صحف العالم: سمعة إيدن تلطخت للأبد.. والمصريون يحاربون العالم بسعادة كأنهم ذاهبون ل حفلة بورسعيد دولة عظمى.. والمقاومة هزمت 3 دول ببنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية السوفييت كانوا آخر من يعلم بالتأميم.. والمخابرات البريطانية أصابها صمود المصريين بالشلل مظاهرات حاشدة في لندن ضد الحرب.. والمتظاهرون: أعيدوا أولادنا قبل أن يذبحهم المصريون «العالم كله كان يتحدث عن بورسعيد وهي تواجه إمبراطورتين في وقت واحد».. هكذا لخص فيلم وثائقي أنتجته شبكة BBC البريطانية حرب 1956، والعدوان الثلاثي الذي شنته فرنساوبريطانيا وإسرائيل على مصر بعد قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم القناة. الهجوم العسكري الذي شنته بريطانياوفرنسا وإسرائيل، جاء على محورين رئيسيين، الأول من سيناء، ونفذته إسرائيل، والمحور الثاني جاء على طول خط القناة. الصحف الغربية استقبلت الهجوم المشترك بنشر ما أسمته «مؤشرات نجاح كبرى»، خاصة أن إمبراطورتين مثل فرنسا وانجلترا يحاصران «جيشا مفككا ودولة استقلت منذ عامين فقط»، حسبما نشرت الصحف البريطانية، إلا أن الموقف تغير تماما بعد خطاب ناري من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الجامع الأزهر. يعلق فيلم الBBC على خطاب ناصر قائلة:«ناصر أعلن التحدي الذي أربك المشهد، خرج ليؤكد أنه سيبقى هو وزوجته وأولاده وحكومته بالكامل في القاهرة، ولن يغادر البلاد وأعلن أن المصريين سيقاتلون من بيت إلى بيت»، فيما علق مسئول بريطاني سابق ظهر في الفيلم قائلا:«كان إيدن يتابع خطاب ناصر مذهولا»، بينما خرجت الصحف البريطانية في اليوم التالي متحدثة عن «الفاشيين الجدد في مصر»، مع صور لعبد الناصر، وتشبيهات بين الضباط الأحرار والنازيين في ألمانيا. الفيلم الوثائقي، يرصد «تسابق عشرات الآلاف من المصريين لحمل السلاح»، وهو السلاح الذي كان «من مخلفات الحرب العالمية الثانية»، فمع عدد قليل من القوات النظامية، وانسحاب كامل القوات من شبه جزيرة سيناء لمنع تدميرها، أصبح لدى مصر «فرصة للمقاومة». كثفت بريطانيا هجومها على بورسعيد باعتبارها «بوابة القناة الرئيسية»، وبينما دكت طائرات بريطانياوفرنساالقاهرة ومدن القناة، ودفعت بأكثر من 6000 مظلي من قوات النخبة (الكوماندوز)، للسيطرة على المدينة. المفاجأة التي فجرتها بورسعيد في الحرب «كانت أكبر من استيعاب المخابرات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية معا»، حسب BBC، أما جريدة الأوبزرفر التي اتخذت موقفا معارضا للحرب منذ البداية، فاطلقت تحذيرها من «تحول المدينة الصغيرة إلى قبلة للمتمردين في العالم، فالشباب في بورسعيد يصطادون المظليين البريطانيين ببنادق عتيقة، والنساء والرجال حولوا شوارع المدينة إلى بحر دماء، رغم قتل القوات البريطانية آلاف المصريين، إلا أن بورسعيد توشك أن تتحول إلى دولة عظمى إذا نجحت في كسر جيوش بريطانياوفرنسا معا وبسلاح قديم أيضا». الجارديان التي اعتبرت ناصر «دمية في يد موسكو» اكتشفت حسب BBC بعد أيام أن قرار التأميم «فاجأ الجميع في الكريملين ولم يكن الإتحاد السوفيتي يعرف شيئا عنه إلا من وسائل الإعلام». الصحف البريطانية بدأت تدق أجراس الإنذار ووصفت رئيس الوزراء البريطاني إيدن «سياسي سيء، وتلميذ فاشل لونسون تشرشل»، أما الإعلام الفرنسي فبدأ يحذر من «جزائر جديدة» على ضفاف القناة، أما شيمون بيريز، وزير الدفاع الأسبق والرئيس الإسرائيلي الحالي، الذي شارك في الفيلم الوثائقي فيقول:«كان وضعنا جيداً في سيناء لكننا كنا ننظر للضفة الأخرى حيث تدور المعارك الحقيقية». إسرائيل القلقة كانت عينها أيضاً على بورسعيد، والمخابرات الفرنسية ومخابرات الإمبراطورية البريطانية، قدمت معلومات «مشوشة» عن قدرات مصر العسكرية، وتوقعت «انهيار ناصر لأن المصريين يدركون أن بريطانيا قادرة على سحقهم عسكرياً»، لكن المصريين قرروا العكس تماما. تقول BBC :«على مدار أيام قليلة، أسرع المصريون إلى معسكرات التدريب بحثا عن فرصة لقتال المحتلين الذين رحلوا قبل عامين فقط، واستقبل شعب بورسعيد القتال وكأنه ذاهب إلى حفلة بالبنادق». على الجانب الآخر من العالم، كان نيكيتا خرتشوف، الزعيم الروسي، يرصد ما يحدث على الأرض وهو غير مصدق، ونشرت البرافدا الروسية قصصا عن «أبطال بورسعيد الذين يواجهون العالم بسعادة»، أما الصحف الفرنسية فتنبأت مبكراً بأن «الروس لن يتركوا أبواب الشرق الأوسط مفتوحة دون أن يدخلوا منها». «حسم المصريون المعركة» ونفذوا حرفيا تهديدات ناصر.. من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت قاتل المصريون بسلاح قديم ضد أقوى جيوش العالم وقتها، وابتكروا تكتيكات عسكرية جديدة ارتجلوها في ساحة الحرب أفقدت العدو توزانه، ونشرت الصحف البريطانية عن مصادرها في المخابرات البريطانية قوله «أجهزتنا أصيبت بالشلل في كل ما يتعلق بالمعركة». أعلنت روسيا إنذارها الشهير بضرب لندن وباريس وتل أبيب بالقنابل النووية.. وقف العالم كله على حافة محرقة نووية لا تبقي ولا تذر، وحاولت الولاياتالمتحدة الضغط على لندن وباريس لوقف القتال فوراً مهما كان الثمن، ليجد الحلفاء أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، ففي مواجهة شعب كامل انتفض بالسلاح، وقيادة شابة تقود المعركة من داخل القاهرة، ومع تزايد أعداد القتلى، خرجت أيضا مظاهرات في لندن وباريس ضد الحرب، ونظمت مجموعات من أسر الجنود مظاهرات رصدتها الصحف الغربية، وطالب الأهالي بعودة الجنود «قبل أن يقتلهم المصريون». وأمام صمود بورسعيد، لم يجد المحتلون حلاً إلا الرحيل عن «مدينة المقاتلين الأشباح»، كما سمتها الجارديان، لتحل محلهم قوات الأممالمتحدة للفصل بين الطرفين، لتنطلق الاحتفالات في شوارع مصر مع رحيل آخر جندي بريطاني أو فرنسي، فيما وجدت إسرائيل نفسها أمام شعب انتصر على إمبراطورتين، فطلبت من الأممالمتحدة تولى ملف انسحابها التدريجي من سيناء، ليكتمل في 1957، لتتحدث الصحف البريطانية معلقة على الانسحاب «ناصر انتصر ومخطط إخضاع حكام القاهرة الجدد فشل، وسمعة إيدن تلطخت للأبد».