تعانى الموازنة العامة للدولة فى العام المالى 2017/2018 من عجز كلى بلغ نحو 370 مليار جنيه، وهو نفس قيمة الأموال الضائعة على الدولة سنويًا، بسبب سوق العقارات غير المسجلة والتى وصلت ل 97 فى المائة من إجمالى العقارات التى لا تحمل حتى سجلًا عينيًا، وهى شهادة ميلاد العقار التى تحمل بياناته وبيانات صاحب المبنى، ووفقًا لخبراء ومتخصصين فإن الدولة تستطيع أن تعالج عجز الموازنة من خلال تحصيل الضرائب العقارية على المبانى بعد تسجيلها بالشهر العقارى، لكن فى ظل منظومة البيروقراطية التى تعيشها الدولة منذ عشرات السنين فلا مجال للتحصيل إلا بتعديل قانون «الشهر العقارى» والذى شهد جدلاً واسعًا فى مجلس النواب، وانتهى برفض لجنة الشئون التشريعية والدستورية للتعديلات ومن ثم إعادته للحكومة لإجراء بعض التعديلات. فى المقابل تستعد مصلحة الضرائب العقارية مع مطلع العام المقبل 2018 بدء حملة لحصر العقارات والتى يتم إجراؤها كل 5 سنوات والغرض منها توسيع قاعدة التحصيل الضريبى. «الرسوم هى السبب»، عبارة لخصت حال المقاولين وأصحاب العقارات ممن فضلوا التعامل «بيع وشراء» بعيدًا عن الشهر العقارى والسجلات العينية، حيث أكد المهندس ممدوح شاهين، صاحب شركة للاستثمار العقارى، أن الحكومة هى السبب فى ضياع أموال الضرائب العقارية، بالإضافة لمعاملة الموظفين بالشهر العقارى، والرسوم التى قسمت ظهر الملاك، مضيفًا أن قانون البيع والشراء يسمح له بالتعامل عبر العقود الابتدائية وغير المسجلة فلماذا يلجأ لدفع رسوم للحكومة؟. وتابع شاهين: «لا توجد مشاكل تواجهنا كأصحاب عقارات خلال عمليات البيع والشراء، سوى مشكلة واحدة لا تذكر وهى إقدام بعض الشباب الراغب فى الزواج على شراء واحدة من الوحدات السكنية غير المسجلة بالشهر العقارى عن طريق مشروع التمويل العقارى الذى أعلن عنه الرئيس السيسى من قبل والذى يمنح الشاب قرضاً لشراء الوحدة السكنية بفائدة 5 فى المائة، شرط أن تكون مسجلة وفى هذه الحالة يلجأ للشركات الكبرى، فهى شركات تعمل على تسجيل وحداتها بالشهر العقارى وتحمل العميل قيمة التسجيل، أما نحن لا نسجل من الأساس. ويتفق معه فى الرأى، محمد عبدالناصر «مقاول»، قائلاً: 3 فى المائة فقط عقارات مسجلة و97 فى المائة المتبقية هى حجم رأس مال التجار والمالكين وتقدر بمليارات الجنيهات، والسبب الأول وراء عدم التسجيل هى المحافظة التى تسمح لصاحب العقار بالحصول على عدادات مياه وكهرباء دون أن يكون العقار حاصل على سجل عينى وعندما نسأل عن السبب، تكون الإجابة، بأن المحافظ والحى يرفضون تحمل أى مسئولية قانونية عندما يسقط العقار فوق رأس أصحابه لأنه لا يكون مرخص بالأساس. وتابع عبدالناصر، شركات الاستثمار العقارى عندما تشترى مبانى قديمة لهدمها وبناء أبراج يتم التعامل خارج الشهر العقارى من خلال صحة التوقيع كإجراء لإثبات الملكية، وعن طريق المحكمة يقوم القاضى بإثبات صحة التوقيع من خلال النظر إلى صحة توقيع البائع على عقد البيع فقط، ويترتب على ذلك عدم حصول صاحب العقار على قروض بنكية.
مليارات الدولة المهدرة من جانبه، أوضح محمد فوزى عضو نادى مستشارى الشهر العقارى، أن حل المسألة يقبع داخل مجلس النواب عن طريق تعديل القانون والاستماع لأصحاب الشركات العقارية، فكيف يعقل أن تكون مناطق وأحياء كاملة بالقرب من العاصمة غير مسجلة بالأساس، وهو ما يتسبب فى ضياع ما لا يقل عن 250 مليار جنيه سنويًا على الدولة بسبب التهرب من دفع الضرائب العقارية. وتابع فوزى، فى عام 2006 صدر قرار من وزير العدل بشأن رسوم الشهر العقارى وذلك بتحديد شرائح للرسوم حسب مساحات القطع وذلك بالنسبة للأراضى الفضاء والمبانى بحيث تكون رسوم القطعة الواحدة حتى100 متر مربع 500 جنيه ومن 101 حتى200 م2 ألف جنيه ومن 201 وحتى300 متر2 رسوم 1500 جنيه وما زاد عن ذلك 2000 جنيه، وفى تعديل قانون الشهر العقارى الجديد أرادت الحكومة زيادة الرسوم لتصل إلى 5 آلاف جنيه، وبدلاً من زيادة الرسوم وتنفير المواطن من التسجيل يجب تسهيل العملية وفى المقابل يتم تحصيل ضرائب عقارية. فيما أكد مصدر مطلع بالضرائب العقارية، أن إجمالى المبالغ التى حصلتها الضرائب العقارية حتى الآن بلغ 2 مليار جنيه، وهو مبلغ ضئيل جدًا مقارنة بالمستهدف ومن المقرر أن يشهد مطلع العام المقبل حملة لحصر العقارات على مستوى الجمهورية والنتيجة معروفة قبل الحصر، وهى من 3 فى المائة إلى 4 فى المائة فقط عقارات مسجلة وتدفع ضرائب حيث يستخدم عائد تلك الضرائب على النحو الذى بينه القانون 50 فى المائة لقطاعات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعى، و25 فى المائة للمحافظات، و25 فى المائة لأغراض التطوير الحضرى وتطوير العشوائيات، وحتى نصل للرقم الحقيقى وهو من 200 إلى 300 مليار ضرائب عقارية لابد وأن تسعى الحكومة أولاً لتسجيل العقارات غير المسجلة ومن ثم نستطيع تحصيل رسوم منها.
التشريعات تساهم فى ضياع حق الدولة من جانبه أوضح المستشار أسامة الرخ المحامى بالإدارية العليا والنقض، أن السجل العينى فى مصر معطل منذ صدور قانون الشهر العقارى سنة 1964 وحتى الآن يبحث هذا القانون عن تعديل وجعله أكثر مرونة عما هو عليه، فالأصل فى تحصيل الضرائب والاستفادة منها بشكل سنوى بدلاً من زيادة رسوم التسجيل، حيث يلجأ المواطنون لرفع دعاوى صحة توقيع بالمحاكم كبديل للتسجيل والاكتفاء بها كسند للملكية، وهى دعوى تحفظية يلجأ إليها المتعاقد حتى يتأكد ويضمن عدم رجوع المتعاقد الآخر عليه بالطعن بالتزوير على توقيعه، لكنها تظل قانونيًا غير معترف بها لدى الجهات الحكومية كسند ملكية ولكنها وسيلة للبيع والشراء، وفى المقابل تهدر على الدولة مليارات الجنيهات سواء فى التسجيل أو تحصيل الرسوم.
التمويل العقارى وعلى هامش أزمة العقارات غير المسجلة يواجه عدد كبير من الشباب والعائلات التى تبحث عن قرض «التمويل العقارى» أزمة كبيرة تتلخص فى عدم قدرتهم الحصول على قرض التمويل العقارى والذى يشترط أن تكون الوحدة المقرر شراؤها من خلال القرض مسجلة بالشهر العقارى. فى هذا السياق، يروى «إسلام مرزوق» موظف بمحكمة شمال القاهرة تجربته مع العقارات غير المسجلة، قائلاً: لجأت لأحد مقاولى شارع البحر الأعظم بالجيزة لشراء وحدة سكنية بالدور السادس ولأن سعرها 350 ألف جنيه، فقررت الاتفاق مع صاحب العقار على دفع مبلغ على سبيل «عربون» وباقى المبلغ بعد الحصول على قرض التمويل العقارى، إلا أن البنك رفض لعدم حصول الوحدة السكنية على ترخيص من الأساس ولم يتم تسجيلها بالشهر العقارى، وعانيت كثيرًا حتى حصلت على «العربون» مرة أخرى. معاناة أخرى، عاشها «عبدالله محمود» معاون خدمة بالشهر العقارى، قائلاً: حاولت شراء شقة بالهرم من خلال قرض التمويل العقارى، حتى أكون قريبًا من محل عملى وسعر الوحدة 280 ألف جنيه بالدور العاشر وتم رفض القرض لأن العقار غير مسجل، وليس أمامى إلا التعامل مع الشركات العقارية الكبرى وأقل وحدة سكنية بتلك الشركات لا تقل عن 700 ألف جنيه.