بدأت «ساقية الصاوى» كمشروع ثقافى مستقل، تهدف لترويج وإنعاش الثقافة، ومع الوقت أصبحت منبعا لحياة ثقافية مستقلة تنتج فنا وثقافة بمذاق مختلف جاذب لفئات جديدة، حتى أطلق عليها المريدون «وزارة ثقافة شعبية». المشكلة أن ذلك فى طريقه لأن يصبح تاريخا نحزن لضياعه، إذ تحولت الساقية فى الآونة الأخيرة إلى مشروع تجارى يهدف إلى الربح ويضع المكسب المادى قبل المنجز الثقافى، ويمارس الرقابة بشكل متعنت على الأعمال الفنية، ربما بعد انشغال المهندس محمد عبدالمنعم الصاوى بالعمل السياسى كوزير للثقافة، وبعدها فى مجلس الشعب، وتأسيس حزب سياسى، لتتولى مسئولية الساقية من بعده ابنته مى الصاوى، التى أشيع أنها تمارس إدارة المكان بشكل متعسف، ودون خبرة حقيقية. مركز ثقافى + مول تجارى أول الساخطين على الساقية هم أعضاؤها أنفسهم بسبب رفع قيمة الاشتراكات السنوية إلى 50 جنيها مع فرض غرامة مالية للتأخير، وهو ما دفع عددا كبيرا من الأعضاء لعدم تجديد الاشتراك الذى لا يرون سببا لرفع قيمته إذا كانت الساقية لا تهدف للربح، خاصة أن الزيادة لم يصاحبها أى مزايا جديدة. لكن على الجانب الآخر رأى البعض أن الزيادة ليست كبيرة مقارنة بما تقدمه الساقية من خدمات مثل الخصومات على أسعار التذاكر والاستعارة من مكتبة الساقية وحضور سينما الساقية دون مقابل وغيرها من المزايا التى يجدونها مناسبة جدا للسعر. وداعا للعروض المجانية وجه الساقية الربحى يظهر بوضوح فى قلة النشاطات المجانية فى الوقت الحالى، إذ يخلو برنامج العروض الشهرى تقريبا من كلمة «مجانا»، وربما ما خاضه «لقاء أدباء الساقية» والذى يقام الأربعاء من كل أسبوع منذ سنوات فى الساقية خير دليل على رغبة الإدارة فى إزاحة الأنشطة التى لا تدر ربحا عليها. اللقاء كان يعقد فى سنوات سابقة فى واحدة من القاعتين الكبيرتين «الحكمة أو الكلمة»، تم نقله فى البداية إلى واحدة من القاعات الصغيرة، ولم يمض وقت كبير حتى تم الاعتداء على موعده ومكانه، مما دفع منظمى اللقاء إلى عمل وقفات احتجاجية داخل الساقية للحفاظ على الموعد الثابت ومكان اللقاء الأسبوعى. عادل محمد، أحد منظمى لقاء الأدباء يقول: «طغت مؤخرا المظاهر التجارية على أداء الساقية كمركز ثقافى، فضلا عن محاربة النشاطات المجانية، أصبحت الأمسيات فى معظمها فاشلة شرط إقامتها الوحيد هو من يمتلكون القدرة على حجز القاعات» مقص الصاوى تأخذ مشكلة الربحية بعدا جديدا فى التعامل مع الفرق الفنية التى تقدم عروضا، إذ تفرض الساقية شروطا رقابية صارمة على الإبداع أيا كان شكله، ولهذا تعانى الفرق المستقلة خاصة الناشئة التى لم تنل حظها من الشهرة من سوء تعامل إدارة الساقية معها. محمود سعد مخرج مسرحى، حاول لمدة طويلة تقديم عرض فى الساقية إلا أنه لم ينجح فى ذلك، ويقول: «شكلوا لجنة لمشاهدة العرض بتاعى، والمسئول عن العروض فى الساقية قرر أن أقدم العرض بتاعى فى قاعة من القاعات الصغيرة غير المجهزة بإضاءة أو مساحة مناسبة للعرض مدعيا أن عرضى ينتمى إلى المونودراما، وهذا غير صحيح، فضلا عن أن مهرجان المونودراما الذى تقيمه الساقية تكون عروضه جميعها على المسرح الكبير، وعندما رفضت اقتراحه، ظل يؤجل موعد العرض 3 شهور، بعدها قال لى إما أن تعرض فى قاعة صغيرة أو لا تعرض نهائيا.. وهو ماحدث». «الساقية بتجيب تبرعات من هيئات ومنظمات مدنية على حسنا وهى ما بتدعمش عروضنا بأى طريقة، يعنى بتقدم جدول العروض فيه 200 عرض فى السنة بتاخد ما يقابل إنتاجها وهى ما بتوفرش للعروض دى غير المسرح، احنا بندفع من جيوبنا تكاليف الإنتاج». جون ميلاد لديه، أيضا، تجربة سيئة مع إدارة الساقية، حيت تم وقف عرضه بعد بدايته بدقائق وتم حرمانه من دخول الساقية نهائيا: «قدمت فى مهرجان الفرق المستقلة فى الساقية، وكان من المفترض أن أقوم بعرض مشاهدة مع المسئول عن المهرجان واسمه أحمد رمزى، وفوجئت به عندما ذهبت أنا وممثل العرض إلى الساقية يأخذنا إلى قهوة قريبة لقراءة النص، بدعوى أن الساقية زحمة، واكتفى بقراءة عدة ورقات من العمل وقبل دخولنا المهرجان، العرض يبدأ بجزء ارتجالى يتمرد فيه الممثل على مخرج المسرحية والنص ويبدأ فى الانفعال وتكسير الديكور، وأثناء ثورة غضبه يتلفظ بلفظ خارج دارج على ألسنة الناس فى الشارع.. وما إن حدث ذلك حتى فوجئنا بأحد المنظمين يخرج إلى خشبة المسرح ويعلن عن وقف العرض، ذهبت لإقناع لجنة التحكيم بعدم الحكم على العمل من بدايته والانتظار حتى يكتمل، لأن العمل يدين الشخصيات المستهترة والمتمردة على الحياة. اللجنة كانت مكونة من 3 محكمين على رأسهم دكتور هانى مطاوع واقتنعت بوجهة نظرى، لكن رغم ذلك لم يكتمل العمل لأن الصاوى عرف بالمشكلة وطلب أن يتوقف العرض، وطلب منى أحمد رمزى كتابة اعتذار رسمى للساقية والمهندس محمد عبدالمنعم الصاوى عن خروج الممثل عن النص وكأنى أخاطب الرقابة، وعندما رفضت خرجت من المهرجان تماما دون عرض المسرحية». لم يقتصر الأمر على الفرق الجديدة أو غير المعروفة، حيث أخذ الموسيقى الشهير «فتحى سلامة» مؤسس فرقة شرقيات قرارا بعدم تقديم عروض موسيقية فى الساقية مرة أخرى وعندما سألناه عن السبب أجاب: «طغيان الهدف الربحى على النشاط الفنى، الساقية لديها راعٍ رسمى فأصبح التوجه العام هو خلّى الساقية تتملى علشان الراعى ينبسط فتحولت من مركز ثقافى إلى مركز تجارى، وفى المقابل سنجد أن الفرق التى تقدم أعمالها لا تأخد أى دخل غير الناتج عن التذاكر والمخصوم منها الضرائب وأحيانا تكون أقل من النسبة التى تأخذها الساقية». واجهنا هبة حسب -المتحدثة الإعلامية باسم الساقية- بهذه الاتهامات، فقالت إن النسب المالية التى يتم الاتفاق عليها أثناء كتابة العقود تختلف من فرقة إلى أخرى، ففى حالة أن الفريق سيعرض لأول مرة ستكون نسبة الساقية أقل من نسبة الفرقة، وإن حققت تلك الفرقة نجاحا مقبولا يتم تعديل التعاقد وفى معظم الحالات الساقية متساهلة تماما، وبشكل كبير مع الفرق الجديدة عن الفرق الكبيرة، وأكملت حديثها مؤكدة أن هناك لجنة اختبار لتقييم الكلمات والأغانى وكذلك الأصوات، بجانب ذلك هناك قواعد وشروط يجب أن تتوافر فى المادة المعروضة وهى عدم الخروج عن الحيز الدينى والثقافى وعاداتنا وتقاليدنا. حفلات البيرة وعبدة الشيطان عُرف عن الساقية مع بداية نشاطها من حرص على الالتزام بإطار أخلاقى تلزم به أعضاءها ومرتاديها، ولهذا نجد شعارات تحث على الالتزام بالأخلاق معلقة فى جميع أنحاء الساقية، لكن ذلك لم يعد يؤثر الآن، إذ جاءت الصبغة التجارية بخطاياها معها، فأصبحت الساقية مكانا يباح فيه كل شىء بداية من البيرة نهاية بالمخدرات خاصة فى حفلات (الجاز، الروك، الميتال)، وهى التصرفات التى روجت لتهمة وجود «عبدة شيطان» بالساقية. إدارة الساقية نفسها تعترف بهذا على لسان متحدثتها الإعلامية: «انتشر مؤخرا شرب البيرة وتناول المواد المخدرة فى الحفلات، نحاول قدر استطاعتنا وضع الضوابط التى من الممكن أن تعوق تلك الأفعال، لكن علينا أن نعترف بأن الأمر لا يمكن السيطرة عليه..بدأنا فى تفتيش الجمهور تفتيشا ذاتيا، إلا أننا اكتشفنا أنهم يدخلونها فى زجاجات المشروبات الغازية، مما اضطرنا إلى منع دخول المأكولات والمشروبات، أما بالنسبة لحالات تعاطى المخدرات فهى قليلة، ويتم طرد من يقبض عليه متلبسا بالجرم».