تتصدر دولة رواندا قائمة أعلى بلدان العالم من حيث تمثيل المرأة سياسيًا فى البرلمان بنسبة 64 فى المائة من إجمالى عدد مقاعد البرلمان. وطبقًا للبيانات التى أصدرها البرلمان الأوروبى بخصوص التمثيل النيابى للمرأة فى برلمانات العالم، والتى أظهرت أن متوسط نسبة التمثيل للمرأة 20 فى المائة، تأتى تلك البيانات لتوضح دور المرأة فى التمثيل النيابى فى العقد الأخير، بينما كانت أعلى نسبة لتمثيل المرأة فى البرلمانات قبل ذلك على مستوى العالم لا تتخطى 15 فى المائة. وحققت المرأة الرواندية إنجازًا سياسيًا على المستوى الإفريقى والعالمى، بحصولها على أعلى نسبة مقاعد مقابل 36 فقط للرجال، وهو ما جاء خارقًا لقواعد المجتمع وما يؤخذ على المرأة وإمكانياتها طبقًا لثقافة مجتمعات الدول النامية. وجاء فى ترتيب أول 10 دول تمثيلًا للمرأة فى البرلمان بعد دولة رواندا دول تمثل مزيجًا بين الدخل المتوسط والمرتفع للفرد، إلى جانب تشريعات تخصص عددًا من المقاعد تحصل عليها المرأة بنظام «الكوتة» لضمان التمثيل المناسب لها، بينما هناك دول أخرى ليس لديها أى قواعد انتخابية تخص ترشح المرأة أو تمثيلها النيابى فى البرلمان، وكانت «اندروا» فى المرتبة الثانية بعد رواندا حيث يحتل نساؤها 50 فى المائة من نسبة مقاعد البرلمان جنبًا إلى جنب مع رجال مجتمعهم ثم كوبا بنسبة 49 فى المائة والسويد بنسبة 44 فى المائة. وقطعت رواندا شوطًا كبيرًا فى مشوار الألف ميل نحو تمثيل المرأة السياسى فى المجتمع لتأخذ دورها الذى تستحقه، بدأتها بخطوات حثيثة، تعبر عن إرادة مجتمع فى التقدم والمساواة بين جنسيه رجالًا ونساء، وهو ما يرتبط حتمًا بمستوى الثقافة بشكل عام والتعليم فى دولة رواندا. عام 2003 نجحت رواندا فى ضمان نسبة عالية من تمثيل المرأة نيابيًا عبر إقرار حقها فى الدستور بالحصول على نسبة 30 فى المائة من عدد المقاعد كحد أدنى فى المجالس التشريعية، لكن بعد 10 سنوات كاملة فى آخر انتخابات نيابية اقتنصت المرأة الرواندية أكثر من ضعف الحصة المقررة دستوريًا فى البرلمان. التمثيل النيابى الكبير للمرأة فى رواندا يعود إلى عوامل تضافرت فأنتجت النسبة الأعلى فى العالم، ويأتى على رأسها الدور الكبير الذى تبذله المرأة الرواندية فى المجتمع الرواندى بشكل عام، حيث أظهرت البيانات أن نسبة الأسر التى تعيلها المرأة الرواندية 30 فى المائة وهى نسبة عالية إذا ما قورنت بالدول المجاورة فى القارة الإفريقية مثل بوروندى وملاوى وتنزانيا. وتمثل المشاركة السياسية للمرأة الرواندية معادلة يصعب فهمها ففى ظل استحواذها على نسبة 64 فى المائة من المقاعد البرلمانية لا تمثل سوى بنصف تلك النسبة فى الحكومة التى لا تحوى سوى 32 فى المائة فقط نساء، رغم ذلك لا تقلق المرأة الرواندية على مستقبلها السياسى، فالمجتمع المدنى فى رواندا يدرك أهمية المشوار السياسى الذى قطعته المرأة، وأن التباطؤ والتدريج كان من أهم عوامل نجاحه. على كل يصعب قياس دقة نسبة مشاركة المرأة فى مختلف المستويات بالدولة والمناصب الإدارية ولا تزال تحقق تقدمًا ملحوظًا على مستوى التمثيل النيابى بشكل عام. ورغم التقدم الهائل الذى حققته المرأة الرواندية لكن لا تزال أمامها تحدٍ جديد ومساحة أخرى من المنتظر أن تتقدم بها وتستحوذ عليها، خاصة وأن الاتجاه العام أصبح يسير نحو زيادة تمثيل المرأة فى مختلف المناطق وشرائح الدخل. كونى بويزا سيكمانا، عضو البرلمان الرواندى، تلخص مشوار المرأة فى رواندا، وترسم صورة واضحة قائلة: «ليست المسألة فى نوع الجنس. بل هى مسألة تكافؤ الفرص، وحقوق المواطن، وحقوق الإنسان، والأسس الجوهرية لأى مواطن». يذكر أن نسبة النساء فى المجتمع الرواندى التى تبلغ 70 فى المائة لم تكن العامل الرئيسى فى ارتفاع نسبة التمثيل النيابى لها بالبرلمان، عقب خروجها من التجربة المأساوية بعمليات الإبادة الجماعية عام 1994 قتل فيها آلاف الرجال فى معارك دموية بين مجموعتى العوتو والتوتسى، فقد ساعدت التشريعات الجديدة المرأة وسمحت لها بتملك الأراضى وفتح الحسابات البنكية. مكاسب هائلة استفادتها رواندا من التمثيل العادل للمرأة فى البرلمان حيث ان 87 فى المائة من النساء ضمن القوى العاملة للدولة بالمقارنة مع 57 فى المائة فى المملكة المتحدة وذلك وفقًا لمنظمة العمل الدولية. المركز القومى للمرأة فى مصر اعتبر المرأة الرواندية نموذجًا فى التصدى للإرهاب فى مؤتمره الشهر الماضى الذى عنون ب «المرأة صانعة السلام..معًا ضد الإرهاب والتطرف» وتم عرض تجربة المرأة فى رواندا لإخراجها من أزمتها الطاحنة حتى استحوذت على النسبة الأكبر فى البرلمان.