فى قلب الدلتا فى ريف محافظة المنوفية وعلى إلى ذهب.. ويبنون العمارات منها بعد بضعة كيلو مترات من شبين الكوم عاصمة محافظة المنوفية تجد قرية شبرا خلفون صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 22 ألف نسمة، تبدو من بعيد وكأنها قرية عادية، ولكنها فى الواقع من أغنى قرى المنوفية من خلال ما يملكه أهلها من عقل مدبر وذكاء فائق، تحتوى القرية على أكثر من150 مخزنًا وورشة لتجارة الخردة والتى من ورائها يسكن أهل القرية فى العمارات والفيلات والقصور ويملكون الأراضى. الأهالى يحاربون البطالة ويحولون الخردة إلى ذهب.. ويبنون العمارات منها تبدأ الرحلة من كل بيت مصرى، عندما يقوم أهله بالتخلص من القمامة والأشياء القديمة وألقاها في الشارع أو عبر الوسيط الذى يجوب بالشوارع والقرى والذى ينادى «بيكيا بيكيا » وهو فرد يتخصص في شراء المنتجات القديمة من المنزل. تنتشر تجارة الخردة فى القرية منذ أكثر من 50 عامًا فهى مهنة موروثة من الأجداد والآباء وأصبحت المهنة أساسية لأهالى القرية جميعهم حتى أصبحوا من ملاك الأراضى الزراعية والأديان والعمارات والفلل، تقوم هذه التجارة على فرز واستخلاص المعادن كالحديد والنحاس والألومنيوم من الأجهزة الكهربائية التى تم الحصول عليها مكسورة كالغسالات والثلاجات والسيارات وجميع المواتير بمختلف أشكالها، وكذلك يتم جمع الأسلاك الكهربائية وزجاجات الزيت الفارغة وزجاجات المياه الغازية الفارغة المصنوعة من الصفيح، بالإضافة إلى البلاستيك والأثاث القديم. فى هذا السياق رصدت عدسة «الصباح » مخازن الخردة وتحدث عدد من أصحاب الورش لمعرفة أسرار المهنة وأهميتها فى أنها الكنز الثمين. فى البداية يقول الحاج سامى عبدالسلام صاحب أول مخزن خردة فى مدخل القرية: «مهنة تجارة الخردة ورثتها من آبائى منذ أن كان هذا المخزن الكبير كشكًا صغيرًا، ومن قبلها عشة بالحطب والبوص، فأصبح الآن مخزنًا كبيرًا للخردة بجميع أنواعها »، لديه بالورشة سبعة عمال أساسيون لعملية الفرز وأربعة سائقين لعملية التوزيع، وكذلك عدد كبير من المتجولين على أقدامهم الذين يقومون بإحضار الخردة من المواطنين عن طريق السيارات الصغيرة. يضيف أن التركيز فى الورشة يقوم على أخذ الخردة من المتجولين وفرزها وتصنيفها وبيعها، فلكل قطعة من الخردة لها زبونها الخاص، فالأثاث عامة يطلبه التجار وأحيانا الأهالى من خلال عرض هذه الخردة أمام الجميع لاختيار ما يلزمهم. أما قطع الغيار الكهربائية دائما يأخذها فنى تصليح الأدوات الكهربائية والكتب والكراتين ثم يتم بيعها لمصانع الورق، وكذلك خردة البلاستيك يتم بيعها لمصنع البلاستيك، فلكل قطعة من الخردة أهمية يقدرها صاحبها جيدًا. واستكمل الحاج محمد الرفاعى صاحب ورشة بالقرية موضحًا أنه يعمل هو وأشقاؤه وأبناؤه فى المهنة منذ زمن بعيد، مع الأخذ فى الاعتبار أن معظمهم فى مراحل التعليم المختلفة في الجامعات والثانوى، وفى الإجازة يحرصون على مساعدته فى الورشة، ولديه أكثر من عشرين عاملً منهم المتجولون والذين بقومون بمرحلة الفرز وآخرون سائقون، ويوجد العديد من شباب المؤهلات العليا يعملون جميعهم فى مخازن الخردة الأخرى لعدم توافر الوظائف الحكومية من جهة ولاعتمادهم على أنفسهم من جهة أخرى. وأوضح محمود عبدالرحمن أحد أهالى القرية وصاحب ورشة شبرا خلفون أن أساس تجارة الخردة أنه لا يوجد منزل بالقرية إلا ورجال أهل المنزل يعملون بالخردة، فهى المهنة الرئيسية بالقرية، والأفضل فيها أن لكل ورشة أفرادها ولا يتعدى أحد على شغل الآخر وكل من فى القرية يكمل الآخر حتى أصبحوا يعتمدون على أنفسهم فى كل شىء يتعلق بالمهنة، ولكل منهم وظيفته التى لا يتعارض أداؤها مع الآخرين. وأكد محسن عبدالسلام بأنه يعمل فى المهنة منذ أن كان صغيرًا فى العاشرة من عمره يأتى مع والده ساعة أو اثنتين فى اليوم وفى الإجازات الرسمية، وعندما تخرج فى دبلوم الصنائع قام بتطوير الورشة وأصبحت تحتوى على العديد من أنواع الخردة وأكثر من ذى قبل، فهذه المهنة تحتاج إلى شطارة ومهارة من التاجر حتى يستطيع أن يصل إلى ما يتمنى. أشار إلى أن الورشة توفر وسائل النقل ومكبرات الصوت وجميع الأدوات التى تساعد العاملين بالمهنة، موضحًا أنه اكتسب خبرات المهنة وأساسها من والده،وتعلم كيف يقيم البضاعة من الباعة، ويفرزها ويحصل عليها بأقل الأسعار أو من خلال أخذها من القمامة بدون أى مقابل مادى وتعلمت الفرق بين السلع وبعضها وكيفية التعامل مع مصانع الحديد والصلب ومصانع البلاستيك ومصانع الورق والكرتون وتعلم كيفية الاستفادة من السلعة بشكل كبير مشيرًا إلى أن هذا ساعد الدولة على تنظيف البيئة. ويقول أحمد رفاعى عامل بورشة بالقرية يقوم على عملية الفرز، ويعانى من إعاقة فى يده، وعندما تقدم إلى طلب عمل حكومى لعدم قدرته على عملية الفرز، قابلته مشاكل عديدة فى تجهيز الأوراق والكشف الطبى، وفى النهاية تم وضع ورقى ومستنداتى فى قائمة الانتظار منذ أكثر من أربع سنوات، ومنذ هذا الحين وهو يعمل فى الورشة ولم تأت الوظيفة الحكومية وعلى الرغم أن العمل شاق فلا يوجد بديل آخر لهذا العمل حيث يعمل من أول النهار فى السابعة صباحًا وحتى الثامنة مساءً من كل يوم. واستكمل عبدالسلام العربى صاحب أحد الورش بالقرية قائلً: يبدأ العمل فى جميع الورش يوميًا مع أول ضوء الشمس بتسريح العمال المسئولة عن جمع الخردة من الأهالى بالتريسيكلات فى شوارع وأنحاء المحافظة لشراء وجمع كل ما هو قديم أمام مبالغ رمزية وأحيانا بدون نقود ونحن لا نغلق الباب فى وجه أحد، فجميع شباب القرية يعملون في مجال الخردة ولا يوجد لدى القرية أى بطالة بل تحتاج إلى عمال باستمرار لكثرة العمل بالورش، مشيرًا أن بعض القرى المجاورة قد قامت بتجربة هذه المهنة وفتح ورش بها، ولكن الأصل يرجع دائمًا إلى قريتنا شبرا خلفون.