قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي، روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ.. لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيهِ أسى ، ومِثلي مَن يَفي ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ.. فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ يا خيبة المسعى إذا لمْ تسعفِ "سلطان العاشقين"، أبو حفص شرف عمر بن علي بن مرشد الحموي، الشهير ب "ابن الفارض"، ولد بمصر عام 576 ه الموافق 1181م، دخل عالم الصوفية عندما نضج، واعتزل العالم في واد بعيد في مكة، وفي عزلته تلك نظم معظم أشعاره في الحب الإلهي، حتى عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عامًا.
أحن شوقاً إلى ديار وديار رأيت فيها جمال سلمى ..شربت منها لمى عقار من كف ساقي الشراب ألمى
ابن الفارض يعد من أعظم الشعراء الصوفية والعربية وأبرزهم بلا منازع، وله ديوان شعر بما في ذلک من عيون المعارف والحقائق الإلهية ومن قصائده التائية الکبري، وهي من أفضل أناشيد المحبة الإلهية وفيها آراء حول الحب الإلهي ومراحله والحقيقة المحمدية أو قطب الأکبر ووحدة الأديان ووحدة الشهود ووحدة الوجود والجمال الإلهي المطلق.
زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيّرا.. وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا..وإذا سألُتكَ أن أراكَ حقيقةً..فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرى
تعلم على يد الشيخ أبي الحسن علي البقال صاحب الفتح الالهي والعلم اللدني، كان ابن الفارض إذا حضر مجلساً ظهر على المجلس سكون وسكينة، يتردد عليه في مجلسه جماعة من المشايخ والعلماء وعدد من الفقراء وأكابر الدولة وسائر الناس.
عندما كان يمشي في المدينة تزاحم عليه الناس يلتمسون منه البركة والدعاء ويقصدون تقبيل يده فلا يمكن أحداً من ذلك بل يصافحه، عرف عنه حسن الثياب الرائحة الطيبة، وكان ينفق على من كان يرد عليه من الفقراء والمساكين.
فلا عيشَ في الدُّنيا لمنْ عاشَ صاحياً.. ومنْ لمْ يمتْ سكراً بها فاتهُ الحزمُ..على نفسهِ فليبكِ منْ ضاعَ عمرهُ.. وليسَ لهُ فيها نصيبٌ ولا سهمُ
بعث إليه الملك الكامل أن يجهز له ضريحاً عند قبة الامام الشافعي فلم يأذن له بذلك فطلب منه أن يجهز له مكاناً يكون مزاراً له بعد موته فرفض.
توفي سلطان العاشقين عام 632 ه، ودفن بالقرافة بسفح جبل المقطم في منطقة "الأباجية" عند مجرى السيل، بجوار قبر معلمه أبي الحسن البقال كما أوصى قبل موته، وظل ديوانه الذى يجمع قصائد حبه الإلهى يعرفه العامة والخاصة، ويتغنى به المداحون والمنشدون ورجال الطريقة.
زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً وارحمْ حشى بلظي هواكَ تسعَّراً وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقة فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي:لن تَرَى يا قلبُ! أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ صبراً فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة، فَمُتْ بِهِ صَبّاً، فحقّكَ أن تَموتَ، وتُعذَرَا
اقرأ ايضاً: مجاذيب العصور| "ديكارت" العالم الذي توصل إلي الله بال "شك" مجاذيب العصور| "بن العجلان" الشاعر الذي مات حباً فى "هند" مجاذيب العصور| "الحلاج" شهيد المتصوفين الذي مات مصلوباً بسبب "كرماته"