها وأسلوبها. وكنت أخر ما ثرأت له رواية "مالك الحزين" وهى رواية على ما أذكر واقعية ولكنها متأثرة بأسلوبه الشخصى وقد أعجبتنى من أدباء جيل الستينيات المتازين ومازال مستمرا فى العطاء ولو أنى للأسف الشديد انقطعت عن المتابعة لظروفى الخاصة وأعتقد أنه سيبلغ المدى المأمول لموهبة فريدة مثل موهبته. د. "سيد البحراوى" :أصلان قصة قصيرة كنا نشاهد شريحة للوحة "خلق العالم" لمايكل أنجلو، حين مال على وأشار بيده الى المسافة القصيرة الفاصلة بين الله وجسد الانسان، وقال: "هذه هى القصة القصيرة". ويبدو لى أن انتماء "أصلان" إلى القصة القصيرة بهذا المعنى-أى القصد الكثيف الذى يحمل كل معنى الإنسان، هو انتماء وجودى، وليس مجرد اختيار لنوع أدبى أو شكل دون غيره لأن مفردات التكوين النفسى والجسمانى لأصلان هى فى الحقيقة- كل على مستواياتها- مفردات القصة القصيرة أى مفردات الكثافة المشحونة بالتوتر رغم الهدوء الظاهر والصمت الذى يبدو على وجهه الخارجى. إبراهيم أصلان -إذن- واحد من اكثر كتاب القصة القصيرة المعاصرة انتماء الى القصة القصيرة وحتى رواياته تنتمى الى إحكام هذه القصة وكثافتها وتوترها فالعالم لديه، ليس مناسبة للسرد أو الحكى، وإنما فرصة للالتقاط. التقاط الزوايا الحادة المكثف والمشحونة بالدلالات،سواء كانت زوايا بصرية وهى الغالية، أو سمعية أو ملموسة بمختلف الحواس ومن خلف هذه الزوايا يكمن بناء العالم، ليس من الضرورى أن يكون هو البناء المألوف الذى نعرفه، ولكنه حقيقى وموجود موضوعيا وواقعيا. ولست أبالغ، إذا قلت إن داود عبد السيد كان أكثر المتلقين بمن فيهم النقاد-قدرة على الإمساك بملامح عالم إبراهيم أصلان.عالم مكون من مجموعة من الأفراد يشكل كل منم قصة قصيرة،تعيش لحظة ازمة حقيقية وممتدة قد تلتقى مع القصص الأخرى وقد تتقاطع وقد تتوازى. فى اعمال أصلان تتوازى- فى الغالب- القصص (الأفراد) لكن داود اكتشف وراء التوازى نوعا من التواصل على الأرض الصلبة المختفية فى البعيد، الذى يحب البعض أن يسميه التكوين المصرى المختفية فى البعيد، الذى يحب البعض أن يسميه التكوين المصرى الخاص أو الشخصية المصرية ولكنها هنا لاتبدو ثابتة نهائية، إنما حية متحولة تتابع ما يحدث، وتحاول أن تشارك فيه رغم القمع التاريخى.. وهذا نفسه هو ما يحاول أصلان أن يفعله بعمله الكبير المتوتر الكثيف.. القصة القصيرة. "إبراهيم فتحى" :مختبئ وراء التل فنان طول الوقت يحاول أن يضع العالم فى كلمات وكلاته تكاد أن تكون أشياء وأضخاصا، هو أستاذ الاقتصاد فى اللغة.يقول فى كلمة واحدة مايقوله غيره فى عشر كلمات، لايقدم شروحا ولا تعقيبات،القصة تحكى نفسها.الحادثة البسيطة جدا محملة بأطنان من الدلالة.يترك للقارئ مهمة المشاركة فى الإبداع،يصور كل الأشياء من خارجها لايصف نفسيات أبطاله، ولكن يحول حياتهم الداخلية إلى أفعال مرئية وإلى حركات ملموسة إنه يحاول دائما أن يعبئ الكون بإكمله فى حبة رمل لذلك فأسماكه الصغيرة الملونة التى يقدمها فى أعماله تبتلع خواتم من الجواهر النادرة وقد جعلته هذه الطريقة فى الكتابة أسيرا للمنجم الذهبى الذى تعود عليه، لايخرج من هذا النطاق إلا قليلا جدا ولكن هذا القليل كثير، فلننظر الى رواية" مالك الحزين" خرج فيها من الطريقة التلغرافية إلى الاسترسال فى بعض الأحوال فتفجرت حبة الرمل لتكشف داخلها عن مدينة كاملة ذات طبقات جيولوجية متراكبة وعن زحام من الشخصيات المرسومة بخبطات سريعة من الفرشاة وهذه التحفة الصغيرة تظل فى كل الأحوال استمرارا لفن إبراهيم أصلان وبداية للخروج عن طريقته الخاصة إلى تعميق وتوسيع لها، وإن الصمت بين الكلمات وبين الجمل يصرخ فى "مالك الحزين"، وأصبح أمامنا لأول مرة عند إبراهيم أصلان أحداث طويلة الساقين، لدينا أحداث ممتدة متشعبة، وحدثتنا دقات التلغراف حديثا طويلا مستفاضا. إن الجانب التهكمى عند إبراهيم أصلان إلى جانب المفارقة واللمحة الكاشفة عن التناقض سمة فنية راسخة فى فن إبراهيم أصلان وهو يضع فى التهكم وإبراز المفارقة دون مبالغة فيصل إلى الصميم. لا أكتمك أننى معجب بإبراهيم أصلان إعجابا شديدا وأتوقع لهذا الكاتب الذى يذوق العالم بلسانه هو يوكتب عن الطعام واللون الخاص ولا يسمح لأحد أو لجماعة بأن تنوب عنه فى الحلم أو استشراف المستقبل. أرجو له ان تتباع خطواته ليكشف أفقا جديدا مختبئا وراء التل حتى لا يكرر لجنة العذب القديم.