العمال: نبحث عن مصادر آخرى للحصول على قوت يومنا،، ورئيس الهيئة: غلابة.. والتسول وسيلتهم للعيش غيابهم يعني تحول البلاد لمستنقع كبير من الأمراض والأوبئة، حياتهم روتينية لا يستطيعون التفريق بين أيامها، النبوت وجريد النخل لهم خير أنيس، باتت الروائح الكريهة أكسجينهم، فهم شبه فاقدين لحاسة الشم، يقضون يومهم في التقاط ما يلقيه الناس من مخلفات، تحاصرهم الأمراض من كل الاتجاهات، لا تمنعهم برودة الطقس أو هطول الأمطار من ممارسة عملهم، يتقاضون مرتبات زهيدة، تؤلمهم نظرات الناس المريضة لهم. إنهم عمال النظافة الذين وعلى الرغم مما يتحملوه من متاعب وشقاء إلا أنهم يفتقدون الاحترام والتقدير من معظم الناس، فالبعض ينظر لهم بعين الشفقة والعطف لسوء حالهم، لكن الكثيرون ينهرونهم وينظرون لهم نظرة دونية، الوادي عايشت آلام وهموم عمال النظافة في محاولة لتوصيل أصواتهم. يقول عم صلاح وعيناه مليئتان بالدموع: "ابنتي مريضة بتليف في الكبد، والأطباء أكدوا لي أنها تحتاج لعملية زرع كبد، وهذه العملية تكلفتها 100 آلف جنيه، وأنا لا أملك في جيبي 100 جنيه". وأضاف: "لا أستطيع أن أقف مكتوف الأيدي أمام دموع وتوسولات ابنتي لتعيش، فبدأت أطلب المساعدة من أهل الرحمة، لكن أين هم أصحاب القلوب الرحيمة؟ لم أجد من يساعدني فإذا تعاطف معي واحد في مقابل ذلك المئات يغضبون ويرفضون مساعدتي ويعتقدون أنني أكذب، ولكن كيف أتاجر بآلآم ابنتي؟". فيما يشكوا رمضان محمد من سوء حالته المادية وصعوبة المعيشة، فهو لدية ثلاثة أطفال لا يتجاوز أكبرهم العاشرة من عمره، استطاع إدخال ابنه الأكبر المدرسة لكنه لم يتمكن من فعل ذلك مع أخويه. أكد رمضان أن راتبه لا يكفي للحصول على أساسيات الحياة، وهذا ما أجبره على البحث عن وظيفة آخرى تعينه على العيش، مضيفا: "أقضي يومي كله في الشارع ما بين تنظيفه والبحث عن أي مصدر آخر للرزق حتى أوفر قوت أولادي". وتابع: "أصعب الأوقات التي أمر بها حين نزول المطر فأنا مطلوب مني تنظيف الشوارع أيا كانت حالتها، فالتقط الأوراق والمخلفات العائمة على مياه المتراكمة من الأمطار وهو ما يجعل قدماي يغرزا بالطين"، مشيرا إلى أن الهيئة لا توفر لهم الإمكانيات اللازمة لتسهيل مهمتهم. ويشير عم عادل والذي يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاما إلى أن راتبه يصل إلى 650 جنيها، ولديه أربعة أبناء ووالدتيه يعيشون في شقة ببولاق مكونة من غرفة وصالة. وأوضح عم عادل أنه كافح كثيرا حتى يكمل ابنه الأكبر تعليمه على أمل أن يساعده ويخفف عنه، لكن الحقيقة كانت صادمة بالنسبة له فبعد أن تخرج ابنه من كلية الحقوق عمل بائع بإحدى الصيدليات، وراتبه لايكفيه لشراء "العيش الحاف"، فتضاعفت أعباء عم عادل بعد أن أصبح من واجبه أيضا مساعدة ابنه حتى يتزوج. أما عم عبد الله فيمنعه كبريائه أن يطلب أي مساعدة، فهو بالرغم من قلة راتبه إلا أنه يكفيه طوال الشهر، حيث يعطي زوجته عشرون جنيه يوميا تكفيها لشراء الأرز أو المكرونة بالإضافة للخضار، أما اللحوم فهم لا يأكلونها إلا في المناسبات. وبسؤاله عن تعليم أبناءه قال: "تعليم أيه الحمد لله إننا عايشين، إحنا ناس غلابة وبنرضا بالقليل، ولم أفكر يوم في تعليم أبنائي ليس لعدم رغبتي في تعليمهم لكن لأنني لا أملك ثمن ذلك، واللي معهوش ميلزموش". وفي السياق ذاته، يؤكد الأطباء أن عمال النظافة الأكثر عرضة للإصابة بأمراض الربو والحساسية والتهاب العيون بالإضافة لأمراض الجلد والكلى، مشيرين إلى زيادة إمكانية تعرضهم لأمراض الإيدز وفيرس سي. ومن جانبها، حذرت الدكتورة وفاء فيكتور -أستاذة الأمراض الجلدية- عمال النظافة من ضرورة الحذر عند تعاملهم مع جمع القمامة أثناء عملهم اليومي، خاصة القمامة التي يوجد بها نفايات طبية والتي يلقيها بعض الأطباء في صناديق القمامة؛ لوجود حقن ملوثة وسامة من الممكن أن تصيب عامل النظافة بالإيدز وفيرس c، وذلك خلال ندوة الكنيسة الإنجيلية بالفيوم. ومن جهته، أكد المهندس حافظ السعيد -رئيس هيئة النظافة بالقاهرة- أنه يتم صرف مرتبات عاملي النظافة وفقا للقانون، مشيرا إلى أن رواتبهم تتراوح ما بين 600 و650 جنيها وذلك بعد خصم التأمينات. وأضاف السعيد -في تصريحات خاصة ل"الوادي"- أن هناك من يصرف له راتب يتراوح ما بين 200 ل 300 جنيه وذلك في حالة حصوله على قرض من البنك، حيث تخصم قيمة القرض من راتبه الشهري. وأوضح أن الحديث عن وضع حد أدنى للأجور تزايد بعد ثورة 25 يناير لكن في حقيقة الأمر لم تحصل الهيئة على أي منشور خاص بهذا الموضوع، مؤكدا أنه في حالة زيادة الرواتب ستزداد أجور عمال النظافة. وعن سبب لجوء الكثير من عمال النظافة للتسول، قال السعيد: "العمال غلابة، ولا يكفيهم راتبهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية؛ لذلك يلجأون في كثير من الأحيان للتسول، لكن هذا لا يمنع أن الكثير من المتسولين يستغلون زي عمال النظافة لممارسة مهنتهم". وفيما يتعلق بتوفير الهيئة للأدوات اللازمة، أشار رئيس هيئة النظافة إلى أن العامل لا يحتاج أكثر من "مقشة وجروف وترولي" وهو ما توفره الهيئة له، لافتا النظر إلى أن الهيئة اشترت كمية كبيرة من البلوفرات ووزعتها على العمال لحمايتهم من البرد القاسي.