على قفص خشبى بالقرب من محطة مترو كوبرى القبة تضع أم محمد بعضا من الأطباق البلاستيك والأكياس المعبأة بالخضار المجهز والممبار وورق العنب المحشى، تجلس لتبيع بضاعتها التى سهرت طوال الليل فى تجهيزها للموظفات اللاتى يمررن عليها ويعرفنها منذ 4 سنوات منذ أن بدأت تبيع بضاعتها فى هذه المنطقة. تنظر أم محمد التى تبلغ من العمر 43 عاما إلى زبائنها، وهى تعرف أن من هؤلاء الموظفات من لم تحصل على شهادة عليا مثلها حيث إنها حاصلة على بكالوريوس تجارة لكنها لم تفكر فى البحث عن وظيفة بعد تخرجها لأنها تزوجت من نجار موبيليا وشعرت بأنها لاتحتاج للوظيفة: «ما فكرتش أشتغل لأن جوزى كان حاله متيسر ومكفينى وماكنتش متحمسة للشغل».
تبكى أم محمد قائلة: «والله العظيم أنا بنت ناس كويسة وعمرى ما فكرت أن الحال هيوصل بيا إنى أقعد فى الشارع علشان آكل العيش»، تخفف عنها إحدى زميلاتها من الباعة المنتشرين حولها قائلة: «اسكتى ياست انتى بتعيطى ليه ده البيع والشرا مهنة الرسول وعلى رأى المثل أبيع واشترى ولا اتكرى».
تجفف أم محمد دموعها قائلة: «ابنى محمد هوه اللى طلعت بيه من الدنيا، حالنا اتغير بعد ما جوزى أصيب بانفصال شبكى وأجرى عمليات كتير وطبعا مابقاش قادر على الشغل ولا ليه معاش ساعتها فكرت أشتغل لكن طبعا مافيش شغل بشهادتى خصوصا أننى كنت قربت على الأربعين مالقيتش حل غير إنى أشترى خضار وأنضفه وألف بيه على الموظفات فى المصالح الحكومية، ولما ابتديت أتعب فكرت إنى أقعد ببضاعتى هنا أول مرة قعدت كنت باخبى وشى علشان ماحدش يعرفنى من أهلى لكن اتعودت، ابنى اتخانق معايا ومكانش موافق على القعدة دى ورغم إنه كان نفسه يدخل كلية الحقوق قال لى مش هاكمل وكان عاوز يشتغل بالثانوية العامة خصوصا إن مجموعه فى الثانوية العامة 72 % وحقوق كانت بتاخد مجموع أكبر، قلت لو هاشحت لازم أساعده إنه يكمل تعليمه يمكن حظه يكون أحسن من حظى أنا وأبوه ويلاقى شغل بشهادته، دخلته تعليم مفتوح وطبعا بيحتاج مصاريف كتير».
تكمل أم محمد: «أنا قلت نعم فى الاستفاء همّ قالوا لنا إن البلد هاتستقر بنعم والشباب هيلاقوا شغل والستات اللى زييى هيلاقوا معاش يعينهم على العيشة الصعبة والعجلة هتدور وأدينا مستنيين».
أم محمد حصلت على قرض بمبلغ 500 جنيه لتبدأ به تجارتها البسيطة: «أنا ليا زباين من مناطق راقية بيطلبوا منى أجهز لهم عزايم وبيطلع لى فى اليوم حوالى 30 أو 40 جنيها لكن المبلغ ده مابيكفيش مصاريف علاج جوزى وتعليم ابنى والأكل والشرب وباضطر آخد قروض».
أم محمد تحلم بشراء ديب فريزر تحفظ فيه بضاعتها: «ساعات البضاعة الباقية بتبوظ منى واضطر أطبخها أو أرميها علشان لازم الحاجة تكون طازة وإلا هاخسر زباينى، نفسى الحال يتعدل ويبقى لى معاش وابنى يلاقى شغل بعد ما يتخرج علشان يريحنى أنا وأبوه، همّ قالولنا بالدستور العجلة تدور لكن ما قالوش هتدور إمتى؟!».