"ارحل" أيقونة هتافات الثورة في دول الربيع العربي قالها المصريون لمبارك والليبيون للقذافي واليمنيون لعلي لعبد الله صالح والسوريون لبشار الأسد، ولكن لا يعرف الكثيرون أن الكلمة ذاتها جاءت من تونس ليس للمطالبة برحيل بن علي ولكن قبل ذلك، حينما قالتها الشرطية التونسية فادية حمدي لبائع خضروات يبلغ من العمر 26 عاما . كان هذا الشاب هو ذاته "طارق الطيب محمد البوعزيزي" أيقونة ثورات الربيع العربي، الذي قرر إشعال النار في جسده بعدما أخذت بلدية سيدي بوزيد عربته ومصدر رزقه الوحيد، وصفعته الشرطية على وجهه في سوق الفاكهة أمام الكافة، قائلة له قائلة له " Dégage"، إرحل. لم يستطع الشاب الذي يعول أسرة من 9 أفراد تحمل العيش بعد أن جرحت الشرطية كرامته أمام الجميع أخذت منه مصدر رزقه الوحيد، تدور في رأسه الأفكار ماذا سيقول لأهله الذين ينتظرونه برزق اليوم، كيف سيدخل السوق ويواجه الآخرين مجدداً بعد ما لحق به؟!، أسئلة كثيرة دارت في خلده، انتقل "كعب داير" على مكاتب المسئولين أملاً في حل مشكلته لكن لا جدوى، ومن هنا اتخذ قراره . قال "بسبوسة" – اسم الشهرة للبوعزيزي – لرفاقه إنه سيحرق نفسه ويرحل عن هذا العالم البغيض الذي استكثر على عامل فقير "عربة خضروات" يعيش على رزقها، لم يصدقونه وآخرون حاولوا تهدئته والشد من أزره ظنا منه أنه يهذي بالحديث نتيجة لم يتوقع أحدهم أنه اتخذ قراره النهائي إلا بعدما وجدوه يقف أمام مبنى البلدية ويسكب على نفسه مخفف الأصباغ ويشعل النيران في جسده، هرولوا فزعين لمحاوله إطفاء النار التي سرت في جسده لكن دون طائل، يتصلون بالإسعاف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فتصل بعد ساعة ونصف. احتجاجاً على سوء معاملة الأمن للبوعزيزي والتي تسببت في دفعه للانتحار، إضافة للتظاهر بسبب البطالة وتهميش الطبقة الفقيرة وسوء معاملتها، وهي الفعاليات التي انتهت لاشتباكات مع قوات الأمن قبل أن تمتد لكافة أطراف وامتدادات تونس. في الرابع من يناير 2011 صعدت روح البوعزيزي إلى بارئها بعد 18 يوماً من المعاناة، ساخطة على هذا العالم البغيض الذي لم ينصف حرمانه وضعف حيلته، لتزيد اشتعال الأوضاع في تونس فتخرج المظاهرات للمطالبة برحيل زين العابدين بن علي الرئيس التونسي ذاته وتحت نفس الهتاف الذي قالته شرطية سيدي بوزيد للبوعزيزي "إرحل". تم تبرئة الشرطية ورحل بن علي، أو بمعنى أكثر دقة " بن علي هرب"، مغادراً إلى السعودية منهياً حكمه الذي استمر أكثر من عقدين، وعلى درب البوعزيزي سار شابين تونسيين أشعلا النيران في جسدهما احتجاجاً على سوء المعيشة وقمع النظام، ومثلهم فعل 23 جزائري لأسباب متقاربة، و6 مغربيين، و5 مصريين، و4 يمنيين، وثلاث أردنيين، ومثلهم سعوديين، وسوري، وليبي، وعراقي، وسوداني، وفرنسي، وموريتاني، توفي منهم 21 شخصاً، ليشكلون ب"ظاهرة البوعزيزية" أيقونات الثورة والاحتجاج في بلادهم، والتي خرجت على إثرها في ليبيا ومصر واليمن وسوريا، قبل أن يعيد رؤساء وملوك باقي الدول ترتيب أوراقهم خوفاً من الإطاحة بهم على شاكلة سابقيهم. أشعل البوعزيزي النار في جسده ليشعل الثورات في دول الربيع العربي من أجل أن يقض الثائرون مضاجع الحكام إلى أن ينتبهوا أن هناك من لن يتركهم يهنأون بمقاعد السلطة طالما لم ينصفوا من جاء بهم على رأسها، لتبقى الإشكالية الأكبر هي أن تنصف الثورات ذاتها ابناءها الذين خرجوا من أجلها وتقتص لقتلاهم، وتحقق أمانيهم من "عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية".