خطب جورج السادس، وتشرشل والسادات وعبدالناصر وأم كلثوم ومنيرة المهدية، والسنوسى وهتلر وعبدالعزيز آل سعود والنقراشى وهدى شعراوى ومحمد نجيب، هذه الكنوز التى لا يمكن أن تجدها إلا فى ذاكرة التليفزيون المصرى التى وبحسب الأعراف الدولية تعد آثارا إنسانية لا تقدر بمال.. ما تبقى من هذه الكنوز بعد تعرضها للنهب المنظم على مدار سنين عديدة، بات مهددا بالفقدان وذلك بسبب البيروقراطية والإهمال.. هذه الكنوز مرهونة بموافقة وزارة المالية على دفع 500 ألف جنيه فقط. تعرض تراث اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى على مدار تاريخ ماسبيرو لإهمال شديد مما عرض جزءا كبيرا منه للفقدان والسرقة والتلف من مكتبات ماسبيرو وجزءا آخر للتلف بسبب عدم الاهتمام بحفظه بطريقة سليمة، كما تعرض الجزء الأكبر للتهريب والسرقات.
تنتظر لجنة التراث التابعة لمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون التى تشكلت برئاسة سهير الإتربى إلى موافقة الوزير صلاح عبدالمقصود على تنفيذ الاتفاقات التى أبرمها سالفه اللواء أحمد أنيس الخاصة بإنقاذ التراث ذلك الذى بدأ فى عهد أسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق والذى أعاد تشكيل مجلس الأمناء ولجنة التراث برئاسة سهير الإتربى التى أسند لها إعداد مكتبة التراث عام 1999 على يد خبراء من ال«bbc».. وبدأت منذ 6 أشهر تقريبا العمل مع فريق من الإذاعة والتليفزيون وقطاع الأمن لإزالة القمامة من المكتبة القديمة، وكانت وزارة الإعلام متعاقدة مع الهيئة العربية للتصنيع بمبلغ مليون و80 ألف جنيه على إنشاء مكتبة ضخمة تجمع التراث المصرى المنتشر فى عدد من الأماكن وتعيده داخل مكتبة بماسبيرو، وكان من المفترض أن تدفع وزارة الإعلام 500 ألف جنيه من المبلغ لاستلام المكتبة والانتهاء من تركيبها ولكن وزارة المالية رفضت صرف المبلغ المطلوب وتنفيذ تعاقد وزارة الإعلام مع الهيئة العربية للتصنيع بسبب التعاقد بالأمر المباشر بدون مناقصة، وهو ما أدى لتوقف أعمال لجنة التراث لفترة قبل تولى عبدالمقصود وزارة الإعلامى والذى وعد بحل الأزمة، ولكنه لم يتمكن من صرف المبلغ المطلوب كدفعة أولى بسبب قرار رئيس الوزراء بعدم السماح لأى وزير بالتوقيع على أى مبالغ مالية تتجاوز 50 ألف جنيه بالأمر المباشر.
ويبلغ عدد أشرطة التراث بالتليفزيون المراد إنقاذها 300 ألف شريط، من مواد فيلمية نادرة وتراث لا يقدر بثمن، وتختلف هذه الشرائط ما بين ال«ماستر» أى المشتراه من شركات خارجية، و«الثوابت» من إنتاج التليفزيون من مسرحيات ومسلسلات وسهرات وشرائط برامجية وأفلام 16 35 مللى. كذلك إنقاذ تراث الإذاعة التى تتكون مكتبة التراث به من 40 ألف أسطوانة، عدد الأسطوانات العربية فيها 28،694 ما بين منوعات وأوبرا وأفلام وأغانى وتراث نادر للرواد من بينها: طاهر أبوزيد، محمد محمود شعبان «بابا شارو»، تماضر توفيق، أمال فهمى، حسنى الحديدى، عواطف البدرى.. أما الأسطوانات الأجنبية ف 4 آلاف أسطوانة، من بينها 16 أسطوانة موجودة فى الأوبرا، وتم نقل 270 أسطوانة أصلية على 70 شريطا.
وتمكنت لجنة التراث برئاسة الإتربى من جمع عدد كبير من شرائط التراث المختلفة بماسبيرو وتسعى اللجنة حاليا لنقل هذا التراث إلى مبنى ماسبيرو حيث كان متفرقا فى عدد من الأماكن منها مكتبتان بشقتين بالسادس من أكتوبر ومكتبة أخرى بالشريفين بالإضافة لمكتبة التليفزيون، وتسعى لجنة التراث لجمعها جميعا بعد عملية الحصر التى قامت بها لوضعها بمكتبة جديدة داخل ماسبيرو على أعلى مستوى من الإمكانيات ، حيث تم اختيار نظام لحفظهم بمكتبة جديدة تزيد مساحتها عن 120 مترا للحفاظ عليها من السرقات والتهريب من الأماكن التى توجد بها خارج ماسبيرو.
وفى تصريحات خاصة ل«الصباح» قالت الإعلامية القديرة سهير الإتربى رئيسة لجنة التراث: التراث المصرى لا يقدر بثمن ومن الممكن أن يحقق ربحا بالملايين لاتحاد الإذاعة والتليفزيون سواء من تسويقه وبيعه أو إعطائه لبعض القنوات بحق الانتفاع لفترات معينة، وأضافت: إن جمع التراث داخل مبنى ماسبيرو ضرورة لوقف عمليات السرقة والتهريب للشرائط.
وأضافت الإتربى: حينما توليت لجنة حفظ التراث وجدت مكتبة التراث التى صممت على أحدث نظام هندسى يتناسب مع الشرائط القديمة والحساسة من خلال خبراء ومهندسين من ال «بى بى سى» قد تغير حالها تماما، فحينما دخلتها منذ 6 أشهر بعد10 سنوات هى عمر غيابى عن التليفزيون وجدت المكتبة عائمة فى المياه، لدرجة أن الموظفين حينما يدخلونها يخلعون أحذيتهم من المياه، وتعلو الأشرطة أكوام من التراب التى تعرضها للتلف، ولا توجد بها تهوية، وهذه الأشرطة من أنواع «2إنش» و«1إنش».. وغيرها من الأشرطة القديمة.. فقمنا بغسل الأشرطة وصنفناها حسب المجالات: أطفال، منوعات، حوارية، مسلسلات.. كما اشترينا كمبيوتر لنقل المحتوى عليه خوفا من تلف كل الأشرطة.
وقد اكتشفنا أمورا غريبة أثناء البحث عن الأشرطة التى تحوى كنوز التراث، فليست كل الأشرطة فى مبنى التليفزيون بل إنها متفرقة فى أماكن مختلفة فى المبنى وخارجه، فبعضها فى الأدوار المختلفة كل دور به مجموعة، وبعضها فى شقتين مفروشتين فى مدينة 6 أكتوبر وهذا مخالف للجهاز المركزى للمحاسبات والأجهزة الرقابية بهدف إحكام الرقابة وعدم سرقتها، وبعضها عند معهد التليفزيون وفى مخزن الخام بشارع الشريفين، ونأمل فى نقلها جميعها فى مكتبة المبنى.
وتؤكد الإتربى: نسعى إلى تطبيق نظام ال«بار كود» فى جميع المكتبات حتى يتم السيطرة والمراقبة، خاصة وأننا أنقذنا عددا من الشرائط فى المكتبة القديمة ونسعى لجمع الأشرطة المفرقة فى الأماكن المختلفة فى مكتبة ثانية، ويهمنى أيضا الاحتفاظ بالأشرطة فى البرامج التى تبث الآن، لأنه يتم مسح الأشرطة أولا بأول للتسجيل عليها مرة أخرى وفى يوم من الأيام سنحتاج إلى هذا الإنتاج لأنه سيصبح تراثا.
وأكدت الإتربى أن وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود وعدها بالتدخل لحل الأزمة مع وزارة المالية التى ترفض دفع قيمة التعاقد مع الهيئة العربية للتصنيع والتى انتهت من إعداد المكتبة منذ فترة وكان من المفترض تسليمها لوزارة الإعلام لجمع التراث بها.
وحول رفض وزارة المالية قالت الإتربى: المبلغ ضئيل جدا لما نسعى له وتوصلنا له بعد سلسلة من المفاوضات مع الهيئة العربية للتصنيع، وبعد توقيع العقود فوجئنا برفض وزارة المالية لتنفيذ العقد والذى يحتوى على شرط جزائى فى حال عدم تنفيذه، وأضافت: إن وزير الإعلام يسعى حاليا للوصول لحل مع وزارة المالية لحل الأزمة خاصة أنهم يطالبون بعقد مزايدة علنية على المكتبة وهو ما يؤدى لتعطيل سير العمل ويخالف العقد المبرم بين الطرفين، وحول توقيع العقد بالأمر المباشر قالت: لم يكن أمامنا غير ذلك لسرعة إنهاء إجراءات جمع التراث الذى يضيع ويسرق ويتلف كل يوم بسبب التأخير فى جمعه والحفاظ عليه.
وأنهت الإتربى حديثها قائلة: المبلغ المتفق عليه ضئيل ولا يساوى أى شىء بالنسبة لما يصرفه ماسبيرو خاصة أن المكتبة الجديدة تجمع التراث للحفاظ عليه واستغلاله، ولو لم نتمكن من ذلك فى الوقت الحالى لن يحدث بعد ذلك وسوف يسرق التراث بأكمله وتضيع على ماسبيرو الملايين التى من الممكن تحقيقها من استغلال هذا التراث.. كما أكدت أنها على استعداد لجمع تبرعات من العاملين لإنشاء المكتبة والحفاظ على تراث ماسبيرو.
ومن النوادر التى يتضمنها هذا التراث خطبة التنازل عن العرش لإدوارد الثانى، معاهدات واتفاقيات القرن العشرين مثل معاهدة 36، خطبة تتويج ملك إنجلترا جورج السادس، خطبة ل«تشرشل» و«الملك السنوسى»، خطاب ل«هتلر» فى 24فبراير 1921، وخطاب لملكة إنجلترا فى سقوط باريس، بالإضافة إلى خطب للسادات والباقورى وجمال عبدالناصر والملك عبدالله وعبدالعزيز آل سعود وعبدالرحمن عزام والنقراشى وهدى شعراوى ومحمد نجيب.
بالإضافة لكل أغانى أم كلثوم وأنقذناها من التلف خاصة أغانيها القديمة جدا، لكن لا نستطيع الآن إذاعة أى منها لأن محسن جابر هو الوحيد الذى يملك حق إذاعتها، بالإضافة إلى 21 أغنية ل«منيرة المهدية» أشهرها أسمر ملك روحى، ومحمد عبدالوهاب 17 أغنية، وعبدالمطلب أغنية واحدة، وعزيزة حلمى أغنية وحوى يا وحوى، وعزيز عثمان أغنية، وعبده الحامولى أغنية، وصالح عبدالحى وسيد درويش كل منهما 17 أغنية، وسلامة حجازى 109 أغان.
وفى السياق ذاته أكد مصدر مطلع بوزارة الإعلام ل«الصباح» أن وزير الإعلام يعرض يوم الأربعاء المقبل تفاصيل أزمة التراث على رئيس الوزراء هشام قنديل لسرعة الانتهاء منها.