منذ عشرين عامًا توفى الزوج، فجأة وجدت «نعيمة » نفسها بمفردها ومعها طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره بحاجة إلى من يعوله وينفق عليه، لم تترك «نعيمة » نفسها وابنها فريسة للظروف ولم تتخاذل عن واجبها بل قررت أن تعمل ليل نهار لتستطيع أن تنفق على ابنها الوحيد وتجعله يستمر فى المدرسة حتى يحصل على الشهادة الجامعية ويرفع رأسه وسط الناس. بدأت «نعيمة » العمل كخادمة فى البيوت، كانت تواصل الليل بالنهار من أجل توفير لقمة العيش لها ولابنها، وسط تلك الحياة الصعبة على سيدة بمفردها كانت «نعيمة » تقاوم من أجل أن ترى الفرحة على وجه ابنها، كانت دائمًا تقول له «أنا هحرم نفسى من كل شىء حتى تكبر وأفتخر بك »، كان هدف تلك الأم أن تفتخر بأنها تراه يتزوج من الإنسانة التى أحبها، كانت كل ما تريده هو ألا تجعله يشعر بفقدان الأب أو أنه أقل من أى أحد. سنوات من الشقى والسعى وراء لقمة العيش قضتها «نعيمة »، فى سعادة بالغة لتأدية واجبها تجاه ابنها الذى لم تجعله يعمل يومًا أو يساعدها فى شىء كان كل همها أن يكمل دراسته ويحصل على شهادته، كانت لا تريد له أن يلقى بنفسه فى دوامة الدنيا الطاحنة. تحملت الكثير من أجله وعندما جاء يوم رد الجميل، خذلها ابنها الوحيد، بعد أن أنهى دراسته وحصل على شهادته بدأ فى البحث عن العمل ولكنه تعرض للفشل المتكرر، كانت عزيمته ضعيفة لم يرث إصرار والدته وعزيمتها الصلبة، فالفشل جعل منه فريسة سهلة فى أيدى أصدقاء السوء الذين نجحوا فى السيطرة عليه وجعله واحدًا منهم. فجأة تحول الشاب اليافع الذى ضحت والدته بحياتها وسعادتها من أجله إلى مدمن للمخدرات، تبدل حاله وأصبح إنسانًا بلا طموح، تحول قلبه إلى قطعه من الحجر لم يلين أمام توسلات والدته وبكائها على حاله وتدهور صحته. فجأة شعرت الأم «نعيمة » أن كل ما تحمتله ضاع هباءً ونظرت إلى حلمها وهو يتحول أمام عينيها إلى كابوس مفزع، حاولت كثيرًا معه ولكن كل محاولاتها فشلت، كان قلبها يعتصر ألمًا على ما وصل إليه حال ابنها، لأول مرة لم تكن «نعيمة » تعرف ماذا تفعل، شعرت باليأس والضياع. لم تنجح فى السيطرة على ابنها الذى بدأ يسرق أموالها وشقاها من أجل إنفاقه على شراء المخدرات، كان كل يوم يتشاجر معها ويسبها بأفظع الألفاظ، كان يعتدى عليها بالضرب المبرح، لم تكن «نعيمة » تعرف ذلك الشخص، كان غريبًا عنها ولكن قلبها كان يعرفه جيدًا فهو ذالك الطفل الصغير الذى فقد كل شىء إلا والدته، شهور من المعاناة والوجع عاشتها «نعيمة »، تطور الأمر بالابن العاق إلى أنه بدأ يسرق أثاث المنزل ويبيعه إلى محلات الأثاث المستعمل بمنطقته من أجل شراء المخدرات، كانت «نعيمة » تذهب من وراءه وتدفع أمواً ل طائلة لاسترجاع أثاث منزلها المسروق. ظلت «نعيمة » على تلك الحالة، حتى استقبلت اتصاًل هاتفيًا من مالك أحد محال الأثاث يخبرها بأن ابنها قد باع له أجزاء من أثاث منزلها، طلبت منه «نعيمة » عدم إعطائه ماًل وأن ينتظرها إلى أن تأتى إليه وبالفعل احتجز صاحب المتجر الابن العاق لديه ورفض إعطاءه المال إلى أن تحضر، وبمجرد وصول الأم المسنة بدأت تصرخ فى وجه ابنها على بيعه أثاث المنزل وطلبت منه العودة معها إلى المنزل وبمجرد أن ابتعدت «نعيمة » وابنها خطوات عن متجر الأثاث المستعمل، فوجئت بابنها يجذبها بقوة من ملابسها ويدفعها على الأرض ثم أخرج سكينًا كانت بحوزته وطعنها بها 30 طعنة، كانت نعيمة تنظر إلى ابنها وهى فى حالة من الذهول كيف تحول الطفل الصغير إلى ذلك الوحش الذى قتل والدته. انتقلت قوات الأمن إلى مكان الواقعة، وتبين من خلال المعاينة التى جرت بمعرفة ضباط قطاع مباحث غرب الجيزة، والهرم، تحت إشراف اللواء محمد الألفى نائب مدير الإدارة العامة للمباحث، أن الجثة التى عثر عليها لسيدة مصابة بطعنات بالصدر والرقبة، وتبين أن وراء ارتكاب الجريمة نجل المجنى عليها.