الأماكن التي نولد فيها هي التي تكون شخصياتنا الأولى، ترسم ملامح وذكريات وسمات مختلفة، وتُطبع داخلنا في هيئة آلاف النسخ التي لا تُنسى، وكالحياء الشعبية في زحامها، وقوتها وجمالها وبساطتها، ومن حي شبرا في القاهرة ولد المطرب الشعبي الذي يُشبه المكان الذي أطلق أولى صرخاته فيه، محمد قنديل. هو صوت مصري أصيل، تمتع بلون مختلف في عصر عاش فيه عمالقة الفن أمثال كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال عبد الوهاب، من مواليد شارع سعيد باشا بحي شبرا عام 1929. نشأ قنديل في أسرة فنية حيث كان والده من هواة العزف على العود والقانون، وكانت جدته، وتدعى "سيدة السويسية"، مطربة ذائعة الصيت في أوائل القرن العشرين، عرف عنها أنها مطربة علية القوم، ورغم ذلك كانت تغني مجانًاً في أفراح البسطاء، وكان يسعدها أن تغني متبرعة في أفراح العامة، أما والدته فكانت تمتلك صوتًا جميلًا وكانت تجيد العزف على العود ولكنها لم تحترف الغناء، وكان أخيه الأكبر "عبد الله" مُطربًا وظهر في عدة أفلام في الأربعينات من القرن العشرين ولكنه اختفى بعد شهرة أخيه الأصغر "محمد قنديل"، وزوج عمته هو موسيقار ومطرب اسمه"عبد اللطيف عمر". انهى محمد قنديل سنوات تعليمه حتى الشهادة الثانوية، ثم إلتحق بمعهد الموسيقى العربية، كانت النقطة الفارقة معه حينما اختارته السيدة أم كلثوم للغناء معها في تابلوه "لقطن" في فيلم "عايدة" سنة 1942، وبدأ الغناء فعلياً في مسرح الراقصة الشهيرة حكمت فهمي. قدم قنديل ما يصل إلى أكثر من 800 أغنية خلال مشواره الفني الذي امتد حتى عام 2004 حين وافته المنية، وشارك في 20 فيلماً سينمائياً، ولحن له كبار ملحني هذا العصر الذهبي، أمثال محمود الشريف، محمد الموجى، محمد فوزى، كمال الطويل. وعبرت السيدة أم كلثوم عن حبها لقنديل في أحد اللقاءات النادرة لها، حيث قالت أنه صوت كبير و"صييت" وهي تعبير يعني صوت جميل، بارع وقوي، وأنه من أقوى الأصوات. آخر أعماله الفنية كانت مسلسل الأصدقاء، الذي قدمه النجوم صلاح السعدني وفاروق الفيشاوي ومحمد وفيق عام 2002 أي قبل وفاته بعامين، وآخر الأفلام التي شارك فيها كانت في الستينيات من القرن الماضي وهو فيلم "القاهرة في الليل" . من أشهر أغانيه يا حلو صبَّح يا حلو طُل، جميل وأسمر، مركب حبيبى، إن شاء الله ما أعدمك، أتاري العشاق غلابة، ع الدوار، تلات سلامات، وكانت أولى أغنياته "يارايحين الغورية" للملحن كمال الطويل.