خبير عسكرى واستراتيجى بمجال الإرهاب الدولى، يطلق عليه «القائد المجهول»، يحاضر بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية العليا، متخصص فى فن التفاوض مع الإرهابيين، تحدث ل«الصباح» حول قضية الساعة التى تفرض نفسها على مصر، أو الإرهاب، ودور الدول فى صناعته وتسليحه. إنه العقيد حاتم عبدالفتاح صابر، الذى بدأ حواره بالتأكيد على أن سرعة الضربة التى وجهها الطيران المصرى لمنفذى هجوم المنيا فى الأراضى الليبية، جاءت كرسالة للجميع، بأن مصر لا تفرط فى دم أبنائها، وأنها ستظل قادرة على رد أى عدوان يطول أمنها.. وإلى الحوار. * بداية.. ما تقييمك للضربة العسكرية التى استهدفت منفذى هجوم المنيا فى ليبيا؟ - نستطيع أن نقول إنها ضربة جوية بأبعاد مخابراتية، بمعنى أن الأهداف التى تم ضربها بواسطة القوات الجوية تم تأكيدها بعد تخطيط بواسطة استطلاع جوى، وآخر أرضى، حيث تم تحديدها بالإحداثيات، وإخطار القوات الجوية بها، وهى تصنف على أنها ضربة عسكرية انتقامية، وفقًا للتعريف العسكرى، فالضربات العسكرية الجوية تقسم إلى ضربة وقائية وأخرى انتقامية وثالثة استباقية، كما تم التنسيق مع السلطات الليبية قبلها. * هل ترى أن الضربة أتت ثمارها؟ - هذه الضربة تعد الثالثة، لكن هناك ضربات غير معلنة، تتم بالاتفاق مع الجانب الليبى للنيل من القتلة الإرهابيين، خاصة أن حدودنا الغربية مع ليبيا تمتد إلى 1800 كيلو متر من الصحارى والكثبان الرملية، ويصعب على أى جيش فى العالم تأمينها، لذلك الحل كان فى الضربات الجوية، التى واجهت من قبل نحو 450 عربة مدرعة حاولت التسلل للحدود المصرية لتنفيذ عمليات إرهابية فى العمق، وأعتبر أن ضرب المراكز الإرهابية بمثابة عملية ردع تقضى على نوايا تنفيذ عمليات إرهابية فى العمق المصرى، لذلك كانت الضربة موجعة جدًا وحققت الهدف منها تمامًا. * كيف تفسر شائعة ارتداء منفذى الهجوم للزى الخاص بالجيش؟ - من الوارد جدًا أن يتم استغلال زى القوات المسلحة أو ارتداء المنفذين لزى مشابهة له، كنوع من التخطيط المتقن، وحتى هذه اللحظة لا توجد أدلة مؤكدة على صحة هذا الكلام، كما لم يتم ضبط الجناة للتيقن من صحة تلك الرواية، وإلى الآن أيضًا لم تقم الجهة المنوطة بالتحقيق بكشف الملابسات أو سرد تفاصيل الحادث. * حدثنا عن تقييمك حول التعامل الأمنى فى مواجهة الإرهاب؟ - لا نستطيع إخفاء أن هناك بعض القصور الأمنى، وهذا ما دفع وزير الداخلية لاتخاذ إجراءات سريعة، منها إقالة بعض القيادات الأمنية، لكننا عندما نتحدث عن عمليات إرهابية نضع الأمن المصرى فى مقارنة مع الأمن الفرنسى، ونغفل أن الأخير كان لديه معلومات مدققة، ومؤكدة عن وقوع هجمات باريس، وعندما تكون المعلومات متوفرة وكاملة، ولا يستطيع الأمن منع وقوع التفجيرات، فهذا يعطى علامات بأن مصر تسير فى اتجاه صحيح، وتحقق خطوات إيجابية، فضلًا عما حدث فى مطار بروكسيل، حيث وصل الإرهابيون إلى ممر الإقلاع والهبوط، ولغموه، وهذا يعنى أن الأمن كان فى غيبوبة سهلت اختراق المطار، بجانب هجوم مانشستر فى لندن، التى تعد أعتى الدول المكافحة للإرهاب، بل هى اللبنة الأولى لوحدات مكافحة ومقاومة الإرهاب، وهنا ندرك أن الأمن المصرى لم يقصر بل يحاول أن يقبض سيطرته على الإرهابيين، رغم التطور النوعى فى أسلوب اختراقهم وتنفيذهم للهجمات، ونستطيع القول إن العمليات الإرهابية الأخيرة نجحت من خلال استغلال بعض الثغرات. * وماذا تفسر اختيار هذا التوقيت لتنفيذ العملية الأخيرة؟ - العملية كانت ردًا على كلمة الرئيس السيسى التى وثقت فى الأممالمتحدة لمكافحة ومقاومة الإرهاب والقضاء عليه، خاصة أنها فضحت السياسات القطرية والتركية المعلومة للناس جميعًا، ومعلومة أيضًا للرئيس الأمريكى ترامب، الذى تم اطلاعه على كل الخطط التى وضعتها إدارة أوباما مع الدول الراعية للإرهاب، لتفتيت العمق الليبى، لذلك كان لابد أن تأتى هذه العملية الإرهابية بسرعة لترد على الخطاب، وتسحب الأضواء من فضيحة التصريحات القطرية، وأعتقد أنها نجحت بشكل كبير فى تنفيذ غرضها، وأن مصر نجحت أيضًا من خلال الرد الحاسم والسريع على تلك الهجمة الخسيسة، حيث لم نر دولة من قبل تصل لمنفذ العملية وتوجه له ضربة بتلك القوة فى العمق، وهذا يمنح مصر ثقلًا عسكريًا وسياسيًا فى المنطقة. * هل ترى أن «ترامب» تفهم الدور الذى تلعبه الدول الراعية للإرهاب؟ - «ترامب» يعلم تمامًا كل تفاصيل الاتفاق الضمنى بين إدارة أوباما وهيلارى كلينتون وكل الدول الراعية للإرهاب، وحديث الرئيس السيسى خلال القمة كشف عن عقد العديد من المباحثات والمفاوضات بين المسئولين عن الأمن المصرى والأمريكى، فضلًا عن التفاهم السابق بين الرئيس و«ترامب» قبل الانتخابات الأمريكية، حيث صبت تلك المباحثات فى الخطاب الذى ألقاه «السيسى» بالقمة العربية. * فى رأيك.. ما السر وراء تمركز الإرهابيين فى سيناء؟ - فى تسعينيات القرن الماضى كانت هناك هجمة على الإرهاب، استمرت فترة حتى نجح الأمن المصرى فى تقويض الإرهابيين، والفرق بين الهجمات الإرهابية الأخيرة، وعمليات التسعينيات، أن الأخيرة كانت إرهابًا محليًا، فالمنفذون والمخططون كانوا من الداخل، والتسليح والتمويل أيضًا، لذلك تم تقويضه وتحجيمه، أما الآن فالوضع مختلف فى شمال سيناء، خاصة أن هناك مخابرات دولية تعمل هناك، وقذائف الهاون توجه بالجى بى اس، بينما توجد جيوش فى العالم ليس لديها تلك الإمكانيات التى توفرت للإرهابيين، من حيث الأسلحة والدعم اللوجستيكى والمادى والمخابراتى، بالإضافة إلى التجهيز لمسرح العمليات فى سيناء منذ 28 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2016، عن طريق إعداد مناطق تخزين وتشوين للمعدات والأجهزة والأسلحة والمفرقعات، ومخزن لمعدات ناسفة على عمق كيلو متر وبطول 3 كيلومترات ضربته القوات الجوية. * متى نرى سيناء خالية من الإرهاب؟ - من خلال تدريسى لمراحل هدم الدولة، وفق نظرية مكافحة التمرد الأمريكى، فإن هناك 6 مراحل أهمها تجهيز مسرح العمليات اللوجستيكى، وهذا تم بكفاءة، لذلك لا نستطيع القول إن مواجهة الإرهاب طالت أو امتدت فترتها، نحن لا نحارب أو نجابه عدوًا، بل نحارب أجهزة مخابرات دول عدة، وإسرائيل لا تساند مكافحة الإرهاب بسيناء، ويكفى أن نشير إلى الأنفاق التى تقام بيننا وبين غزة، حيث لا يمكن حفرها دون معدات ثقيلة، والسؤال: من أين أتت تلك المعدات، وغزة عليها حصار بحرى وبرى؟ والغريب أنه عند ضبط تلك المعدات نجد أن تاريخ الصنع لم يتعد الثلاثة أشهر، وهذا معناه أنها دخلت بعلم وموافقة ومباركة السلطات الفلسطينية وإسرائيل، ورغم ذلك فإننا نجد أن العمليات الإرهابية فى تناقص منذ 30 يونيو. * ما توقعاتك للدور الذى ستلعبه قطر خلال الأيام القادمة؟ - أعتقد أن قطر فى أيامها الأخيرة، لأنه تم رفع الغطاء السياسى منها، والذى كان يوفره أوباما وشركاؤه، فالآن انقلب السحر على الساحر، خاصة أن أمير قطر لا يستطيع أن يتخذ قرارًا سياسيًا سياديًا بمفرده، فدويلة قطر تابعة ولا تملك جيشًا من الأساس، لذلك تمارس ألاعيبها الإرهابية تجاه مصر فى محاولة لإبعادها عن طريق خطة الإصلاح والتنمية، لكن مصر تقف صامدة بالمرصاد، خاصة أنها فى طريقها للتعافى، والوقوف على أرض صلبة، لذلك لابد من تماسك وتلاحم النسيج المجتمعى، للتأكيد على أن ما يحدث لن ينال من الصف الوطنى الذى يجمع المسلم والمسيحى.