فى أحدى قرى مركز سمنود بمحافظة الغربية تحول الطين إلي أشكال فنية مبهجة، مصنوعة من الفخار ، لتصبح هى الأشهر والأضخم أنتاجاً على مستوى الجمهوية . «عزبة الناموس أو منشأة مبارك » ،هى قرية صغيرة لا يتعدى سكانها ال 100 منزل فقط، أغلبهم بالطوب اللبن والبعض الآخر بالمُسلح وشوارعها ملقى فيها العشرات من التحف والتنتيكات المصنوعة من الفخار فى معارض فنية لا تجد من يحنو عليها، فتلك الصناعة تعد من المورثات و حكرًا عليهم من قديم الزمان منذ ما يقرب من 70 عام تعلموها من الآباء والأجداد. يستيقظ رجال الفخار بعزبة الناموس منذ الصباح الباكر كل يوم، ليذهبوا إلى ورشهم، منهم من يصنع الفخار من الطين، وآخرون يتحملون لهيب الحريق داخل الأفران الخشبية، ورجال يحملون المنتجات لتوزيعها على التجار ، إلا أن هذه الصناعة فى الأونة الأخيرة باتت تعانى من مشاكل عدة حتى أصبح جميع العمالين مهددون بالتشريد . ويقول عزت نوح مالك ورشة عن كيفية صناعة الفخار ل "الصباح " ، يبدأ بفصل الشوائب بإذابة كتل الطين وفركها كل ذلك خارج المصنع داخل قطعة محاطة بماء لجعله لينًا ،ثم تأتي المرحلة الأهم وهي تصنيع وتشكيل الطين إلى منتجات فخارية بواسطة عاملين كلاهما يمتطي قرصاً دائرياً للف الفخار وتشكيله، ثم يأتي دور التنشيف وجعله يقابل الهواء يومين قبل وضعه في الأفران ويقفل عليها بإحكام حتى ينضج ،وبعد ذلك عملية إخراجه من الفرن وتعبئة سيارات النقل المتجهة إلى محافظاتالفيوم والبحيرة والصعيد أو تُعبأ عربات الكارو لتجوب القرى والنجوع والكفور وبيع القطع الخزفية المتفحمة. وتابع على عوض مالك ورشة أخرى لصناعة الفخار ، أن عزبة الناموس كان يوجد فيها مايقرب من 260 مصنع لإنتاج الفخار بجميع أنواعه من ( القلة – الزير – برامات – صحون – بياضات – شَقف لواجهات المنازل)، قبل ثورة يناير 2011 برغم صغر مساحتها ومع كثرة أرتفاع شراء المستلزمات الإنتاجية مثل النشارة من دمياط والطين من قرية محلة زياد والقرى المجاورة التى كانت المصدر الرئيسى للحصول على الطمى وتجريف أراضيها الزراعية وأنطلاق المقطورات المحملة به، أو كما يسمونها ” الشرب ” والأيدي العاملة الهاربة من ضعف الأجور ،كل ذلك أدى إلى تدهورها حتى تقلص عدد المصانع فى ما يقرب من 7 سنوات إلى 20 مصنع فقط . وفى سياق متصل أوضح زينهم القرشى صاحب مصنع فواخير، أن بعض أصحاب المصانع قاموا بغلقها نظراً لتعرضهم لخسائر مادية فادحة منذ عدة سنوات و ترجع لعدة أسباب أهمها عدم وجود طمى بسبب أعمال تجريف الأراضى الزراعية للبناء عليها، وبالتالى يؤثر هذا على الأسعار لترتفع بصورة مبالغ فيها حتى وصل سعر النقلة التى تستخدم على يومين فقط 700 جنيه ، أيضا زيادة أسعار نشارة الخشب التى تستخدم فى أشعال الموقد، وذلك بسبب جشع بعض النجارين الذين يفضلون بيع النشارة لأصحاب مزارع الفراخ بأسعار مرتفعة جداً مستغليين حاجتهم لها، بالاضافة إلى أرتفاع تكلفة النقل ، وكل هذا فى ظل أنخفاض سعر المنتج وضعف الأقبال عليه، فضلاً عن هروب عملاء الفيوم التى كانت هى أكثرهم شراء إلى قرى أخرى بحثاً عن أسعار منخفضة وبالتالى كل هذا أثر سلبا على الصناعة حتى أوشكت على الفناء . وعن معاناة العمال أكد محمد أسماعيل عامل باليومية ، أن الأجور الزهيدة الذين نتقاضاها هى أهم مشكلة لدينا فالعامل قد يحصل على يومية 120 جنيها فقط برغم متاعب المهنة الشاقة، بالاضافة إلى أننا غير مؤمن علينا ونتعرض يومياً إلى مخاطر الأصابة بالأمراض الصدرية لأحتكاكنا بالطمى والأدخنة المستمرة، وعدم مساندة الحكومة، ودعمها للصناعة والعاملين فيها جعل منها مهمشة لا تجد رواجاً حقيقياً يستحقها فهى فن يحتاج لمن يقدره وللأسف كل هذا يزيد من الأعباء والضغوط النفسية التى نعيشها فلا نجد دعم مادى يناسب حجم المشقة ولا نجد دعم معنوى أو تقدير للصناعة، ومن هنا لجأ الكثير للفرار بحثاً عن مصدر رزق أخر يستطيع فيه الحصول على الأموال لسد أحتياجات أسرته والمكسب السريع.