افتتحت السيدة انتصار السيسى قرينة الرئيس دار فتيات العجوزة فى منتصف شهر أغسطس بعد تطويرها لإعادة دمج الفتيات بلا مأوى أو اللواتى يتم إيداعهن من قبل النيابات، وذلك ضمن برنامج «حماية الأطفال بلا مأوى» الذى تبلغ موازنته 164 مليون جنيه، ويساهم صندوق تحيا مصر به بحوالى 114 مليون جنيه و50 مليون جنيه من قبل وزارة التضامن الاجتماعى، وينفذ المشروع فى عشر محافظات هم الأعلى كثافة من حيث عدد الأطفال الذين بلا مأوى ويبلغ عددهم 12.772 طفل. سارة شعرت بالغربة بعد انفصال الوالدين واستقرت في الدار حتي خطوبتها تقول ألاء الدسوقى، إحدى مسئولى المكتب الإعلامى لبرنامج أطفال بلا مأوى: إن الدار تبلغ مساحتها حوالى 5776 متر مربع وتحتوى على مبنيين ومساحات خضراء وملعب، زارتها وافتتحتها السيدة انتصار السيسى قرينة الرئيس بعد تطويرها، حيث ارتفعت السعة الاستيعابية للدار من 100 فتاة إلى 250، وتطوير المبانى بدعم من صندوق تحيا مصر بتكلفة أكثر من 7 ملايين جنيه. «الصباح» تزور دار فتيات العجوزة وتتحدث إلى الفتيات وكيفية إعادة دمجهن فى المجتمع وكيف تطور المبنى والأنشطة المقدمة لاحتواء الفتيات. دار فتيات العجوزة أقدم وأول دار إيواء تقدم الرعاية للأطفال بلا مأوى والتى تم إنشاؤها فى عام 1930 بعد التبرع بالمبنى عن طريق إحدى أميرات الأسرة المالكة لرعاة أبناء السبيل فى القاهرة، ثم تحول الوقف لدار الفتيات فى الستينيات، لتُسند أعمال الدار لجمعية الدفاع الاجتماعى فى الثمانينيات. تضع دار فتيات العجوزة سياسة حماية الطفل من الإساءة، من أجل توفير بيئة آمنة للأطفال وحمايتهم من كل أنواع الإساءة والعنف والاستغلال وفقًا للمادة رقم 80 من الدستور المصرى وقانون الطفل لعام 2008. عند دخولنا الدار وجدنا مبنيين أحدهما رئيسى وبه مركز استقبال للفتيات لعمل دراسات حالة لهن وتوزيعهن على المحافظات وفقًا للنطاق الجغرافى التابعين له، ومبنى خلفى وهو دار رعاية الفتيات وبه غرف الأنشطة كافة. آمال لجأت اليها بعد رفضها طلب الأهل بالعمل في الدعارة حكايات من الجحيم «سارة» اسم مستعار، 19 عامًا، قصة فتاة من المنصورة لم تكمل تعليمها، ضحية التفكك الأسرى، فبعد انفصال الأبوين تزوج الأب من أخرى، وتزوجت الأم من رجل آخر، لتترك الأم الفتاة مع أهل الزوج، لتشعر سارة بالغُربة معهم، بجانب إجبارهم لها على العمل فى التسول وتعذيبهم لها، لتترك المنزل وهى فى عمر ال15 عامًا، وتذهب إلى دار مؤقتة، ثم دار أكتوبر وتستقر بها ثلاث سنوات ونصف، ليستلمها زوج أمها من الدار لمحاولة تشغيلها فى التسول مرة أخرى، لتهرب سارة من الضرب المُبرح والعمل فى الشوارع، وتسلمها النيابة لدار فتيات العجوزة منذ سنتين. آمال، 18 عامًا، قصة أخرى من قصص الهروب من انحراف الأهل، فمنذ نشأتها لم تر سوى عمل أهلها فى الدعارة، ورغم صغر سنها إلا أنها رفضت العمل مع أهلها، وبعدد الإلحاح والتعذيب، هربت إلى الشارع، لتستقبلها دار فتيات العجوزة، ليظهر عليها علامات الشطارة والذكاء وحب التغير والعيش من المال الحلال، لتعمل فى جيم يوميًا من الساعة الثامنة صباحًا وحتى آخر النهار. سها عانت من المعاملة السيئة من الأب..ووجدت تعامل حسن بالدار «إسراء» 16 عامًا، إحدى نزيلات الدار من قنا، وضحية التفكك الأسرى أيضًا فالأب تزوج ولا يريدها أن تعيش معه، والأم تزوجت بينما تتعرض إسراء للتعذيب والتحرش من زوج أمها، لتهرب إسراء بالتحريض من صديقة لها من المنزل فى عمر العشر سنوات، وتعيش فى الدار لسنوات، فتستلمها أمها وزوجها مرة أخرى من الدار، لتهرب من جديد بسبب المعاملة السيئة وتعود إلى الدار، وتقول إسراء بصوت حزين: «ماما صباح أحن عليا من أهلى» إشارة لمديرة الدار. أما «سها» 15 عامًا، من الفيوم، عاشت حياتها مع أبيها المتزوج من اثنتين رغم فقره وعمله البسيط، وعمل أمها المريضة بالغضروف فهى لديها 6 أخوات بنات و4 أولاد، وكانت سها تعانى من معاملة أبيها الجافة وحبسها فى المنزل ورفضه للعمل فى المصنع بدلًا من أمها المريضة، لتُتهم بسرقة هاتف إحدى جيرانها، وتحبس فى مركز بلدتها بالفيوم، وتنتقل إلى دار فتيات العجوزة، وتقول إنها بسبب المعاملة الجيدة هنا لا تريد العودة إلى بيت أبيها وأمها.
جذب الأطفال تقول فادية نور الدين، مديرة دار فتيات العجوزة: إنها أحد الدور المفتوحة للأطفال المعرضين للانحراف ويوجد أيضًا دور؛ دار الأمان، وقاصرات عين شمس، ودار ضيافة القبة، كما تعطى حرية للفتيات للخروج والدخول للاشتراك فى المعارض والفرق المسرحية والرحلات والمصايف، كما يسمح فيها بزيارات الأهل، عكس المؤسسات العقابية، والتى يدخلها الأحداث بسبب ارتكابهم جرائم كبيرة، وتكون مغلقة ويحكم عليهم بحكم سالب للحرية، كما أن الفتيات يتم إيداعهن فى الدار من خلال ثلاث طرق، إما عن طريق حكم المحكمة بأن ترتكب الفتاة جُرم صغير، أو من خلال قرار إيداع من النيابة من خلال محضر إدارى لحين العثور على أسرتها، وذلك عن طريق الفتيات اللواتى يتسولن بالشوارع ولا مأوى لهن، أما عن طريق إيداع محدد بعدد شهور أو إيداع مفتوح لحين وصولها 18 عامًا، أو أن الأسرة تكون غير قادرة على الإنفاق على الفتاة أو ربما يوجد تفكك أسرى فتسلمها للدار أو عندما تتعرض الفتاة للإيذاء أو الانتهاكات فتُسلم نفسها للدار وتمضى إقرار بذلك. وأحيانًا تعود أسرة الطفلة إلى الدار من أجل استلامها ولكن فى بعض الأحيان الفتيات ترفض الرجوع إلى الأسرة؛ بسبب الإيذاء الذى تتعرض له، أما إذا أرادت الأسرة عودة البنت فيتم تسليمها من خلال النيابة مرة أخرى. أما عن البرنامج اليومى للدار فتستيقظ الفتيات مبكرًا ثم التعود على ترتيب السرائر وحضور طابور الصباح والاشتراك فى الأنشطة فى الإجازة الصيفية، أو الذهاب إلى المدرسة الابتدائية أو الإعدادية داخل الدار. أما عن رد ألاء الدسوقى، إحدى مسئولى المكتب الإعلامى لبرنامج أطفال بلا مأوى على أن السعة الاستيعابية للدور أكبر بكثير من أعداد الأطفال المقيمين بها، رغم وجود أكثر من 20 ألف طفل بلا مأوى، تؤكد وجود 17 عربة متنقلة فى المناطق الأكثر تمركزًا للأطفال المتسولين أو الذين بلا مأوى وذلك لجذبهم للإقامة بدور الرعاية وذلك بالتعاون مع وزارة الداخلية. مديرة الدار: 17 وحدة متنقلة فى الشوارع لجذب الأطفال بلا مأوى للإقامة بدور الرعاية أما عن التأهيل النفسى والاجتماعى للفتيات تقول هدير الإخصائية الاجتماعية إن التأهيل الاجتماعى يتم حسب حالة الفتاة، فبعضهن لا يستجيبن للتأهيل بسهولة خاصة إذا كانت من مرتكبى الجرائم أو نشأن فى بيئة غير سوية، أما التى لا تستجيب للتأهيل واستنفاد كل محاولات الإصلاح معها فتُحول إلى مؤسسة عقابية مغلقة، أما من كانت تتعاطى المخدرات فتذهب أولًا إلى برنامج مكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن لتلقى العلاج.
حفل خطوبة تستمر حياة سارة فى الدار حتى تقدم لخطبتها وليد من الإسكندرية، الذى آتى إلى الدار بترشيح من عمه الذى يعيش فى الجيزة ويريد أن يتزوج فتاة من الدار. وليد يعمل أكثر من عمل حُر، ولديه شقة جاهزة فى الإسكندرية وتكمل سارة أن وليد اشترى شبكتها لها دبلة ومحبس وخاتم، وأنها كانت تتمنى أن تتزوج من شاب خلوق. تؤكد فادية نور الدين، مديرة الدار، إقبال بعض الرجال على الزواج من الدار ضمانًا لحسن سلوكهن، ويكمن دور الدار فى عمل بحث اجتماعى والسؤال عن الشاب قبل الموافقة على الزواج، ومعاينة شقة الزوجية، والأهم من ذلك هو تأهيل الزوج بعدم التعامل أو معايرة الفتاة كون أنها من دار رعاية، فضلًا عن الاحتفال بالزفاف فى الدار بحضور وزيرة التضامن وقيادات الوزارة.
دمج الفتيات تحتوى دار فتيات العجوزة بعد التطويرات الجديدة على مسرح وغرفة موسيقى وغرفة كروشيه وخرز، ومشغل خياطة وذلك لدمج الفتيات فى المجتمع بالإضافة لتعليمهم صنعة. تقول مسئولة المسرح إنهم نظموا حفلة ومسابقة مسرحية بين دور الفتيات فى القاهرة الكبرى بتنظيم من مؤسسة ساموسيال، ورغم تدريب البنات فى دار فتيات العجوزة لمدة ثلاثة أسابيع فقط فإنهن ظهرن فى أحسن صورة وفازوا بالترتيب الأول بين فتيات الدور الأخرى. وتفيد سارة مدربة الفتيات فى مشغل الخياطة بأنهم يعلمون الفتيات الخياطة من أجل محاولة إيجادهن فرصة عمل بعد الخروج من الدار، كما أنهن ينتجن ملايات ومفارش وستائر وفساتين أطفال وإسدالات للصلاة، وينظمن معارض داخلية فى الدار لمنتجاتهن لبيعها سواء لموظفى وزارة التضامن أو الموظفين فى الدار ويتم تجزيئة المبالغ المالية للدار وللفتيات والمدربات.