رمسيس النجار: تذكروا الشيخ عفت ومينا دانيال.. ولا تفرقونا راسم النفيس: المسودة طائفية.. والرئيس لن يخرج من عباءة الجماعة بسمة جمال: شطب مبادئ المواطنة خطر داهم على مصر إن أنت لم تؤمن بأن الحرية والعدالة حق لمعارضيك، فأنت لا تستحقهما، وما لم تسع لأن يحظى مخالفوك بحق المواطنة كاملا غير منقوص، فتأكد من أن أحدا لن يهتم بك، حالما تتجرع نفس الكأس المر المرير. الحرية والعدالة والمساواة.. مبادئ لا يجوز الدفاع عنها حينًا، والتنازل عنها حينًا آخر، فهذه الشيزوفرينيا، لا تصيب إلا النفوس التى تعشق الاستبداد، ولا تؤمن بالآخر. وطالما أن تيارا دينيا، اختطف الدستور، وصنعه بمنهج الإقصاء والاستحواذ، فمنطقى أن تتوجس الأقليات خوفا، وتشعر بالرعب مما سيأتى من أيام. أين حقوق الأقليات الدينية فى دستور ما بعد الثورة؟ كيف يشعرون إزاء أفاعى التكفير التى خرجت من الجحور، ويبدو أن علاقتهم بالإخوان كالسمن على العسل؟ الأقليات الدينية فى مصر، كالبهائيين والشيعة والأقباط، يؤكدون أنهم لا يرضون عن دستور يحرمهم حقوقهم، فقد تعبوا من سنوات القهر والتنكيل والملاحقة، وصاروا أكثر إصرارا على التشبث بحرياتهم، وبدستور يقوم على مبادئ المواطنة والمساواة.. وقد وقفوا جميعًا فى خندق «لا» للدستور. ويؤكد رمسيس النجار، محامى الكنيسة، أن ما يتردد حول أن المواد المتعلقة بحرية الاعتقاد مصونة قائلا: هذا كلام للاستهلاك الإعلامى، وهذه المواد تضع قيدا على حرية العقيده التى كفلتها الدساتير السابقة. ويشير إلى المادة 44 التى تنص على أنه تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة، تعارض بعض ما جاء فى الديانة المسيحية، فمثلا نحن نقول إن السيد المسيح قد لطم على وجهه ذات مرة، فهل سيعتبر الدستور هذه اللطمة إهانة له؟ ويقول: إن بعض التفاسير الفقهية التى تريد المادة 219 إقرارها، ستجعل شهادة غير المسلم فى المحكمة غير جائزة، وهذا سيسقط قيمة المواطنة، وربما يأتى حاكم متطرف فكريا، فينزع عن الأقباط مصريتهم، التى يعتزون بها، ومن ثم يطالبهم بسداد الجزية حتى يكونوا آمنين، وهذا خطر كبير وشق صف لوطن تمثل وحدته الوطنية أبرز عوامل قوته ومقومات حضارته. ويصف رمسيس مسودة الدستور بأنها هجين ليس مصريا، موضحا أن الكنيسة لا تعارض أن تكون مبادئ الشريعة المصرية، هى مصدر التشريعات، لكن لابد من مراعاة أن مصر للجميع، مسلمين وأقباطا ومؤيدين ومعارضين، فهذه مصر التى عرفناها وتجاورنا فيها، وحاربنا جميعا من أجل كرامتها، ولعل أرواح شهداء الثورة وعلى رأسهم الشيخ عماد عفت العالم الأزهرى الجليل، والشاب القبطى مينا دانيال، تؤكد صحة ما أقول. ويقول الدكتور أحمد راسم النفيس، الناشط الشيعى والمفكر السياسي: إن هناك إجماعا بين الأقليات الدينية على رفض الدستور. مشيرا إلى المواد التى يعترض عليها بشكل شخصى تشمل المادة 76 التى تنص على أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. ويقول: هذه المادة بالغة الخطورة، لأنها سُيرت لتشريع الإخوان المسلمين، هذا بالإضافة للمادة الخاصة بما تمكن تسميته بصلاحيات الرئيس الفرعونية. أما المادة 219 التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، فهى مادة تقصى أتباع المذهب الشيعى، لأن الإخوان يشنون حملات كراهية ضد الشيعة، التى تستهدفهم فى المقام الأول. ويقول: رغم أن الشيعة ينادون صادقين بالوحدة الإسلامية، ورغم مطالبنا بألا تكون اللجنة التأسيسية إقصائية، ومناداتنا بأن تضم فى عضويتها كبار المفكرين والفقهاء الدستوريين، إلا أن أحدا لم يهتم بنا، موضحا أن المادة 219 تلغى المذهب الشيعى وتمحوه محوا، كما لو كان غير موجود على الإطلاق، وهكذا يخرج الدستور طائفيا، ولا يعترف بالآخر، ولا يؤمن إلا بما يقره الإخوان، هذا خلافا لما كان عليه الوضع، إذ كان المشرع المصرى يلجأ إلى الفكر المذهب الشيعى عموما، والإمامى على وجه التحديد، فى بعض الأمور. ويضيف أن الأزمة تكمن فى أن الرئيس لا يستطيع الخروج من عباءة الإخوان، وهم –حسب تعبيره - يريدون إعادة مصر إلى أزمنة الحاكمين بأمرهم، حيث السلاطين يذلون الرعايا، ولا مكان لغير القبول بالقهر طوعا أو كرها، متسائلا: كيف شعر الرئيس فيما كانت الدماء تخضب أسوار قصر الاتحادية؟ ألم يحزن على الشباب المصريين، الذين ماتوا وثكلت أمهاتهم، أم أن الأمر لم يؤثر فيه كونهم ليسوا من أهله وعشيرته؟ ويقول: «مصر التى نريدها ليست وطنا يختطفه فصيل دينى أو تيار سياسى، وليست تقوم على أسس طائفية، والمؤسف - حسب رأيه - أن الإخوان لا يؤمنون بهذا الفكر، ويبذلون كل ما فى وسعهم، لشيطنة كل الذين يخالفونهم الرأى والفكر. ويقول: إن مسودة الدستور فى شكلها الراهن، لا تحقق للشيعة الأمان، ولا تضمن عدم تحويلهم إلى كفرة ملاحدة، ومن ثم فإن التصويت عليها سيكون ب«لا».. وهذا رأى يتفق عليه كل المنتمين إلى الشيعة على أرض الكنانة. ويقول محمد الدرينى، الأمين العام للمجلس الأعلى لآل البيت، وأحد أقطاب الشيعة فى مصر: إن الدستور لا يعبر عن شعب مصر ومن الأفضل بدلا من أن نقول نعم أو لا للدستور، أن نقولها للرئيس وجماعته، مضيفا: «لا لكل إقصائى، يحاول أن يغالب المصريين، ويغلبهم على أمرهم، ولا لأى رئيس يفرّق بين الشعب والشعب، ويرى أن أهله وعشيرته أولى بالرحمة والقربى، فيما معارضوه يزج بهم فى الجحيم، من دون أن تساوره وخزات الضمير». ويشير بهاء أنور، المتحدث الرسمى باسم الشيعة المصريين، إلى أنه مؤيد للدستور بشكل قاطع، مؤكدا أن حقوقهم كانت مهضومة ومازالت وستزال فليس هناك مفر من الوضع الحالى قائلا: «إحنا نستاهل الإخوان، إحنا حاربنا وجاهدنا ومخدناش غير فوق دماغنا ومحدش عايز يساعدنا ومافيش دعم لينا من أى ناحية، إحنا كنا مستخبيين أيام مبارك وهانفضل دايما كده، خلينا نؤيد الإخوان طالما هيه كده كده خسرانة». وتقول الناشطة البهائية الدكتور بسمة جمال، الأستاذ بجامعة القاهرة: «مبدئيا أرفض تصنيفى تحت لافتة «ناشطة بهائية» فأنا أولا وقبل كل شىء مواطنة مصرية، وحين نتحدث عن الدستور، يجب أن يكون منطلق الحوار هو حقوق المواطنة. وتضيف: بالرغم من أن مسودة الدستور تلغى البهائيين وتشطبهم شطبا، إلا أن هذا ليس قضيتى، فالقضية الأهم أن الدستور لا يحظى بالتوافق، وهناك تيار كبير من الشارع المصرى يرفضه، فأى مستقبل ينتظرنا تحت نير مواد دستورية لا تحترم الجميع، ولا تجعل كل المصريين متساوين فى الحقوق والواجبات تحت مظلة المواطنة؟ ويقول شادى سمير، الناشط البهائى، إن البهائيين عموما مؤمنين بمبادئ معينة وبدونها لن يتحقق أى تقدم، وهذه المبادئ لم يكفلها لهم الدستور، مشيرا إلى عوار الدستور يكمن فى اقتصاره على الديانات السماوية الثلاث، وهو ما يتعارض مع المادة التى تقول بحرية العبادة، هذا ناهيك عن الإجحاف الكبير القاسى لحقوق المرأة. ولم يتضمن الدستور نصا يمنع الإتجار بالمرأة، بل إنه أنكر دورها، رغم ما أبدته من دور كبير وعمل خلاق لدعم الثورة. ويحرم الدستور الأطفال من طفولتهم لأنه لا يجرم تشغيل الأطفال، وهذا سيزيد من نسب التسرب من التعليم، ويفاقم أزمة مجتمع يعانى من الأمية بشكل قاس وحاد.