جموع من البشر جالسين دون حراك، حول مجرى الماء الجاف، الأطفال يصرخون من الجوع والرجال منكسى الرؤوس، تخرج من بيتها غير لا تلوى على شىء.. يفزعها الجمود فى المشهد.. تفكر مرتين.. فى الثالثة تتجه ناحية الهاويس.. تتلفت حولها.. فى محاولة للتأكد من صحة قرارها.. تمسك العجلة بيديها الاثنتين وتبدأ فى تحريكها، لكن تعاندها العجلة التى تراكم الصدأ عليها تأبى أن تتحرك، تحاول بكل قوتها، لكن الحديد لا يلين فى كفيها الصغيريتين.. تستجدى نظراتها عيون الرجال المطفأة لكن لا مجيب، لم يبق بداخلهم الطاقة كى يتجاوزوا هزيمتهم أو حتى يعبروا خط الخوف الذى خطه عتريس حول العجلة الحديدية الصدئة مصدر رزق القرية. تصرخ طالبة المساعدة.. لا تجيبها سوى أصوات الأطفال المجهشة فى البكاء، لتتعالى ضحكة عتريس فى الخلفية وهو يشاهد «فؤادة» تمضى منكسة الرأس.
لا تمر الكثير من الأيام حتى يطلب عتريس فؤادة للزواج.. لا تأمن فؤادة على نفسها فى بيت عتريس.. ولا يستطيع والدها أن يقيها شره، لكن لا مفر من ذهابها إليه... فى بيته وقفت فى النافذة فى انتظار من يأتى لينقذها.. فكرت أن القرية التى وقف رجالها دون حراك أمام امراة تغامر بحياتها من أجل الماء، لن تتحرك كى تنقذ هذه المرأة من زواج لا ترغب فيه، سيكتفى أهل القرية بالسؤال: «وهى إيه اللى وداها هناك؟».
التزمت القرية بالوقوف على حدود الخط الذى رسمه «العتريس» حتى لو وقف حائلا بين الناس وأرزاقهم، يمنعهم خوفهم من الاقتراب منه، ويصور المغامرين باعتبارهم خارجين على قانون «الطغيان». استعذبوا رغم الحرمان طعم الهزيمة وقرروا الاستكانة للظلم والرضوخ لما يريده عتريس.. الذى انتهك الأرض والعرض.. ولم يقو صوت على أن يرتفع بأن «عتريس.. بااااااااااطل».