حزب الكنبة هو اللاعب رقم واحد فى مباراة الدستور بين القوى التى ترفض والقوى تؤيد أصوات الناس الغلابة التى «تأكل عيشها بعرق الجبين فى سكات».. ملح الأرض من بسطاء «طيبة الطيبة»، هم الرهان الأهم.. فالفصيل الذى سيكسب أصواتهم، سيوجه ضربته القاضية إلى الآخر، فهؤلاء الملايين الذين سيتوجهون إلى الصناديق، بوازع شخصى، وبمحض إراداتهم هم أصحاب الكلمة الآن. الحشد الإخوانى السلفى مازال بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاستفتاء، يركز على أن «نعم» ستدخل صاحبها جنات تجرى من تحتها الأنهار، أما التيار المدنى فيسعى إلى أن يؤكد للناخبين أن السياسة لا تقوم على هذا الأساس، وأن الدستور الذى سيوقعون عليه سيكون سكينا يقطع أعناقهم لأنه يخلو من أدنى مبادئ العدالة الاجتماعية، ولا يهتم بتوفير العيش اللائق بهم.. وبين هذا وذاك يتأرجح أعضاء حزب الكنبة. شباب التحرير يطلقون حملة «لا للدستور» لمواجهة الحشد الإخوانى «الدين مش بيقول لا أو نعم.. الدين بيقول اقرأ»، «لا لدستور يحمى الأغنياء.. ويهدر كرامة الفقراء»، عبارات تطالعك عند ترددك على ميدان التحرير، كانت سبيل شباب الميدان ضمن فاعليات حملتهم «لا للدستور» لمواجهة عمليات «الحشد» الإخوانية التى يُقحم فيها الدين والشريعة، للحصول على رضاء الله والوصول للدولة الإسلامية «المزعومة». عبارت رواد التحرير انصبت على أهم المواد الخلافية فى مشروع الدستور، مطالبين المصوتين فى المرحلة الثانية برفض الدستور والتصويت ب«لا» على الدستور، رسائل الشباب كانت واضحة، وكتبت بالعامية المصرية لتسهيل قراءتها، لكنها تصب فى النهاية لتوجيه المصوتين لرفض الدستور وعدم تمريره، ل«إرضاء الله» طبقا لمزاعم بعض الإسلاميين. أحد الشباب يبلغ من العمر 26 عاما، رفض ذكر اسمه، من باب إنكار الذات وحبًا فى مصر، أوضح أنه لا يتمنى لأى حزب سياسى، وأنه كغيره فقط يعشق تراب الوطن ولكن من منظوره الشخصى، وفقًا لثقافته ومدى ارتباطه بالثورة والميدان وحق الشهداء الذى أكد عليه أكثر من مرة، مضيفا: «احنا كده بنحاول نجيب حق شهداء الثورة». على بعد خطوات من سلم محطة مترو التحرير وقف أحدهم واثقًا فى قدرته على إقناعك بأن خمس دقائق كفاية ليثبت لك أن مشروع الدستور سيطيح بالثورة ومطالب التغيير، وخطأ مزاعم بأنه يهدف للاستقرار، مستخدمًا لهجة سلسة فى الخطاب بدأت بعبارة تعبر عن وجهة نظرهم «مصر بجد تستحق أفضل من كده.. عشان كده هنقول لا للدستور». محمد السيد، طالب بكلية الطب، وقف وسط الميدان برفقة أحد المسنين، محاولا إقناعه برفض الدستور، بعد إظهار عيوبه، فيما وقف أحمد عباس، محاسب داخل محطة المترو يبحث عن ضالته التى وجدها فى شابين قابلاه بضحكة طويلة ممتدة سمحت بمزيد من الدردشة، ولكن بلهجة ثائرة على الوضع تشرح حال الوطن بعد مرور 20 شهرا تقريبا على استفتاء مارس، الذى قال إنه «لم يحقق تغييرا او استقرارا». وأكد «عباس» صاحب ال26 عاما، أنه قام بطبع عدد من البيانات التى توضح مساوئ الدستور الجديد، وتزويدها ببعض الرسومات الكاريكاتيرية، لمساعدة البسطاء فى فك طلاسم الصياغة القانونية لمواد الدستور الجديد، بعد التأكد من صعوبة قراءتها من عامة الشعب. مضيفا: الورقة لا تتعدى ال12 مادة من شأنها تدمير حلم التغيير ومطالب الثورة، التى ستدمر بسبب المادة 14 التى تسمح لمستشارى الحكومة بالحصول على رواتب دون حد أقصى، فيما تسمح المادة 64 بعمل المصريين بدون أجر (بالسخرة) لدى الحكومة، وتهدر المادة "71" كرامة المصريين للحصول على علاج وتأمين صحى، حيث ربطت الحصول على التأمين الصحى بالحصول على «شهادة فقر»، وأوضح أن المادة 150 تجعل من رئيس الجمهورية فرعونا جديدا، قادرا على عمل أى شىء دون حساب. وقال مصطفى فريد، أحد أعضاء حملة «لا للدستور»: «نريد رئيس جمهورية وحكومة موظفين لدى الشعب، وهذا ما لا يحققه الدستور الجديد، الذى لا يحقق أيضا أبسط قواعد العدالة الاجتماعية، ويخلد كارثة اسمها انت مش عارف انت بتكلم مين، لذا نرفض مجاملة الرئيس والإخوان المسلمين بتمرير الدستور على حساب الثورة واستقرار الوطن». وأضاف أن التصويت برفض الدستور فى المرحلة الثانية سيتيح انتخاب لجنة وطنية خالصة تحافظ على حقوق الفقراء العمال، الفلاحين، والفقراء وتضمن توزيعا عادلا للثروة. محمد الحلاق: الرئيس طيب ومتدين بس المصيبة أنه بيسمع كلام «الجماعة» داخل محل بسيط جلس محمد محمد على، حلاق شعبى، تعدى السبعين من عمره، انتظارًا لزبون ينتشله من حالة الشرود والتفكير التى لحقت به، ومرت الساعات طويلة عليه قبل أن يجد نفسه محاصرا بأربعة أشخاص، طالبوه بالإدلاء بصوته فى الاستفتاء على الدستور، ونصرة شرع الله، وعدم الانسياق خلف دعوات "البرادعى، وعمرو موسى، اللى عايزين البلد تولع". أخرج الرجل من جيبه ورقة صغيرة حملت عنوان «نعم للدستور خلى العجلة تدور»، تركها الضيوف الذين مروا على جميع محلات الشارع، بالإضافة لمزيد من الجمل حفظها من المارة وشاشات الفضائيات، والأوراق التى تطالب بالموافقة على الدستور، وحملات الحشد التى ينظمها مؤيدو الرئيس مرسى. ونفى عم على الاطلاع على الدستور، لكنه قرر التصويت ب«نعم» حتى يتم «تطبيق الشريعة»، مؤكدًا أن اعتراضه على سياسة جماعة الإخوان المسلمين يرجع إلى أسلوب وأفكار مرشد الجماعة، باعتباره عنصرًا أساسيًا، وراء اتخاذ كل قرارات الرئيس مرسى الأخيرة، «رغم أن الرئيس طيب ومتدين ويعرف ربنا بس المصيبة إنه بيسمع كلامهم». حملات الحشد واستغلال الدين كان لها تأثير على الرجل الذى قال إن صوته سيذهب لمن يطالب ويطبق شرع الله، وظل يمدح الدكتور مرسى باعتباره «أحلى الوحشين يا بيه، همه لسه كانوا هنا من شويه وقالولى إن مرسى بتاع ربنا، أما البرادعى قالوا إنه عميل اسرائيل، وعمرو موسى، خمورجى والاتنين مش عايزين البلد يتصلح حالها». عقب انتهائه من حديثه عن الدستور أخذ الرجل ينعى حظه و«وقف الحال» وأن الوضع الحالى جعله يقوم بقص شعر الزبائن «شكك»، كما أن بعض زبائنه هجروا المحل بسبب وضع صورة الرئيس مرسى داخل المحل، باعتباره «راجل بتاع ربنا والناس عايزة وقف الحال»، لافتا إلى أن معارضى الرئيس يرفضون دخول المحل بسبب صورة دعائية صغيرة، يحتفظ بها منذ انتخابات الرئاسة وقبل تولى الرئيس أمور البلاد بشهور قليلة. سائق تاكسى: الإخوان سيمررون الدستور رغم أنف الشعب.. وغزوة الصناديق لم تنته «الإخوان ركبوا الثورة، ومش هانعرف نمشيهم، البلد خلاص خربت بعد ما مرسى مسك البلد، وفى النهاية غزوة الصناديق مستمرة، ولن أشارك فى هذه المهزلة.. وسأقاطع الاستفتاء»، كلمات قالها إسلام أحمد، 22 طالب جامعى، يدرس بكلية نظم معلومات، غير أنه اضطر للعمل سائق تاكسى منذ 3 سنوات، بديلا عن والده الذى أقعده المرض، وكغيره من المصريين بدأ حديثه بالشكوى المعتادة، من البلطجية الذين يتعرضون له لسرقة رزقة بطريق المريوطية، والهرم والدرب الأحمر و نزلة أبوزيد. قال «إسلام» إنه كان من رواد ميدان التحرير منذ بداية ثورة 25 يناير، إلا أنه غادره وقطع صلته به بعد أن أتت الثورة بالدكتور محمد مرسى لرئاسة الجمهورية عندها قال: «خلاص البلد خربت والإخوان هيركبوا الثورة ومش هانعرف نمشيهم تانى». وأكد أنه اطلع على مواد الدستور، لكنه وجد صعوبة فى فهم بعض مواده، بسبب صياغتها القانونية، مضيفا أنه سيقاطع التصويت على الاستفتاء، بسبب استمرار «الإسلاميين» فى استغلال البسطاء، فى غزوة الصناديق، ما يجعل صوته «غير مجدٍ» فى الاستفتاء. وأضاف أحمد: «الإخوان مش مضمونين دول يعملوا أى حاجة، لتمرير الدستور، رغم أنهم غير قادرين على إدارة أمور الدولة، وأن وصولهم للرئاسة كان بسبب منافسة المنتمى للنظام السابق الفريق أحمد شفيق الذى كان له تأثير كبير فى وصول الدكتور محمد مرسى لكرسى الرئاسة- حسب قوله». وبسؤاله كيف تكون موقفه تجاه الرئيس مرسى وجماعة «الإخوان المسلمون» قال إنه لا بديل لهم فى إقناع الشعب بشخص الرئيس سوى الدين، وإن هذا عكس حقيقة الإخوان التى اتضحت أكثر بعد مجزرة قصر الاتحادية، واصفا الإخوان بأنهم «قتلة لايخافون الله ويحاولون إرهاب الشعب بالقتل والتعذيب»، مضيفا أن أحد الشيوخ حاول إقناعه بشخص الرئيس مرسى، مستغلا الدين والشريعة والمحافظة على الشرعية، حتى تطور الأمر بينهما إلى الشجار، ما دفعه لإنزال الشيخ فى الطريق رافضا الحصول منه على أجر لقاء إيصاله. كل ما تمناه إسلام، أن يعود الوضع لما كان عليه قبل الثورة بعد أن غاب الاستقرار والأمن عن البلاد. عم إبراهيم الجزار: نعم لدستور «الناس بتاعة ربنا» ما إن تشاهد محل عم إبراهيم الجزار «42 عاما»، حتى تعرف أنه من مؤيدى «دستور الغريانى»، فما إن تشاهد محله حتى تجد فى مقدمته «بوستر» كبيرا يدعو للتصويت بنعم على الدستور، الرجل تمتلكه حالة رضاء تحسها «مفتعلة» لكثرة ثنائه على قرارات الرئيس مرسى، التى اعتبر أن جميعها تخدم الصالح العام، وأنه رئيس لكل المصريين، قال الرجل: «الحمد لله، كل قراراته كويسة بس مفيش قرارات ثورية، ودى جاية بس الناس تصبر شوية، والدستور فى النهاية عشرة على عشرة». «الجزار» لم يجد سوى عبارة «حلو زى الفل» ليصف بها الدستور الجديد، معتبرا تدخل المستشار حسام الغريانى، رئيس الجمعية التأسيسية، فى صياغة الدستور بطاقة تمرير تسمح بقبول مواده والتصويت ب«نعم» عليه. كلمات «الجزار» أظهرت جهله ب«الغريانى» الذى قال إنه «راجل محترم وكويس»، متسائلا: «ماله هو وحش ولا حاجه؟!»، أما عن الدستور ومواده فاستند إلى أن من صاغه هم الإخوان صانعو النهضة بعد أن حصلوا على الأغلبية من خلال صندوق الانتخابات. وأضاف «الجزار» أن موافقته على الدستور، ترجع إلى قراءته أكثر من مرة، إلا أنه فشل فى معرفة أهم مواده التى جعلته يقرر التصويت بنعم فى المرحلة الثانية، ليقول: «بس التليفزيون وقناة 25 يناير بتقول إنه كويس»، و«دى ناس بتاعة ربنا»، ورفع وجهه إلى السماء طالبا العون من الله للرئيس مرسى، وأن يصبر شعبه عليه إلى أن يعود البرلمان ويتمكن من تطبيق الشريعة الإسلامية، بعد أن يصوتوا للدستور الجديد الذى صاغه من يهدفون لتطبيق شرع الله. فاروق السلفى: الدستور يخالف شرع الله «الخير قادم بإذن الله على يد الرئيس مرسى».. بهذه الكلمات بدأ أبوالخير فاروق، سائق التوك توك، الذى يبلغ من العمر 31 عاما، كلماته، غير أنه لم يحسم أمره فى التصويت على الدستور الجديد، بعد أن استمع إلى عدد من العلماء المسلمين الذين أكدوا مخالفة بعض مواد الدستور للشريعة الإسلامية، مؤكدا أن «تصويته بنعم سيكون لحقن دماء المسلمين». «فاروق» شاب سلفى، يرتدى الجلباب المميز للسلفيين، ويطلق لحيته، منذ اندلاع ثورة 25 يناير، ويرفض الاستماع للأغانى الشبابية، ويستمع للقرآن الكريم فقط، ويرفض استغلال «التوك توك» لتوصيل العشاق. فاروق قال إنه قرأ مواد الدستور، لكنها لم ترضه، واستمع لآراء علماء الدين، الذين أكدوا احتواء الدستور على بعض المواد «غير المقبولة» التى يتضمنها الدستور الجديد، إلا أن قراره قد يكون موافقة على الدستور، معللا ذلك بقوله «احنا مات منا ستة ولو هاصوت بنعم يبقى عشان حقن دماء المسلمين». وأكد فاروق أن الخير قادم على يد الرئيس مرسى، وإن كانت تحركاته السياسية وقراراته على مدى 6 أشهر تقريبا ليست كافية للحكم عليه، مضيفا أن العيب فى الشعب الذى لا يريد التغيير، ولا يساعد الرئيس فى تنفيذ برنامجه الانتخابى، إضافة لأعداء الدين والشرعية، وأصحاب الفتن والتحريض مثل الدكتور محمد البرادعى وعمرو موسى وحمدين صباحى، داعيا لهم جميعا بالهداية والغفران من رب العالمين، ولفت إلى أن صوته فى المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية ذهب للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، ولكن كغيره ممن أجبرتهم المقارنة بين الرئيس مرسى والفريق أحمد شفيق فى الجولة الثانية للانتخابات اضطر لأن يصوت للدكتور مرسى لأن منافسه «من فلول النظام القديم».