استكمالا لما بدأناه فى عددنا السابق حول أزمة الطوائف الدينية فى مصر ومستقبلها فى ظل سيطرة تيار الإسلام السياسى على البرلمان المصرى واللجنة التأسيسية لصياغة الدستور.. نستعرض فى هذا العدد طائفتين إسلاميتين وهما الشيعة الاثنا عشرية والبُهرة بضم الباء، وكذلك طائفة أخرى لها دين مستقل وشريعة مختلفة عن باقى الأديان وهى «البهائيون».. عندما تحدثنا فى العدد السابق عن الطوائف المسيحية كانت أزماتهم رغم قوتها إلا أنها لا تواجه ما يمكن أن تلقاه الطوائف الإسلامية «غير السنية» والبهائيون.. لأن الطوائف الأخيرة تواجه مجتمعا أغلبه من المسلمين السنيين، بالإضافة إلى تيار الإسلام السياسى المتحكم فى مقاليد الأمور والرافضين تماما للشيعة والبهرة كطوائف إسلامية.. ورافضين تماما للبهائية لأنها تؤمن برسول آخر بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - التقينا بالمنتمين لهذه الطوائف وحاولنا أن نرصد قلقهم من صعود التيار الإسلامى فى مصر ومشاكلهم قبل الثورة وبعدها وما يواجهونه من رفض وتكفير واضطهاد أحيانا يدفعهم للعزلة والبعد عن ممارسة حياتهم وطقوسهم بشكل طبيعى مثل كل المصريين. حاولنا أن نرصد آمالهم وطموحهم فى دستور مصر القادم وفى دولتهم التى تبنى من جديد بعد الثورة.. وكانت الإجابات مختلفة ومرتعشة وحالمة وصادمة أحيانا.
روز اليوسف
للمرة الثانية أشعر أن ما يواجه الطوائف الدينية فى مصر هو حرب سياسية أكثر من كونها حربا عقائدية.. ويؤكد ذلك ما يحدث مع «البهرة»، فعلى الرغم من بعدهم الكبير عن الإسلام وكأنهم دين مختلف تماما، إلا أنهم كانوا مدللين فى مصر من قبل النظام السابق.. ورغم اقتراب الشيعة الاثنا عشرية من صحيح الدين الإسلامى بشكل كبير حسب فتوى شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت الذى أجاز التعبد وفق مذهبهم إلا أنهم واجهوا العديد من الحروب تحت لواء العقيدة.
الشيعة الإثنا عشرية: لم نطلب التمثيل فى اللجنة لأنهم لن يقبلوا ذلك تعتبر الاثنا عشرية أكبر الطوائف الشيعية من حيث عدد السكان، حيث يقدر عددها بحوالى 85٪ من الشيعة، وتحتوى إيران والعراق وأذربيجان على أكثر من ثلثى عدد الشيعة الاثنا عشرية.
ويتراوح عدد الشيعة فى العالم ما بين 154 و200 مليون نسمة، بنسبة 10٪ إلى 13٪ من إجمالى عدد المسلمين.. ويبلغ تعدادهم فى مصر حسب تقرير الأقليات الدينية الذى أصدرته منظمة حقوق الإنسان مؤخراً حوالى 800 ألف شيعى مصرى.. ولكن د. سعد الدين إبراهيم ذكر مؤخراً أيضاً أن عددهم يبلغ مليوناً و800 ألف شيعى مصرى.
يختلف الشيعة عن أهل السنة فى أمور عقائدية وأخرى فقهية وهذه هى أسباب الخلاف بين المذهبين .. ومن ضمن الخلافات العقائدية أن الشيعة يرون أن الأنبياء وأهل البيت والأئمة الاثنى عشر معصومون، أما السنى فيرى أن الأنبياء فقط هم المعصومون، وخلاف آخر حول الصحابة ففى ظل وجوب حب الصحابة عند أهل السنة وأنهم يرونهم جميعا عدولا .. الشيعى يرى أن بعضهم عدول والبعض الآخر منافق ومرتد والشيعة يكرهون عائشة زوجة الرسول لأسباب يذكرونها دوما والسنة يعتبرونها أم المؤمنين، وأخيرا الإمامة عند الشيعة محددة ومنصوص عليها عند الله، والسنة يرون أن الإمامة لم يتم تحديدها من قبل الله يتفضل بها على من يشاء من عباده وليست خاصة لأحد.
أما الاختلافات الفقهية فتتمثل فى السجود، حيث يؤمن الشيعة بعدم جواز السجود أثناء الصلاة إلا على الأرض من رمل وحجر وتراب وكذلك على ما تنبت الأرض من غير المأكول ،لا الملبوس، وأن السجود على الملابس والأقمشة والأفرشة من سجاد ونحوها وكذلك على المعادن من نحاس وفضة وذهب أمر غير جائز، بينما يرى أهل السنة والجماعة أن هذا من الأمور المحدثة فى الدين، حيث لم يفعلها الرسول ولا الصحابة بمن فيهم على والحسين.
مسألة وضع اليدين على الصدر فى الصلاة: حيث يرى أهل السنة والجماعة أن من السنّة وضع اليدين على الصدر فى الصلاة (اليمنى فوق اليسرى)، بينما لا يرى الشيعة ذلك.. السنة يختمون قراءة الفاتحة أثناء الصلاة ب«آمين» والشيعة يرون أنها غير مذكورة فى القرآن فلا تقال .. وخلاف فى الوضوء وغيرها من الاختلافات البسيطة.
* شيعة مصر
الشيعة فى مصر - كما أكد لنا العديد من الشيعة - يواجهون مشاكل كثيرة تبدو للبعض أنها بسبب خلاف العقيدة مع السنة، ولكن الأرجح أن مشاكل الشيعة متعلقة بأمور سياسية بحتة، ورغم أن الظهور الحديث للمذهب فى مصر جاء بعد تقارب المذاهب بين السنة والشيعة وذلك فى منتصف الأربعينيات على يد جماعة التقريب، وقد استمر هذا النشاط حتى فترة السبعينيات، وفى السبعينيات ظهرت جمعية آل البيت وكانت الظروف مساعدة لها فى البداية نظراً للعلاقة القوية التى كانت تربط بين نظام السادات وإيران فى عهد حكم الشاه، وعندما قامت الثورة الإيرانية متزامنة مع تنامى تيار الإسلام السياسى فإن حملة تشويه كبرى قادها هذا التيار ضد الشيعة وتعالى صوتهم فوق صوت الأزهر ورجال الدين الذين كانوا يعتبرون الشيعة مذهبا إسلاميا معترفا به وفى عام 1979 وهو عام قيام الثورة الإيرانية تم إلغاء الجمعية بقرار من الحكومة المصرية، كما تمت مصادرة المسجد التابع لها والذى كان يحمل اسم مسجد آل البيت، ورغم أن الجمعية حصلت على حكم قضائى قرر حقها فى العودة لممارسة نشاطها فإن الحكومة المصرية لم تقم بتنفيذ هذا الحكم وعرقلته بوسائل مختلفة ومتعددة،واللافت للنظر أنه لم ينسب إلى أى من تلك المجموعات الشيعية القيام أو الدعوة للقيام بأعمال متطرفة.
وفى الغالب الأعم يستقر لدى العامة أنهم فرقة ضالة على خلاف فتاوى صادرة من المؤسسة الدينية الأولى فى مصر فى فترة الستينيات من القرن الماضى والتى قررت فيه فتوى صادرة عن شيخ الأزهر فى ذلك الوقت الشيخ «شلتوت» بأن المذهب الشيعى الاثنى عشرى مذهب إسلامى يجوز التعبد به كسائر المذاهب الإسلامية الأخرى، وهى فتوى تتسق مع آراء وأفكار العديد من رجال الفقة الإسلامى، ومع ذلك تم منع الشيعة فى مصر من التعبير عن رأيهم ونشر أفكارهم وطرح آرائهم المختلفة.
كان الظهور الأخير للشيعة كدوى الانفجار حينما خرجوا للاحتفال بيوم عاشوراء بشكل علنى فى مسجد الحسين مما استفز بعض رموز التيار الإسلامى .. وبعدها تم اعتقال مجموعة من الناشطين الشيعة على هامش التجرؤ على الظهور بهذا الشكل.
الشيعة بعد مشاركتهم فى ثورة يناير لهم طموح قوى فى تحسين وضعهم للقضاء على مشاكلهم المستمرة منذ سنوات .. وحول هذا تحدثنا مع الأب الروحى للشيعة فى مصر د. أحمد راسم النفيس بمكتبه بحزبه المعطل «حزب التحرير» بوسط القاهرة وقال:«أرفض اعتبارنا طائفة أو أقلية دينية فنحن مسلمون .. ومسألة انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة أكذوبة كبرى اختلقها البعض .. والتيار الوهابى يعكف دوما على مهاجمتنا كذلك مؤسسات الدولة .. رغم أن التيار الوهابى كان يهلل لحسن نصرالله الشيعى فى حربه ضد إسرائيل فى 2006 وأحدهم برر ذلك بسبب كرههم الشديد لإسرائيل وليس حبا فى الشيعة والخلاف على ما أظن خلاف سياسى سيكولوجى.
من المشاكل التى تواجهنا أن الوهابيين فى مصر يعاملوننا معاملة أهل الكتاب والأديان الأخرى رغم أن كتابنا هو كتابهم وهو القرآن والخلافات بيننا فقهية .. والتيار الذى يطلق على نفسه أهل السنة قائم على أربعة مذاهب بينهم خلاف فقهى فلماذا الهجوم على الشيعة؟
رغم أن العديد من الشيوخ مثل الشيخ شلتوت وعلى جمعة والطيب والقرضاوى اعتبروا المذهب الشيعى مذهبا إسلاميا يجوز التعبد به ولا يوجد خلافات فى الأصول ولكنها خلافات فرعية، نعانى من حرب ضدنا فى الإعلام والسب وتلفيق التهم على شاكلة الشيعة يكرهون مصر وقالوا أخيرا إن من حاول تفجير قناة السويس هم إيران والشيعة.
مثلا فى 2009 قام مبارك بإطلاق جهاز أمن الدولة لإيذائى وتطليق ابنتى من زوجها غصبا عنهما.. للضغط علىّ كى أعمل مع جمال مبارك وأشارك فى موضوع التوريث ولكنى رفضت بتاتا.
وشقيق زوج ابنتى تم إعفاؤه من الخدمة العسكرية لأنه ذكر لهم أن حما أخى شيعى رغم أنه غير شيعى، وأخيرا محام متطرف رفع دعوى فى مجلس الدولة طلب إبعادى عن مصر .. وتعرضت للاغتيال وتم تدمير سيارتى منذ شهور.
عموما المشاكل سببها أصحاب السلطة قبل الثورة وبعض المتطرفين دينيا، أما الشعب المصرى البسيط فلا صدام معه ويقدروننا جدا».
حول طموح الشيعة بعد الثورة وفى الدستور يقول أحمد راسم: «لم نطمح فى أن يتم تمثيلنا فى لجنة الدستور لأننا نعلم أنهم لن يقبلوا ذلك .. فالتيارات الإسلامية المسيطرة على البرلمان لن تسمح بذلك ولست وحدى الذى يشعر بالقلق من صعودهم للسلطة ولا الشيعة أيضا، بل كل المصريين يشعرون بالقلق .. كل ما أتمناه هو أن يوافقوا على إنشاء حزب التحرير وألا يتم عرقلة مسيرته .. فمن حقنا أن نمارس العمل السياسى».
الدكتور النفيس رفض التعليق بتاتا على مرشحهم للرئاسة .. ولكن محمود جابر الأمين العام لحزب التحرير والناشط الشيعى المصرى صرح لنا بأنهم كانوا يفضلون كحزب منصور حسن قبل انسحابه أو حمدين صباحى .. والمفاجأة أن بعض النشطاء القلائل فى الحزب صرحوا لنا بأنهم سينتخبون حازم صلاح أبوإسماعيل.
البهرة: لا يشغلنا وضع الدستور.. ونريد ممارسة شعائرنا بحرية.. فكلنا مسلمون
لم أجد أى صعوبة فى العثور على أبناء طائفة البهرة فى مصر .. فذهابى إلى جامع الحاكم بأمر الله بالجمالية الذى يعتبر قبلة البهرة كان كفيلا بلقائهم. كلمة البهرة كلمة هندية قديمة معناها «التاجر» وهم طائفة شيعية منبثقة من الإسلام والبعض يراهم خارجين عن الإسلام من الأساس.
والبهرة يعتنقون المذهب الشيعى المنبثق من الفرق الإسماعيلية المنتسبة إلى الإمام إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق وهم الإسماعيلية المستعلية التى بدأ ظهورها فى وقت ظهور الدولة الفاطمية بمصر وانقسمت طائفة البهرة إلى فرقتين فى القرن العاشر الهجرى هما فرقة البهرة الداودية وتُنسب إلى الداعى قطب شاه برهان الدين المتوفى سنة 1021ه ومركز دعوتها انتقل فى القرن العاشر الهجرى إلى الهند، وداعيتهم يقيم فى مدينة بومباى بالهند .
وفرقة البهرة السُليمانية: وتنتسب إلى الداعى سليمان بن حسن، والذى اعترف به داعية سنة 1005 ه.
وقد انتشر البهرة فى عدة دول وأكثرهم بالهند واليمن وبعضهم فى بلاد الشام وباكستان ومصر وإيران، ونسبة قليلة منهم فى جنوب شرق المملكة العربية السعودية.
البهرة يختلفون عن الشيعة الاثنا عشرية الموجودين بكثرة فى مصر ولهم معتقداتهم الخاصة وطرق عبادة منفصلة فهم يتخذون لأنفسهم أماكن خاصة للصلاة اسمها «جامع خانة» ولا يسمحون بإقامة الصلاة فى المساجد العامة ويصلون صلاة تشبه صلاة المسلمين وتختلف عنهم فى بعضها فهم يقبلون اختلاط النساء بالرجال فى الصلاة .. فى العشرة أيام الأولى من شهر المحرم واجب عليهم الصلاة، وفى غيرها لا تجب عليهم وإذا لم يذهب الشخص منهم إلى الجامع خانة فى تلك الأيام يُطرد من الطائفة.
يتوجهون فى صلاتهم عند انفرادهم لقبر الداعى الحادى والخمسين طاهر سيف الدين فى مدينة بومباى بالهند ويحجون قبل أهل السنة بيومين .. ويعتقدون أن للإسلام سبع دعائم أساسية لا يكون الإنسان مسلما إلا بها، أولها الولاية ثم الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد .. لهم كتاب آخر غير القرآن يحظى بتقديسهم جميعاً هو كتاب النصيحة لمؤلفه الداعى الحادى والخمسين طاهر سيف الدين ويعتبرونه قرآنهم .. يقدسون زعيمهم وسلطانهم ويعتبرونه فى منزلة الأنبياء ويطلقون عليه اسم برهان ودليلهم على قداسته من وجهة نظرهم هو تفسيرهم لآية فى القرآن نصها «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا» (النساء: 174)
والبهرة يعتقدون أن روح على بن أبى طالب انتقلت لنسله حتى وصلت لأبناء المعز لدين الله ثم وصلت لروح الحاكم بأمر الله المقدس بالنسبة لهم.
ومذهب طائفة البهرة منغلق على نفسه وهو مذهب غير دعوى وغير معلن يرفض الدخول إليه حتى لا تنكشف أسرارهم. وإن كانوا يتوافدون على مسجد الأقمر إلا أنهم لا يُقدّسونه وهم لا يصلون الجمعة على اعتبار أن الإمام غائب.
بالنسبة لملابس البهرة فهم يرتدون غطاء رأس موحدا يميزهم عن غيرهم.. ولكل من النساء والرجال البهرة زى موحد، كل على حدة، وهو عبارة عن جلباب ملون للنساء وأبيض للرجال وفى يوم عاشوراء يلبسون الملابس السوداء حزنا على الحسين ويقضون ليلتهم فى البكاء والنحيب بصوت مرتفع ويُصرُّ بعضهم على جرح نفسه بآلة حادة حتى يسيل منه الدم ظناً أن ذلك يقربه من الحسين.
يتجنب البهرة الزواج من خارج طائفتهم لأن الزواج عندهم يحتاج إلى ثمانية شهود الأب والأم للعروسين، والعروسان نفسيهما واثنين آخرين من العائلتين.
* البهرة فى مصر
عودة طائفة البهرة إلى مصر كانت فى أواخر السبعينيات فى عهد الرئيس السادات وبدأت فى الازدياد فى فترة الثمانينيات، وقد اتجه البهرة فور وصولهم إلى مصر إلى القاهرة الفاطمية وأقاموا فيها وبدأوا رحلة البحث عن مراقد وآثار الفاطميين والعمل على بعثها وتجديدها. وكان من أشهر الآثار الفاطمية التى قام البهرة بتجديدها فى مصر مسجد الحاكم بأمر الله المسمى بالجامع الأنور الملاصق لسور القاهرة من الجهة الشمالية بجوار بوابة الفتوح وهو من أضخم مساجد القاهرة، كما قاموا بتجديد مرقد السيدة زينب بالقاهرة ومقصورتها، ومقصورة الحسين.
ومن المعروف عن البهرة أنهم من كبار التجار ويقولون إنهم أحفاد الفاطميين، أعداد تلك الطائفة فى مصر يُقدّرها البعض ب 10 آلاف ويتزايد عددهم منذ عهد الرئيس السادات وعلى مدار أكثر من 40 عاماً مضت.
طائفة البهرة فى مصر هى الطائفة المدللة للحكومة المصرية السابقة ولمبارك شخصيا .. وأجهزة الأمن كانت تتعامل معهم بحذر شديد ولم يتم القبض على أى منهم منذ عهد السادات، والأسباب فى ذلك تعود إلى كون سلطانهم محمد برهان الدين الملياردير الهندى الأصل أحد الأصدقاء المقربين من الرئيس مبارك والذى كان يزور مصر كل عام ويستقبل استقبال الملوك وصاحب التبرعات الضخمة والمليارية لمصر ..
ويعتقد البُهرة أن مسجد الحاكم بأمر الله به بئر مقدسة، وأن جدهم مدفون فيه فيصرون على الوضوء فى بقعة محددة من المسجد والشرب منه للتبرك به، ويسير البهرة فى شكل جماعات بشوارع القاهرة ومعظمهم يسكن فى المهندسين ولهم مسجد خاص بهم هناك .. هذا بالنسبة للمقيمين لفترة طويلة، أما بخصوص الزائرين فهم يقطنون فندقا فى حى الدراسة خلف الجمالية يعرفه المصريون باسم فندق البهرة .
ومن هذا الفندق بدأت رحلة البحث عن بهرى يقبل الحديث مع الصحافة لأن جميعهم يرفضون الحديث بشكل قاطع وكأنهم مأمورون بذلك .. اتجهنا إلى فندق «القبة الحاكمى» وتحدثنا مع أحد موظفيه الذى حاول إقناعنا بشتى الطرق أن هذا الفندق لا يقتصر على البهرة فقط وأنه مفتوح للجميع .. ولكن عندما طلبنا منه حجز غرفة لمدة يومين رفض تماما وقال: «هذا الفندق للأجانب فقط» .. وهذا شىء لم نسمع عنه فى فنادق القاهرة أبدا.
من أمام الفندق تتبعنا أحد الأفواج المتجهة إلى جامع الحاكم بأمر الله .. وعندما وصلوا كنا فى استقبالهم ورفضوا الحديث معنا إلا أن أبوجعفر الطيب الذى كان يسير بصحبة زوجته بعيدا عن الفوج قبل الحديث معنا وقال بعربية ركيكة: «أنا هندى الأصل وأعيش فى مصر منذ أواخر الثمانينيات بالمهندسين وأمتلك محلا تجاريا فى القاهرة ..تركت بلادى لأعيش بجانب أوليائنا الصالحين بالقاهرة .. لأن هناك جزءا كبيرا من عقيدتنا مرتبط بهذه البقعة المباركة».
قال: «نعيش فى حالنا ولا نتداخل مع أحد والمصريون ناس طيبون، ولكنهم أحيانا ينظرون لنا نظرات مستنكرة لطرق عبادتنا ولكننا نتحملها، ولعل هذه هى أبرز المشاكل التى تواجهنا فى مصر منذ قدومنا .. ولكن بالنسبة للسلطات المصرية فهم متعاونون للغاية وحزنا بشدة لما جرى لمبارك فهو رجل كان يقدر البهرة خير تقدير .. ومعظم البهرة فى مصر غير مصريين والقليل منهم يحملون الجنسية المصرية .. ولكنهم يخشون الظهور الإعلامى حتى لا نحسب على الطوئف التى لها أهداف سياسية، فالبهرة لا علاقة لهم بالسياسة بتاتا نحن مجرد عاشقين لهذا المكان ونتمنى العيش بجانبه فقط».
أبوجعفر رفض أن ألتقط له صورة له ولزوجته ولكنه سمح لى بتصويره وهو يسجد أمام باب مسجد الحاكم بأمر الله بعد إغلاقه فى حوالى التاسعة مساء ..
وعن قلقهم من صعود التيار الإسلامى للحكم فى مصر يقول أبوجعفر: «لا نفضل الحديث فى السياسة، ولكننا نخشى فقط بعض الممارسات التى قد تمنعنا من ممارسة شعائر ديننا .. ولا يشغلنا وضع الدستور فنحن لسنا مصريين ولكننا نتمنى وجود نص يحمينا من محاولة البعض لمنعنا من ممارسة شعائرنا .. فرغم اختلافنا عن السنة إلا أننا جميعا مسلمون .. ونتمنى أن يحكم مصر رئيس يقدر حرية الاعتقاد ويحميها».
البهائيون يأملون الاعتراف بهم وبعباداتهم وزواجهم .. ويرفضون اتهامهم بالعمالة البهائية- بالنسبة لمعتنقيها- هى دين سماوى، أما بالنسبة لمعتنقى الأديان الثلاثة الأخرى فهى دين وضعى وأرضى.. عموما البهائية دين مستقل له كتبه وعباداته وأحكامه فى الصلاة والصوم وغيرها.. دعا إليه ميرزا حسين على النورى الملقب ببهاء الله فى إيران عام 1844 وهى بداية التاريخ البهائى بإعلان الدعوة البابية بمدينة شيراز بإيران.. ولهم كتاب اسمه الكتاب الأقدس وضعه بهاء الله باللغة العربية وكتاب آخر هام بالنسبة لهم اسمه الأيقان.
يصل تعدادهم الآن من 5 إلى 7 ملايين بهائى حول العالم وتقطن غالبيتهم العظمى فى إيران وقليل منهم فى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، حيث مقرهم الرئيسى وكذلك لهم وجود فى مصر، لا وجود فى الدين البهائى لكهنة أو رهبان أو رجال دين أو قديسين أو أولياء والعبادة خالية من الطقوس والمراسيم.
من أهم مكونات العقيدة البهائية الإيمان بثلاثة أنواع من الوحدة، ترتبط ببعضها البعض ارتباطا وثيقا وهى: وحدة الخالق، وحدة الديانات فى أصلها ومنبعها وأهدافها، ووحدة الجنس البشرى. ويرى البهائيون أن الديانات بصورة عامة دين واحد، وأن المربين السماويين من رسل وأنبياء على مر التاريخ قد قاموا على تهذيب وتنشئة المجتمعات تدريجيا حسب مراحل تطور هذه المجتمعات وتطور احتياجاتها، ويمثل بهاء الله مؤسس الدين البهائى، أحدث الحلقات فى تعاقب هؤلاء المربين الإلهيين ولكنه ليس آخرهم فالبهائيون يعتقدون بدوام حاجة البشر إلى التربية الإلهية ويعتقدون بمجىء رسل آخرين فى المستقبل (ولكن بعد ألف سنة على الأقل من ظهور الرسالة السابقة).
ومن أهم مبادئها:
∎ النظر إلى وحدة جميع العالم الإنسانى كمحور وخلاصة وغاية لكل التعاليم البهائية.
∎ ترك التعصبات بكل أنواعها تركا كليا سواء كانت مبنية على أسباب دينية، وطنية، قبلية، عنصرية، أو طبقية.
∎ وجوب التآلف بين العلم والدين.
∎ المساواة فى الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل فيما يتعلق بالميراث وغيرها من الامور.
∎ رفع مرتبة الاحتراف والعمل إلى رتبة العبادة (عند القيام بالعمل لغرض خدمة المجتمع).
∎ إطاعة الحكومة واجبة فى كل الأمور إلا فى إنكار العقيدة.
∎ عدم التدخل فى الأمور السياسية أو الانضمام إلى الأحزاب.
∎ يقدّس البهائيون العدد تسعة عشر، ويجعلون عدد أشهر السنة تسعة عشر شهرا، بكل شهر تسعة عشر يوما.
∎ بعض الأحكام البهائية
∎ الصلاة: هناك ثلاثة أنواع من الصلاة البهائية اليومية تؤدى فى اليوم ثلاث مرات فى اليوم، كل صلاة ثلاث ركعات، صبحا وظهرا ومساء، والوضوء لها بماء الورد، وإن لم يوجد فيكتفون بالبسملة «بسم الله الأطهر الأطهر» خمس مرات ولا يجيزون الصلاة جماعة إلا عند الصلاة على الميت ويؤولون القيامة بظهور البهاء، أما قبلتهم فهى إلى البهجة بعكا بفلسطين بدلاً من المسجد الحرام.
∎ الصوم: الامتناع عن الأكل والشرب من الشروق إلى الغروب خلال الشهر الأخير فى السنة البهائية وهو شهر العلا ويبدأ من 2 إلى 21 مارس.
الحج: حجهم إلى حيث دفن ''بهاء الله'' فى البهجة بعكا بفلسطين.
∎ الزواج : يستوجب موافقة الطرفين ورضاء الوالدين وقراءة آية معينة وقت عقد القران بحضور شهود العيان (الآية: يقول الزوج «إنا لله راضون» والزوجة «إنا لله راضيات»).
∎ تحريم المشروبات الكحولية والمخدرات وكل ما يذهب به العقل.
∎ تحريم النشاط الجنسى إلا بين الزوج وزوجته.
∎ تحريم تعدد الزوجات.
∎ قوانين لتقسيم الإرث (فى حالة عدم توافر الوصية).
∎ تحديد عقوبات القتل والحرق والزنا والسرقة... إلخ.
∎ البهائية فى مصر
الطائفة البهائية ظهرت فى مصر منذ حوالى مائة وخمسين عاما مضت وكان زعيمهم المشهور هو «حسين بيكار» ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى بداية الستينات من القرن المُنصرم كان البهائيون يعيشون فى مصر بكل راحة، ويكتبون فى خانة الديانة اسم بهائى..
حتى جاء عام 1960 وصدر القرار الجمهورى رقم 263 بغلق جميع المحافل البهائية ومراكزها وبدأ التضييق عليهم منذ هذا الوقت وحتى الآن ..
ظل البهائيون يعانون أشد المعاناة فى استخراج جوازات سفرهم وبطاقاتهم الشخصية بسبب عدم اعتراف الحكومة بالبهائية كديانة.
وفى عام 2004 صدر القرار الجمهورى رقم 46 الذى قصر كتابة اسم الديانة فى البطاقات الشخصية على الديانات الثلاث «الإسلام - المسيحية - اليهودية».
وأصبحت الخيارات هى، إما أن يختار البهائى ديانة من الثلاث «إسلام - مسيحية - يهودية» وإما أن يوضع فى خانة الديانة رمز (-).
تعدادهم فى مصر حسب تصريحاتهم حوالى عشرة آلاف شخص أو أكثر، ظهروا إعلاميا مرات عدة وأظهرت بعض البرامج التليفزيونية أفكارهم واحتفالاتهم وأخبارًا تتعلق بهم وبالاعتداء عليهم أكثر من مرة وأهم تلك المرات هو حرق منازل بعض البهائيين فى صعيد مصر منذ سنوات قليلة عن طريق مواطنين عاديين.
أحد النشطاء البهائيين يحدثنا عن مشاكل الطائفة فى مصر طوال السنوات الماضية قائلاً: « حتى الآن غير معترف بالزواح البهائى بالمؤسسات الحكومية ورغم حصولنا على حكم قضائى بوضع الشرطة - بخانة الديانة إلا أنه غير معترف بالزواج البهائى، وبالتالى أبنائى لديهم بطاقة شخصية وليس لى بطاقة ومن ثم لا أحمل ما يثبت شخصيتى وهو الأمر الذى يضطر بسببه أغلب البهائيين لعدم الإعلان عن ديانتهم وقد يُضطرون قسرا إلى كتابة ديانة أخرى حتى يحصلوا على حقوقهم كمواطنين مصريين وحتى يصبحوا مقبولين بأماكنهم وأعمالهم وسكنهم.
البهائيون يشعرون بالاضطهاد بشكل كبير من المجتمع المحيط بهم ويعانون من رفض المجتمع لهم بكامل طوائفه، ويعرضهم ذلك أحيانا للمخاطر والتنازلات وتحمل الإساءة والتكفير.. وأحيانا يتهمون بالعمالة لدول معادية لمصر.. وأنهم ممولون من الخارج لإقحام أفكارهم داخل المجتمعات الإسلامية.. كما أنهم يشعرون بالقلق من وصول التيار الدينى للحكم فى مصر.. حيث يعتقدون أن هذه المخاطر ترجع لأنهم يعتبرون بهاء الله رسولا بعد سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم.
وحول طموح البهائيين بعد الثورة تقول د. بسمة موسى الناشطة البهائية المعروفة: آمل أن تصبح مصر دولة حرة تراعى حقوق أبنائها جميعا وتصبح نموذجا لدولة مدنية تحمى حقوق الجميع دون تمييز.. لقد نادت الثورة بمبادئ هامة وهى عيش، حرية، عدالة اجتماعية وحتى الآن لم أجد أيا منها قد تحقق،ولكن الثورة قضت على أوجاع المصريين ولابد أن تقوم الدولة على عدم التمييز والمساواة بين الجنسين وأن المرأة لابد أن تأخذ حقها.
والبهائيون لهم مطالب محددة أولا أن يتم الاعتراف بنا وبالزواج البهائى، وبالتالى الحصول على كافة الحقوق المصرية، وفتح المحفل البهائى للاحتفالات ولتجمع البهائيين.. وبالنسبة للدستور.. فالدستور الماضى لم يكن مفعلا به الباب الثالث المتعلق بالحريات والذى يشمل تسعة عشر نوعا من الحريات أهمها حرية العقيدة وحرية ممارسة العبادات وحرية إبداء الرأى، وبالتالى على القائمين على إعداد الدستور أن يراعوا أن على غير المسلمين الاحتكام لشرائعهم فيما يخص الأحوال الشخصية. وطالبنا أن نمثل بلجنة إعداد الدستور لأننا مواطنون مصريون ولنا حقوق ومطالب».
العديد من البهائيين لن يستطيعوا المشاركة فى أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، لأنهم لا يمتلكون بطاقات شخصية وهو الأمر الذى تقدمت به د. بسمة موسى بشكوى لمجلس حقوق الإنسان ولكنهم لم يتلقوا ردًا حتى الآن.