أحمد بزوم المكان :مطار نيس بفرنسا الزمن :1995 عائدا من المحفل المقدس بمهرجان كان بعد أن نال سعفته الثانية .... فى مطار نيس وعلى بعد مترات قليلة يشاهد أحد أفضل مخرجيه المفضلين "فرانسيس فورد كوبولا " - مستر كوبولا أنا أحب جميع أفلامك وشرف لى أن أقابلك شخصياً - شكراً ؛ولكن من أنت ؟؟ ............................ يقول كوستاريكا عن هذا الموقف الحرج فى لقاء مُصور له "أصابتنى الدهشة فى البداية من هذا التجاهل الغير مقصود ؛ ولكنى أيقنت ان الأمريكان لا يمتلكون ثقافة معرفية بالمخرجين الأوربيين ففضّلت أن أتعامل مع أفلام كوبولا كما هى فى مخيلتى ولا داعى للتعرف على شخصه ...تلك سمة النضج" ***** (1) لا يفل الحنين إلا الحنين تستيفظ يوما ما فتجد وطنك صار أشلاء و أضحى غاية طموح هذا الوطن الإنقسام فقط؛ ليس لديك سوى قلم و جيتار و كاميرا وقلبك مثقل بالهواجس ؛والحرب لا تعترف بكل هذا . يتزامن العطب السياسى فى القرن الماضى الذى أصاب يوغسلافيا و أدى إلى تفككها إلى دويلات بعالم سينمائى يشيده المخرج أمير كوستاريكا أو كوستوريتسيا كما ينطقه محبيه؛ سينماه مزيج من الواقع المغموس فى الخيال وتتخطى تعريفات السرد التى دشنها السينمائيون الأوائل؛ فإذا كان السرد هو سلسلة من الإنتقالات المنطقية فإن كوستاريكا لا يعترف بذلك فقد يختزل خمسين عاما من الحرب النازية على يوغسلافيا فى فيلم مدته قرابة الثلاث ساعات دون أن يخط الشيب فى رأس أبطاله؛ أبطاله المهمشين المغموسين فى فقر الواقع المدقع تحدهم الحروب والانقسامات والبؤس من كل حدب وصوب ومع ذلك فإن كوستاريكا يراهن بأبطاله على إمكانية العيش والاستمرارية و الإنتاج رغم كل هذا (2) ذات مرة كانت هناك بلد وعاصمتها بلجراد إن عوالم كوستاريكا الغجرية لا تقف عند ذلك الحد فعالمه السينمائى وثيق الصلة بعوامل الفوضى مما يجعل الفانتازيا اختيار بديهى لأفلامه؛ فالترقب والدهشة والضحك الممزوج بالكوميديا السوداء هى أفضل عطاء إنسانى يميز سينما كوستاريكا ؛فقد كان هناك اختيارات أسهل كالمضمون الخطابى أو المباشر الذى لا يخلو من عظة والتى يلجأ إليها اصحاب النفوس الضعيفة فى أوقات عصيبة كالتى يحكى عنها كوستاريكا فى أفلامه ، لكنه لم يفعل بل جعل من عناصر أفلامه مرثية وتحريك بصرى متناسق لمختلف العناصر البشرية والفنية المرئية وغير المرئية وتوثيق وتأريخ لحقبة زمنية تعنيه فى الأساس؛ الأحداث السياسية تأتى فى خلفية المشهد و الأبطال هم الفعل وليس رد الفعل كما هو المعتاد (3) لا نحيا على الأرض وحدنا حين يغوص المشاهد فى سينما كوستاريكا قد لا يجد نفسه وحيداً مع أبطال الفيلم؛ فهناك كائنات أخرى تحيا فى عوالم سينماه ....فى فيلم "تحت الأرض"هناك قرد سكران ويحمل سلاح وكذلك فيل ينبه أحد الأبطال بوجود قصف ؛؛ وفى فيلم "الحياة معجزة " يقف حمار يريد الانتحار لأسباب عاطفية؛ الأمر لا يقتصر على هذا فقد استعاض كوستاريكا عن أهم عناصر صناعة الفيلم وهو شريط الصوت بصوت ديك طيلة أحداث فيلمه "زمن الغجر " الأمر الذى يجعلنا نؤمن بحقيقة واحدة وهى أن شغف كائنات كوستاريكا أكبر من الحياة (4) كن حيث يكون الغناء فإن الأشرار لا يغنون.."مثل غجرى " لا يقتصر عمله على الكتابة والإخراج وفقط بل عمد إلى تأليف الموسيقى أحيانا مثلما فعل فى "هل تتذكر دوللى بيل " لذلك قد نجد سببا مقنعا فى تأسيس كوستاريكا لفرقته الموسيقية "نو سموكنج أوركسترا " فهو يرى ممارسته للموسيقى استراحة ضرورية فيجوب بفرقته أنحاء العالم كمدمن إيقاع لا يكل الحياة ولا يمل يقول كوستاريكا "الحياة إيقاع وأنا أصنع أفلامى بدقات قلبى " (5) ثورة وثائقية تليق بالمجانين أحلام كوستاريكا فى فترة النقاهة كانت أن يصبح مدمن مخدرات أو لاعب كرة ففشل فى الحالتين لكن سريالية الحياة لا تقف عند حلم أحدهم بل تتحقق عند آخر وذاك الآخر لا يقل جنونا عن كوستاريكا ولم يكن سوى يد الله مارادونا كما يطلق عليه مريديه من كل بقاع الأرض مائة وعشرين دقيقة من الحكى المتواصل عن حياة مارادونا بكاميرا كوستاريكا ؛ يجلس الإثنان فى ردهة بجوار الماضى يضحكان وتنفلت منهما سقطات تليق بخيبات النجمين ونجاحهما ؛مما أهل الفيلم ليعرض فى مهرجان كان عام 2008 بحفاوة وترحيب من قبل عشاق الكرة والتاريخ (6) كل عام وسيادتك تمام اذا كانت المعادلة لدى العديد من السينمائيين "السينما يجب ان تعبر عن الواقع " ..فان "كوستاريكا" قد خرج بمعادلات أغنى من فقرهم.....كوستاريكا البوسنى صاحب مبدأ" لندع الفانتازيا تعبر عن أقدارنا ولن نندهش كثيراً "......كوستاريكا الضحك حتى البكاء و أورجازم سينمائى يشبع مريده نشوة ويفيض ...... ابن لسعفات كان و دببة برلين ونمور لوكارنو ...كوستاريكا حين سخر من جوائزه قال "لا اهتم كثيرا لتلك الحيوانات الذهبية " ثم انصرف يجول بسينماه أولا ثم موسيقاه أنحاء العالم ...."كوستاريكا " المخرج و الموسيقى وصاحب آراء سياسية أدخلته أزمات لا حصر لها ...."كوستاريكا " الذى تمنى من قبل أن يطويه النسيان ويختفى ولم يستطع ....كوستاريكا الحالم فى بلد هتكته الحروب الأهلية ...............عزيزى "امير كوستاريكا " أنا لست ناقداً ولن أكون ...أنا أكتب لمن أحبهم وفقط وبالتالى ستظل "كوستاريكا " _كما نطقت اسمك منذ اربع سنوات _ ولست كوستاريتسا الفنان الحقيقى هو من يُعرى مجتمعه و يشبع النواقص بإنتاجه وهذا ما فعله أمير كوستاريكا ؛اليوم 24 نوفمبر يُكمل عامه التاسع والخمسين .. فكل عام وسيادتك تمام .