في ميراث الادب العديد من الروايات التي تعرضت للصدام بين الشرق والغرب من خلال شخصية أو أكثر تنتمي للشرق تسافر الى احدى الدول الغربية ويحدث ما يعرف بالصدمة الحضارية والثقافية والاجتماعية والأمثلة في هذا المضمار متعددة نذكر منها رواية اديب لطه حسين وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم و موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح والحي اللاتيني لرياض الرياس وغيرها. ولكن مهارة الكاتب والأديب اللبناني الدكتور محمد طعان، والذي ينتمي إلى الفرانكفونية لأنه يكتب بالفرنسية جعلته يتناول الصدمة الحضارية بشكل معاكس وذلك في روايته الجميلة سيد بغداد حيث تتاخذ الرواية من الجندي الامريكي جيمي بطلا قادما من الغرب الي العراق ضمن الجنود الأمريكيين الذين يسقطون نظام صدام حسين لكنه يكتشف كذبة عدم وجود أسلحة نووية في العراق ويشعر بخواء الحياة ولايجد راحته الا في الانخراط في الطقوس الدينية لشيعة العراق حيث يتعرف على رجل دين عراقي فقد ابنه علي يد الديكتاتور صدام وبعد سقوطه عثر على رفاته في مقبرة جماعية. وكان سقوط صدام مكن العراقيين من وجود المقابر الجماعية فقط حيث لا استقرار ولا أمان ولا ديمقراطية فالرواية ترسم لوحات مؤلمة للعراقيين الذين دفعوا الثمن ايام صدام ودفعوا ايضا الكثير بعد صدام. فاللون الذي يشكل أيامهم هو لون الدم فكما فقد رجل الدين ابنه في عهد صدام فقد صديقه المقرب احمد و جاره فارس بعد سقوط صدام. استعان الكاتب لتأكيد وتكرار تراجيديا مقتل الحسين بالقصة التراثية لمقتل الامام وقدمها ايضا في إطار مسرحي خلال الاحتفال بعاشوراء وباسلوب الكاتب اليوناني كازنتازكس في روايته "المسيح يصلب من جديد" أضاف القصة الحديثة لنجد الحسين يقتل مجددا من خلال أشخاص معاصرون ظهر ذلك بوضوح من خلال شخصية احمد الذي قام بدور الحسين في المسرحية وانتهت بقتله فعليا . نحن أمام نص محكم البناء استخدم الكاتب فيه اللغة المحايدة التي لم تضف أية اوصاف علي الشخصيات وتركت الحكم للقارئ الذي يحصد ثمار المتعة من خلال ثراء الحكي و عمق الشخصيات ووجع الموت الذي يطل بين الصفحات وبين شوارع العراق حيث الدم مراق في القلوب وبين الكلمات. ونجح الكاتب في تقديم وصف مذهل للمدن والاحياء والشوارع والعادات العراقية كانه ينتمي بالفعل الي العراق تاريخيا واجتماعيا رغم انه لم يقم بزيارة العراق ولو لمرة واحدة .الامر الذى يثير التعجب ازاء هذه القدرة من التغلغل الدرامي في نفوس الاشخاص . وامتلاك روح المكان وصهره في احداث ساخنة تتناص مع التراث وتجيد التحاور معه وقراءة خفايا الماضي وكواليس الواقع المعاش وتثير الرواية عدد من الاسئلة المهمة التي تبقي لمدة طويلة في ذهن القاري بعد قراءة العمل منها - هل نجيد في الشرق الحديث عن ذواتنا وتقديم جوانبنا الروحية للاخر الغربي ليتعرف علي روحانية الشرق ويكتشف التعدد والتنوع المجهول له ؟ - ماهي القدرة الكامنة في الطاقة الروحية لطقس والتى تجعل شخص ينتقل من دين لاخر بلا مناقشات عقائدية وبلا جرح الاخر المختلف دينيا وعقائديا ومذهبيا ؟ خاصة وان الرواية لم تقحم اية حوارات عقائدية بين الجندي الامريكي جيمي والشيخ المسلم ! - هل يعاني الغرب فعلا من الضعف الروحي الذى يجعله منجذبا لتلك القوة المتوفرة بكثرة في الشرق ؟ وهكذا تقوم فلسفة الابداع علي قوة السؤال وصنعه من نسيج شخصيات من لحم ودم تدفع ارواحها لتبقي الاسئلة تجول تصنع في الوجدان اضرحة تحتفي بالاحياء حتى اذا ظنهم العالم موتي .