"ملابس، أحذية، ورقات وموبايلات متناثرة، دماء مُلطخة تملئ أرضيات رصيف رقم 6 بمحطة قطارات مصر، جثث متفحمة، دموع لا تكف، ورجال ونساء يهرولون مسرعين، بعضهم يحاول إنقاذ الركاب، وأخرون يحاولون البحث عن طوق، نجاه، رجال شرطة يسرعون، وجندون فى الجيش، يحاولون إنقاذ الضحايا، وأشخاص يمسكون بجراكن مياه بسيطة"، هكذا كان الموقف داخل محطة قطار مصر التى تُعد اقدم محطة قطارات فى الجمهورية، فدقائق من الرعب والفزع سيطرت على العشرات من الركاب إثر انحدار جرار وردية رقم 2302 واصطدامه بالمصدات الخرسانية بنهاية الرصيف رقم 6 بمحطة مصر، ما ادى لوقوع نحو 20شهيداً و45مصاباً. "الصباح" إستمعت لروايات عدداً من شهود العيان حول الحادث، فبعضهم من وًثق لحظات الإنفجار، وأخرون حاولوا المساعدة فى إنقاذ المُصابين والضحايا، ومجموعة من الباعة الجائلين فى المكان المحيط، يبحثون عن أصدقائهم، وأخرين يتولون مهمة تغطية الجثامين بورق جرائد وأكياس بلاستيكية، لحين وصول سيارات الإسعاف لنقلهم للمشارح القريبن.
فاضل على، أحد شهود العيان، يروى ل"الصباح"، لحظات الخوف التى عاشها عشرات الركاب، سواء كانوا داخل القطار او على الأرصفة المقابلة والمجاورة، قائلاً"شوفت الموت بعينى، كنت قاعد مستنى القطر ، وفجأة جرار دخل بسرعة كبيرة جداً وشوفنا لحظات إصطدامه، وإنفجار كبير، الناس كانت بتصرخ من شدة الإنفجار، والمحطة فى لحظات تحولت لمكان يملؤه الدخان الكثيف اللى غطى عنينا، لكن الناس كانت بتجرى وشايفة النار ماسكة فى أجساد بعض الأهالى، كان موقف كفيل يخلينى أجرى أحاول أساعد ست كبيرة مش قادرة تجرى، شديتها بعيد وحاولت أنقذها وقعت على الأرض منى، فواحد تانى معرفوش جه وساعدنى شيلنا الست، واغمى عليها، بس قدرنا نطلعها برة، لحد ما الإسعاف وصلت".
يضيف قائلا، :"مقدرناس نمسك نفسنا، ولا كنا عارفين أيه حصل وليه، صراغ وبكاء، ونار مشتعلة، وناس بتجرى، كل واحد بيحاول ينجو بنفسه، لكن دموع الستات هتفضل تطاردنى طول حياتى، أنا اول مرة أتعرض لموقف زى ده، أنا شاب 21سنة، هيفضل حادث النهاردة معلم معايا طول عمرى، الشرطة بذلت جهد كبير، والمطافى جت والأسعاف كانت سريعة فى نقل المصابين وحتى الجثث، أنا مستاء جداً من صور الشهداء اللى اتنشرت على الفيس بوك".
مرت ساعات وعاد الهدوء للمحطة مرة آخرى، لكن لازالت بقايا الحادث موجودة، تهشم واجهات بعض المحلات والمكتبات، وخراب حل بمنطقة رصيف رقم 6 الذى شهد الحادث المأسوى، وقررت السلطات المختصة إغلاقه، وخاصة بعد أمر النيابة بالتحفظ على الكاميرات ، بالضاافة الى تواجد فرق البحث الجنائى والأدلة الجنائية فى المكان، أشخاص لازالوا يقفون ينعون حظهم، وبائعون لم يعرفوا كيف سيعوضون خسائرهم فى أكل عيشهم، لكنهم مؤمنين بالقدر.
"أحمد.ع"، أحد العاملين بإحدى الكافتريات المتواجدة بمكان الحادث، يؤكد أنه لازال غير قادراً على إستيعاب ماحدث، ففجأة تحولت واجهة الكافتريا التى يعمل بها الى مكان ملئ بالدخان، بحاول البعض الإحتماء به، وأخرون يهرولون، وصديقهم لم يعلموا إذا كان من بين المُصابين أو الضحايا، ففجاة إختفى من أمام أعينهم، هكذا لخص احمد حال المكان الذى يعمل به.
يوضح قائلا، "مش قادر أستوعب، كل حاجة فجأة تحولت لأشياء منكسرة، الناس بتجرى قدامى، وصاحبى مش عارف هو فين، هنقفل ونروح ندور عليه فى المستشفيات او المشارح، حالنا وقف، ومش عارفين هنعمل ايه تانى، صرخات تتعالى وكل شئ تحطم فى لحظة، المهم نلاقى صاحبى الىل مش عارف هو فين ".
وكانت محطة مصر، قد شهدت حادثاً مأسوياً، اليوم الاربعاء، إثر نشوب حريق هائل عقب إصطدام أحد جرارات القطارات بالصدادة الحديدية الموجودة على رصيف 6 بعد خروجه عن القضبان، ما أدى إلى انفجار "تنك البنزين"، وأسفر عن اشتعال النيران في الجرار والعربة الأولى والثانية بالقطار.