أصبحت العديد من الحرف والصناعات اليدوية تواجه شبح الانقراض لأسباب كثيرة، وأصبح العاملون بها يعانون من ظروف معيشية غاية فى الصعوبة حيث إنهم لم يعد يحتملون الاستمرار بها، فى ظل غياب تام للمسئولين فى تحسين أوضاع هؤلاء. يقول محمد مرعى، أقدم العاملين بحرفة صناعة الحصر بقرية كفر الجلابطة بمركز الشهداء بمحافظة المنوفية، إن أحوال هذه الصناعة اليدوية أصبح سيئًا للغاية، مضيفًا أنه مع الصعوبات التى تمر بها الحرفة خاصة بعد حالة الغلاء الموجودة بدأ الشباب فى العزوف عن الصناعة نظر اً لأن عائدها المادى قليل بسبب ارتفاع أسعار الخامات وثبات سعر المنتج على مدار السنوات السابقة حيث لا تتعدى يومية الصانع فيها 60 جنيه اً والعمل يستمر لمدة 12 ساعة وأضاف سليمان مرعى، أحد العاملين بصناعة الحصر، أن المستهلكين فى كل الطبقات أصبحوا يقبلون على منتجات أخرى كالحصير البلاستيك والموكيت والسجاد، وأصبح استخدام الحصر اليديوى محدود. وقال عبده محمد، من قرية شنوان بمركز شبين الكوم، منجد، إنه يعمل بهذه المهنة منذ سنوات طوال، مؤكدًا أن الفترة الأخيرة قل الإقدام على المراتب المُنجدة، وزاد الإقبال على المراتب الجاهزة لذلك أصبح عملى صعبًا للغاية مما جعلنى أضطر لبيع بعض المراتب الإسفنجية، لكسب رزقى. «السنان » من المهن التى تواجه شبح الانقراض أيضًا، فمهنة سن السكاكين من أقدم المهن التى انصرف عنها الكثير بالأحياء الراقية والمدن، إلا أنها مازلت موجودة ببعض مدن الصعيد وبعض محافظات الدلتا. ففى بعض قرى بنى سويف لم يعد«السنان » موجودًا بصورته وحل محله منذ أعوام نافخ الكير، هو هذا الرجل الذى يتمثل فى إشعال النار لصهر الحديد وإعادة تشكيل أدوات الذبح وسنها أيضًا صناعة المقاصات الحديدية والتى تستخدم فى تفريغ أحشاء الحيوانات المذبوحة فى الأضحية، ويتوافد عليه الجزارون لسن أدواتهم قبيل العيد بل ويقوم بحجز أدوارهم بأسبقية الحجز. الحاج «قرنى » نافخ الكير، قضى سنوات عمره فى تلك المهنة، بداية من مرحلة الطفولة، والتى شق طريقة لمهنة توارثها عن والده، والتى ظهرت فيما بعد على ملامح جسدة، والتجاعيد التى جسدت مرحلة التعب فى مهنة شاقة تساعده فيها زوجته، والمسئولة عن نفخ الكير وإشعال النار فيه حتى يستطيع زوجها تلين الحديد والطرق عليه مستخدمًا شاكوش يقضون ساعات العمل فى الأسواق منذ طلوع الشمس حتى دخول أذان الظهر، حاملاً ما اكتسبه من أموال لسد احتياجات أسرته من الطعام. «الجزار المتجول »، من المهن التى قاربت على الاندثار، والجزار المتجول هو هذا الرجل الذى يحمل بين يديه أدوات الذبح وترى ملابسه ملطخة بالدماء، فهو يحمل الساطور والمسن وأيضًا سكين الذبح. إلا أن هؤلاء يعانون ركود طوال العام فهم يجلسون دون عمل ويوميات صريحة تكفى لسد احتياجات أسرهم. «صاحب الغربال » يقول عبد ربه محمد، 52 عامًا، هذه المهنة التى توارثناها أجيال وأجيال عن آبائنا، نحن لا نستطيع العمل دونها، ويضيف أن مسكة «الغربال » لها فنها لا يستطيع الكثيرون ممن لا يعملون بها الإمساك به والتحكم حتى لا ينزلق ويفقد ما به «مش كل اللى مسك طبلة يعرف يطبل .» ويضيف «عزت كمال 57 ،» سنة، عامل بالمهنة، يومية المغربل تصل إلى 200 جنيه، ففى موسم حصيد الريحان «نبات عطرى » وهى الفترة ما بين شهر فبراير حتى آخر مارس، تكون فترة ضغط عمل، حيث يكون الحصول على المغربل «بالحلاوة » فلابد من حجزه قبل الموسم، يستكمل أن قطر الغريال أو التارة يحتاج لمجهود كبير فى التحكم فى فصل الحشائش الضارة من النبات، فهناك غربال مقاس 2 عيون ويستخدم فى المرحلة الأولى وهو يفصل الحشائش ذات الأحجام الكبيرة، ثم نستخدم «التارة » وهى ذات العيون الضيقة التى تفصل الحشائش الناعمة وتتخلص منها بتركها على الأرض. وأشار عزت إلى أنه بالرغم من اليومية الكبيرة أثناء الموسم والتى تتعدى 200 جنيه إلا أن باقى الموسم لا يوجد به أى عمل نظرًا لعدم زرع النباتات الموسمية إلا فى مواعيدها، لافتًا إلى أنه لا يوجد معاش فرغم كبر السن فإن المهنة غير مؤمن عليها. كل هذه المهن التى تلملم خيوطها لتعلن النهاية ينتظر أصحابها تساندهم الدولة، ويساعدهم المسئولون، لإعادة إحياء مهنهم والتمكن من جلب الرزق لأسرهم ويأملون أن توجد نقابة للمهن المنقرضة لتدافع عن حقوقهم.