السيسي يطلع على الجهود المبذولة لتطوير آليات اختيار وتأهيل الكوادر التعليمية    جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2025 الترم الثاني محافظة شمال سيناء    تراجع سعر الدولار والعملات اليوم الأربعاء 14-5-2025 بمنتصف التعاملات في البنك الأهلي    إزالة 15 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في حملات ب أسيوط (صور)    أمير قطر يستقبل الرئيس الأمريكي ترامب في مستهل زيارته للدوحة    الاحتلال يجدد استهدافه لموقع اغتيال السنوار.. وتحقيقات لتأكيد هويته    كاباكا: لن نفرط في حلمنا وتعاهدنا على الفوز أمام المغرب    فليك: كوبارسي وليفاندوفسكي جاهزان.. وا حدث مع أراوخو لم يكن فيه احترام    ياسر يحيى عضو مجلس المصري يتعرض لوعكة صحية بالإمارات    ضبط عنصر إجرامي بتهمة إدارة ورشة لتصنيع الأسلحة في الدقهلية    مشاجرة بالأسلحة النارية بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. وإصابة 6 أشخاص    تدريبات للأداء بورشة حرفية التمثيل في مشروع ابدأ حلمك لشباب الإسماعيلية    يسرا عن مشاركتها في كان السينمائي : يشرفني أن أكون جزءا من المهرجان    لأصحاب برج السرطان.. اعرف حظك في النصف الثاني من مايو 2025    الليلة.. محمد بغدادي في ضيافة قصر الإبداع الفني ب6 أكتوبر    الرئيس السيسي يبحث خطوات تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان (تفاصيل)    إعفاء وخصم وإحالة للتحقيق.. تفاصيل زيارة مفاجئة إلى مستشفى أبو حماد المركزي في الشرقية    الليلة.. ميلان فى مهمة كسر عقدة كأس إيطاليا أمام بولونيا    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    البنك الزراعي المصري يعلن التشكيل الجديد لمجلس الإدارة    براتب 350 دينارا.. وظائف خالية بالأردن    أمن المنافذ يضبط 36 قضية متنوعة ويحقق نتائج كبيرة خلال 24 ساعة    بالصور- حريق في مصنع الهدرجة للزيوت والمنظفات بسوهاج    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني 2025 في محافظة البحر الأحمر    تأجيل محاكمة 3 متهمين بقتل شاب بعيار نارى بسبب خلافات بشبرا الخيمة ليوليو المقبل    رئيس جامعة المنوفية يلتقي المحافظ لبحث آفاق التعاون المشترك    طرابلس تتحول ل"مدينة أشباح".. ممثلو 30 شركة إيطالية محاصرين بفندق بعاصمة ليبيا    مسئول أمريكي سابق يصف الاتفاق مع الصين بالهش: مهدد بالانهيار في أي لحظة    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع مجموعة تنفيذ مقترحات زيادة فصول الحضانات    «فتحي عبد الوهاب» يكشف عن شخصيته الحقيقية في البيت    استعدادًا لموسم الحج.. رفع كسوة الكعبة "صور"    بعد شائعة وفاته.. جورج وسوف يتصدر تريند جوجل    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    إيجاس تتعاون مع هاربور إنرجي للتوسع بعمليات الإنتاج بحقل غاز دسوق    توقيع بروتوكول بين المجلس «الصحي المصري» و«أخلاقيات البحوث الإكلينيكية»    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    ريال مدريد يستهدف مدافع بورنموث الإنجليزي    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    لدعم التعاون العلمي.. سفيرة رومانيا تزور المركز القومى للبحوث    رئيس الوزراء: الاقتصاد العالمي يدخل حقبة جديدة لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن    شاف: نتائج زيارة ترامب للمملكة تاريخية وطريق للعبور إلى توطين الصناعات والتكنولوجيا    الداخلية: ضبط 558 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    السجن المشدد 10 و15 سنة لشقيقين قتلا جارهما بالشرقية    كرة اليد.. انطلاق بطولة أفريقيا للأندية أبطال الكؤوس اليوم في الأهلي    الري: تحقيق مفهوم "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة" أحد أبرز مستهدفات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    مدرب سلة الزمالك: "اللاعبون قدموا أدءً رجوليا ضد الأهلي"    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 14 مايو 2025    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشية إغتيال بلعيد .. تونس بين خيارين "المصالحة أو حمامات الدم"
نشر في الصباح يوم 07 - 02 - 2013

طرح موقف حركة النهضة الاسلامية الحاكمة الرافض لقرار حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام الحركة لتشكيل حكومة تكنوقراط لتسيير شؤون البلاد الى حين إجراء إنتخابات عامة، العديد من التساؤلات حول مستقبل أولى بلاد الربيع العربي، عشية إغتيال المعارض الأبرز شكري بلعيد.
ويستدعي موقف حركة النهضة الذي يركن إلى حاجة تونس لحكومة سياسية إئتلافية على قاعدة إنتخابات 23 أكتوبر 2011 "التي أوصلت النهضة الى الحكم، ذاكرة مليئة بالإنتقاد لآداء الحكومة ذات الطابع الإسلامي وفشلها في جمع شتات التونسيين عقب ثورتهم التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وهو مايمكن أن يوصف بأنه إعادة إشتعال النار الراكدة تحت الرماد التونسي.
وعلى الرغم من دعوة راشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة الى "مصالحة وطنية" في تونس التي بلغ فيها العنف السياسي ذروته باغتيال شكري بلعيد، بالرصاص في حادثة غير مسبوقة منذ إستقلال البلاد عن فرنسا سنة 1956، إلا أن حالة إنعدام الثقة التي أنتجت أوضاعا مشتعلة بين النخب السياسية في البلاد تجعل من تلك الدعوة مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي ومحاولة لتهدئة خواطر لن تهدأ إلا بالإعلان عن نتائج التحقيقات في مقتل بلعيد الذي أشار بأصابع الإتهام إلى تيارات الإسلام السياسي بأنها تفتح الباب للقتل السياسي قبل إغتياله بساعات.
وفيما تبدو الوحدة الوطنية، التي تمر حتما بالمصالحة الوطنية الشاملة والفورية، قضية حياة أو موت في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها تونس، تؤشر ردود الفعل والتصريحات التي أعقبت إغتيال بلعيد إلى أن الأمور آخذة في التصاعد بإتجاه الانفلات الأمني وحالة عدم الاستقرار واللايقين والخوف من المستقبل .
ووفقا لقراءة متأنية لما شهدته تونس عقب إنهيار نظام الرئيس زين العابدين بن علي، فإن المؤشرات تؤكد حتمية المصالحة الوطنية الشاملة والفورية، شريطة إقصاء المتشددين وإعمال نهج الحوار بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة يمكن البناء عليها من جديد، حتى يتمكن شركاء الوطن التونسي أن يبعدوا شبح العنف السياسي الذي ينذر بحمامات دم لن تتوقف إلا بعد إحراق الأخضر واليابس.
وإذا كان هناك من يسعى إلى إشعال تونس وصولا إلى تصفيات لخصومه السياسيين، بإعتبار أن تغييب الخصوم يعتبر حلا ناجعا لخلافات السياسة، فإن إبعاد مبدأ الثأر الذي يتبناه الغلاة من أقصى اليمين الإسلامي يمكنه مع مزيد من خطوات بناء الثقة الخروج بتونس من النفق المظلم الذي يمكن أن يتجاوز حدودها ليشعل حدودا أخرى .
وتبرز قضايا بناء الثقة كحالة يمكن التعامل معها بمزيد من قاعدة الإرادة السياسية، وعلى سبيل المثال فإن مطالب التيارات الليبرالية واليسارية تبدو منطقية ومتاحة مثل تحرير جميع السجناء السياسيين، وإيقاف الملاحقات القضائية وتشكيل حكومة مصالحة وطنية تضم جميع الطيف السياسي من "التجمع الدستوري الديموقراطي" إلى "النهضة" مرورا بجميع أحزاب المعارضة وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة.
ورغم أن هناك من يرى أن تونس ما بعد ثورة 14 يناير 2011 السلمية التي أطاحت بنظام بن علي ، استيقظت فيها جميع الأنانيات الفردية والجماعية، الحزبية والجهوية، الدينية والدنيوية، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أنه لم يعد بإمكان نخبة واحدة أو حتى مجموعة من النخب أن تحتكر السلطة والثروة و تقصي باقي النخب ، لأن النتيجة الحتمية لذلك هو الاحتراب ثم السقوط.
وفيما اجتمعت مختلف الفعاليات التونسية من سياسيين وأوساط الحكومية على إدانة حادث مقتل شكرى بلعيد الذي اعتبروه "عملا إرهابيا " بامتياز ويمثل أول "اغتيال سياسي" تعرفه البلاد منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 ، إلا أن هذا الحادث الذي لايمكن إعتباره "عرضيا" يجب إحتواء آثاره عمليا لأنه "تهديد خطير" لعملية الانتقال السياسي التي ما زالت تشق طريقها بصعوبة كبيرة.. وأيضا ناقوس إنذار لما يمكن أن تتعرض له تونس من مخاطر على مستوى الاستقرار السياسي والأمني.
فقد أثار خبر إغتيال الناشط في الجبهة الشعبية التونسية (إئتلاف لأحزاب يسارية راديكالية) شكري بالعيد عاصفة من الخوف والتوجس هزت الشارع التونسي، وخاصة النخبة السياسية والثقافية، وطرحت أكثر من سؤال عن مستقبل الانتقال الديمقراطي في بلاد التي فتحت أبواب الحرية لتجد نفسها بعد عامين فقط في مواجهة المجهول والرصاص ومسدسات كاتمة للحياة.
ولعل الصدمة التي يعيشها الشارع التونسي اليوم ليست نتيجة صدمة الاغتيال فقط، بل لطبيعة التونسيين الذين لم يعرفوا الاغتيال في حياتهم السياسية، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام الخيار المناقض للمصالحة الوطنية وهو " باب الدم " الذي لايمكن إغلاقه على المدى القريب.
ففي تاريخ تونس لم تسجل إلا حادثة إغتيال واحدة ذهب ضحيتها الزعيم الوطني صالح بن يوسف عام 1961، وظلت هذه الجريمة فضيحة في الحياة التونسية إلى اليوم، إذ لم ينس التونسيون ذلك، أما الحادثة الثانية فكانت في شهر أكتوبر الماضي عندما اغتالت مجموعة من رابطة حماية الثورة، المنسق العام لحزب حركة نداء تونس، لطفي نقض.
فالمعارضة التونسية سواء منها اليسارية أو القومية لم تلجأ في تاريخها إلى ممارسة العنف في إطار صراعها السياسي طيلة العقود الأربعة الماضية ضد نظام بورقيبة، وضد نظام زين العابدين بن علي، بل كانت تلجأ إلى استخدام الوسائل النضالية السلمية، كالإضرابات الجماهيرية، والمظاهرات، والنضالات الديمقراطية.
ولهذا السبب كانت المعارضة التونسية بشقيها اليساري والقومي، منسجمة كليا مع طبيعة المجتمع التونسي الذي يرفض ثقافة العنف، ويرفض أيضا الأساليب العنفية لفض التناقضات السياسية بين الدولة والمجتمع. وإذا كان وصول تونس إلى مربع الدم غير متوقع منذ عامين بسبب سلمية الثورة التونسية، إلا أن خلافات شركاء ما بعد الثورة وتباعد المسافات بسبب إختلاف
الأيديولوجيات وتضادها في كثير من الأحيان، رفعت مستوى التوقعات بشأن دخول البلاد مرحلة من العنف السياسي قد يعززها شيوع التطرف وإحتلاله مواقع نافذة في المشهد السياسي والأمني في تونس.
وفيما يبدو العنف السياسي مقبولا - بعض الشيىء - في حالة مثل تونس وغيرها من الدول التي أطاحت بالأنظمة الديكتاتورية، بسبب إستمرار منظومات الدولة العميقة للأنظمة المنهارة بالإضافة إلى صعود طبقات جديدة من المنتفعين بالثورات، تكمن الخطورة في تراكم مستوى العنف الذي يمارسه المتشددون بدعوى حماية الثورة، وهو ما خلق بيئة مناسبة للاغتيال السياسي.
وبعيدا عن الاتهامات المتسرعة التي تنطلق من المشاعر، في ظل غياب تحقيق أمني وقضائي نزيه، فإن هناك حقيقة موضوعية قائمة في تونس، هى أن مرحلة التحول الديمقراطي التي فقدت هدوءها يجب أن تستمر في مسارها من خلال نهج المصالحة الوطنية، حتى لاتعيد الأحداث الدموية إعادة إنتاج العداء الشديد بين تيارات الإسلام السياسي واليسار الراديكالي هناك وهو الأمر الذي ينذر بكارثة.
وتبقى سيناريوهات المستقبل في تونس مفتوحة على كل الإحتمالات، خاصة إذا إستمرت الممارسات القائمة على محاولات الاستفزاز والتي تنتج ردود أفعال عالية الصوت يمكن أن تصب في إشعال الوضع، كما أن التحريض على الكراهية، واللجوء إلى إستخدام العنف السياسي الممنهج والمنظم وفق مخطط سياسي مدعوم من جهات تريد تدمير ثورة الياسمين يمكن أن تذهب بتونس الخضراء بعيدا عن أي توقعات سلبية لتداعيات عمليات الإغتيال السياسي والدفع بالمسار الانتقالي إلى مربع الدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.