بطل من ورق شفاف يحارب هواء طواحين الحياة باستخفاف، يواجه الواقع بسخرية القدر، يسعى في الضد نداً للمنتظر، لا يهمه من أحد تقدير، فيكفيه موهبة أهداها له القدير، ليعكس بها خيالات واقعية، برؤية فنية إبداعية منقطعة النظير. هذا ببساطة هو تعريف الفنان، فمهما اختلفت الفنون وتنوع الفنانين، فما يربطهم واحد، عشقهم للفن والإبداع، من موسيقى ورسم وغناء، وتمثيل وإخراج وتأليف فالكل بموهبته فنان. فإيماناً بقدرة طواحين الهواء على توليد الطاقات من لا شيء، انطلقت فكرة الطاحونة الثقافية، لتثبت قدرة الشباب المبدعين الهواة والمحترفين على توليد طاقة فنية لا تنضب. فهي ببساطة الكلمات مؤسسة فنية ثقافية تسعى بأصغر الامكانيات المتاحة للنهوض بحركة الفنون في مصر، على حد قول "المخرج وسام المدني" مدير الطاحونة، كما تعمل على توفير مناخ مناسب للمثقفين والفنانين الشباب ليدلوا بدلو إبداعهم بشكل متواصل يجمع بين شغف الهواة وقدرة المحترفين. انطلقت الفكرة من رحم ثورة يناير المجيدة، لتكون بمثابة مولود جديد منتظر، يلقى الضوء على صغار المبدعين في وقت تهمشت فيه عدسات الإعلام بضبابية الفن التجاري، وفضلت استنكار حقيقة وجود أجيال شبابية قادرة على إعادة مستوى الفن والثقافة المصرية لمكانتها الحقيقية . وتعتبر الطاحونة الثقافية بمثابة "مظلة" تجمع تحت ظلالها العديد من مختلف المراكز الثقافية المتواجدة حالياً في مصر، لتوفر بتجمعهم خيوط التواصل بين مختلف الأفكار والاتجاهات لهذه المراكز تحت مسمى واحد وفي جهة واحدة تخدم بشكل مباشر مصلحة المبدعين الشباب . كمثل جامعة فنية تحتوي عدة كليات ثقافية تقدم مناهج إبداعية في عدة تخصصات (الغناء، الموسيقى، الفن التشكيلي، التصوير الفوتوغرافي والسينمائي، التمثيل، الشعر، التأليف، الإخراج السينمائي والمسرحي، والرقص بأنواعه). كما توفر قدرة تسويقية للكتاب والمؤلفين بتنظيم ندوات ثقافية دورية وحفلات توقيع الكتب والإصدارات بالإضافة لتنظيم ورش تعليمية في مختلف الفنون. كما تضم الطاحونة الثقافية تحت مظلتها اتجاهاً جديداً في عالم المسرح، إذ تشرف على أول اتحاد فني للفرق المسرحية الحرة "الأندرجراوند"، يسمى الاتحاد المصري العربي للفرق الحرة، والذي يهتم على حد قول الفنان أحمد رمزي أمين عام الاتحاد، بشكل أساسي بكل ما يخص هذه الفرق، التي تعاني دائماً من مشكلة انعدام الإنتاج والتمويل وعدم الاهتمام من قبل مسئولي الثقافة، وعدم توافر أماكن لعرض المسرحيات والعروض الفنية المختلفة. كما يسعى الاتحاد لتكوين شبكة تواصل مستمرة مع كافة الفرق الحرة في مصر من مختلف المحافظات بجانب عدد من الفرق العربية، عن طريق تنظيم لقاءات وندوات فنية دورية وفتح باب الانضمام لكافة الفرق المختلفة، وتنظيم عدة ملتقيات مسرحية لعرض الانتاجات الفنية لهذه الفرق، ومحاولة التواصل الرسمي مع المسئولين والهيئات المعنية بالفن لتوصيل صوت الأندرجراوند لأعلى الجهات. بالإضافة إلى العمل على نشر الوعي الثقافي والفني في المجتمع، لتوسيع دائرة الفكر لدى المواطن المصري ليرى حقيقة الفن المسرحي الهادف، ويتعرف على المواهب الشبابية التي ينتظرها مكانها المرموق في الساحة الفنية. ليصبح الاتحاد المصري العربي بمثابة " نقابة" فنية مستقلة للفرق المسرحية الحرة، تكون بمثابة "ضهر" يسندون عليه لحل كافة مشكلاتهم والحفاظ على حقوقهم الإبداعية. وأخيراً، فمثل طواحين الهواء، ولدت الطاحونة الثقافية من رحم هواء الإبداع، لتولد بحلمها طاقة فنية خصبة تنير بقدرات الشباب ظلام اليأس الثقافي في مصر .