- عم حسن: بعد 25 سنة خدمة بوزارة الشئون معاشي 112 جنيه فقط ، وحتى المياه بنشتريها بالفلوس - الحاج نصر: الحكومة اهتمت بالطوب على حساب الناس. شارع الخليج المصري، أشهر شوارع منطقة السيدة زينب، ويعد الحد الفاصل بين عالمين مختلفين، عالم الياقات الزرقاء من المهمشين الكادحين مِمن يعملون في المهن البسيطة وبالكاد يشبعون حاجاتهم الأساسية، ناهيك عن أطفالهم ذو الملابس الرثة والمستقبل المظلم. وعلى الجانب الآخر من الشارع تجد عالم أصحاب الياقات البيضاء، من أصحاب الوظائف المرموقة ورجال الأعمال، والمنازل الواسعة، والسيارات الفارهة. حارة ضيقة يتراص على جانبيها منازل أثقل حملها هم وشقاء ساكنيها، فآلت إلى السقوط، أحجار مبعثرة نتجت عن انهيار بعض المنازل بالحارة، حارة أخرى يظهر منها الشارع الرئيس في أماكن عدة من الحارة بفعل سقوط بعض المنازل التي رفضت أن تقارن بتلك العمارات الشاهقة التي تسكن الجانب الأخر من الشارع الرئيسي، داخل حجرة صغيرة ذات سقف خشبي مهلهل ممتلئ بالثقوب والفتحات التي لا تستر أصحاب الحجرة عن أعين الناظرين ولا تمنع المطر خلال الشتاء.. التقينا ببعض ساكني هذه الحارات الذين ألقوا بهمومهم وشكواهم عبر صفحات "الوادي".. عم حسن صاحب الحجرة التي بالكاد تتسع لسرير ومنضدة صغيرة ورجل أتعبته الحياة والمرض. عم حسن، 62 سنة، كان يعمل سائقا بوزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، أجبرته الوزارة على ترك العمل بعدما وقع فريسة لمرض السكر والذي نتج عنه بتر جزئي في القدم اليسرى، كما رفضت أن تصرف له نسبة عجز على الرغم من تقرير اللجنة الطبية، يقول عم حسن :"الوزارة رفضت تديني نسبة عجز مع إني قدمتلها تقريرين بيقولوا إني بعاني من عجز واني استحق نسبة العجز"، اكتفت الوزارة بصرف معاش شهري لا يتعدى 112 جنيها لعم حسن على الرغم من قضاءه 25 عامًا سائقًا بالوزارة، واختتم عم حسن قائلاً: "112 جنيه يعملوا إيه في الزمن ده.. هيكفوا علاج الضغط ولا السكر ولا رجلي ولا الأكل والشرب ولا المياه اللي بدفع فيها ضعف ما يدفعه الناس العادية لأننا هنا في المنطقة معندناش مياه فبضطر اشترى المياه من بيت عنده مياه". غادرنا حجرة عم حسن، واستوقفنا خمسة أطفال لا يتعدى عمر أكبرهم الثانية عشرة، روى لنا أحدهم أن له 4 إخوة وأخوات، وأنه يعمل بإحدى الورش ك"صبي ميكانيكي" مثل بقية الأطفال لمساعدة أسرته، وأخبرونا أنهم جميعا لا يذهبون إلى المدرسة، وأضاف أحدهم " مدارس ايه .. هو احنا قد مصاريف المدارس ". استكملنا رحلتنا مع الحاج نصر أحد ساكني حارة حماد وشقيق أحد شهداء حرب الاستنزاف، والذي حكا لنا تاريخ حي المواردي قائلاً: "المنطقة هنا زمان كانت عبارة عن غرف لخدم الملك فاروق، ولما قامت ثورة يوليو هربوا مع الملك، والناس خدت الغرف منهم من اشتراها ومنهم من أخذها بوضع يد"، وأضاف بعد مرور عشرات السنين صدر قرار من الحكومة بنزع ملكية الأراضي وتحويلها إلى منفعة عامة فأصبح الأهالي مهددين بالطرد، وهو ما يرفضه الأهالي خاصة أن بعضهم ليس لديه مأوى آخر سوى تلك الغرف الصغيرة، ومنهم سيدات لا يعولهن أحد، وليس بمقدورهن شراء مسكن جديد. واستنكر الحاج نصر اهتمام المحافظة بالمول التجاري الذي بني على أنقاض منازل أهالي المنطقة، وأوضح أن الحكومة عرضت على الأهالي مالكي الأرض بيع بقية الأرض مقابل 800 جنيه للمتر، على الرغم أن سعر المتر بالجهة المقابلة آلاف الجنيهات، كما عرضت على باقي الأهالي من المستأجرين شقق بديلة بمنطقة النهضة البعيدة عن أماكن عمل الأهالي وصاحبة الإيجارات التي تفوق دخل أهل حي المواردي "الغلابة", وإمعانا في عدم اهتمام الحكومة بالأهالي في مقابل الاهتمام بالمباني والأسواق التجارية أضاف الحاج نصر قائلا " عملت الحكومة خزان مياه للمول التجاري بتوصيله متقلش عن 4 كم عشان لا قدر الله لو حصل حريق يلاقوا ميا يطفوا بيها الحريق والأهالي هنا مش لاقيين مياه يشربوها". السيدة وردة، إحدى المواطنات في الحي، التي أضافت أن الحكومة أعلنت أنها سوف تقوم بإنشاء أحد المولات التجارية بجوار محطة مترو "السيدة زينب" وأن هذا المشروع سيدر عملا ودخلا يساعد أهالي منطقة المواردي على المعيشة، وبعد بناء المول بالفعل عمل به العديد من سكان المنطقة واستبشر الناس خيرا، ولكن لم يتقاض أحد راتبا منذ سبعة أشهر، متسائلة: "أعيش ازاي أنا وبنتي ومفيش حد يعولنا.. والشئون هددتني يا أما أكمل شغل فى المول اللي مابخدش منه مرتب ومكمله فيه على أمل أنى اقبض في يوم من الأيام أو إني أتنازل عن المعاش اللي بتصرفهولي"، واختتمت السيدة وردة قولها: "طالبتنا الحكومة بالخروج من منازلنا مقابل شقق بديلة، خرج بعض الأهالي وتم إغلاق المنازل ولم يحصل أحد على تلك الشقة البديلة حتى الآن رغم مرور أعوام". غادرنا حي المواردي وداخلنا العديد من الأسئلة، وانتقلنا إلى الجانب الآخر من شارع الخليج المصري، فتغير المشهد تمامًا، من منازل آيلة للسقوط لعمارات شاهقة ذات شكل معماري مميز. غادرنا المنطقة وبداخلنا أسئلة واستفسارات، أين العدل والمساواة بين هؤلاء المواطنين الذين يسكنون في حي واحد ويفصل بينهم شارع، وماذا فعلت الحكومة لرفع المعاناة عن كاهل هؤلاء الفقراء والمهمشين؟ ظللنا نبحث في الأسئلة والأجوبة عن العدل والمساواة في المعاملة والحقوق ولكننا عبثا وجدنا.