«جمال» يشترى الأنسولين ب200 جنيه بالشرقية.. ومحمد يتوقف عن غسيل الكلى لأن ال«كيتوستريل» ب3 آلاف فى الفيوم ممرضون بالدقهلية يبيعون حقنة إذابة الجلطة المختفية «فى الوقت الضائع» ب20 ألف جنيه بدلًا من 3 آلاف أصيب «م، ع» بجلطة.. أبناؤه نقلوه إلى أحد المستشفيات الحكومية بمحافظة الدقهلية.. الطبيب طمأنهم بأنه يحتاج إلى حقنة إذابة الجلطة «سييدوناز».. خرج الطبيب ثم عاد ولونه ممتقع ليؤكد أن الحقنة ليست موجودة بالمستشفى، وأنها غير موجودة بالصيدليات كذلك، وأن الحل هو إجراء عملية قلب مفتوح إذا لم يجدوا العقار المطلوب قبل 6 ساعات.. ليظهر الحل فجأة عن طريق أحد الممرضين الذى مال على أذن الابن الأكبر ليخبره أنه يستطيع أن يجلب له الدواء، لكن مقابل 20 ألف جنيه، وليس 3 آلاف فقط كما هى التسعيرة الرسمية.. وبالطبع رضخ أبناء المريض الذى يرقد بين الحياة والموت. هذه القصة أصبحت تتكرر مئات المرات مع أصحاب الأمراض المختلفة على مستوى محافظات الجمهورية، بدءًا من مرضى السكرى مثل جمال على الذى ينتمى إلى محافظة الشرقية، حيث اشترى الأنسولين من السوق السوداء ب200 جنيه بدلًا من التسعيرة العادية التى تتراوح بين 55 و65 جنيهًا. غير أن الأخطر أن مرضى الفشل الكلوى ومنهم محمد على، من أبناء الفيوم، الذى يقول إنه تخلف 3 مرات عن الغسيل خلال الشهر الجارى، بسبب عدم وجود عقار كيتوستريل، وهو ما يهدد حياته إذا استمر على هذا النحو، إلا إذا أصبح من ميسورى الحال الذين لديهم القدرة على شرائه من السوق السوداء ب3 آلاف جنيه بدلًا من تسعيرته الطبيعية وهى 225 جنيهًا. وبينما لا يعرف المرضى أكثر من أن أزمة الدولار تسببت فى نقص أدويتهم، خاصة التى تستوردها الشركات الكبرى، فإن سلسلة المنتفعين تجاوزت حتى أباطرة الدواء، لتصل إلى عناصر أصغر فى سلسلة توصيل العلاج إلى من يحتاجه، مرورًا بمندوبى التوزيع وبعض الصيادلة، وكذلك الممرضين الذين كانوا يلقبون ب«ملائكة الرحمة». هذه الحقيقة المفجعة، كشفها «أحمد. س»، أحد الصيادلة بمنطقة فيصل، حيث قال إن بعض الشركات، وفيما تبرر نقص الأدوية بعدم وجود المواد الخام المستوردة نتيجة نقص وارتفاع الدولار، تلجأ لبيع المنتجات عبر المندوبين، الذين تحول بعضهم إلى تجار سوق سوداء، إذ يعرضون بضاعتهم على الصيدليات بأضعاف أسعارها، ما يضطر الصيدليات لعدم شرائها، لأن بيعها بأعلى من السعر للمستهلك يعرض أصحابها للمحاكمة. الدكتور «محمد. ل» يكمل بدوره أن هؤلاء المندوبين يذهبون بما لديهم من أدوية إلى الراغبين فى خوض غمار السوق السوداء ويعقدون معهم صفقات يتربحون من خلالها أموالًا طائلة تغريهم بأن يسحبوا كميات أكبر من الشركات لتخزينها وبيعها بالقطعة الواحدة عبر موزعين متعاونين معهم، أو فى بعض الأحيان من خلال صيدليات تطلب كميات محددة حسب المطلوبة منهم بعد الاتفاق مع المشترى المضطر على السعر المبالغ فيه، وغالبًا تكون هذه الصفقات خاصة بأدوية السكرى والفشل الكلوى. السماسرة الذين يجندهم المندوبون بعضهم ممرضون فى المستشفيات التى يتلقى فيها «الزبون» العلاج، وبعضهم –للغرابة- شباب يديرون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، يعلنون عبرها عن عدد من الأدوية المختفية بأسعار مرتفعة، ومنها عقار «إندوكسان» الحيوى الذى يستخدمه مرضى الأورام الذين يتلقون علاجًا يماويًا، والذى أدى نقصه إلى وفاة العديد من الحالات، ودخول كثيرين إلى منطقة الخطر. عقار «إندوكسان» المختفى من المستشفيات والصيدليات، متوافر بالسوق السوداء بسعر 700 جنيه على مواقع التواصل الاجتماعى، كما يباع «كوردارون» ب400 جنيه وهو عقار حيوى لمرضى القلب، وكذلك قطرة تقرح العيون،Zovirax eye ointment – Ionops eye drops – Ganvir ophthalmic gel e، تباع بأضعاف أسعارها، فيما يباع «إليميتا فيال» ب600 جنيه، وعقار «زيلود» ب200 جنيه للعلبة. الدكتور هانى سامح، الخبير الصيدلى علق ل«الصباح»، بأن كارثة نقص الأدوية التى شهدتها الصيدليات والمستشفيات خلال الفترة الماضية، كان سببها الأساسى هو احتكار كبرى الشركات لهذه الأصناف الهامة والحيوية منها، وتخزين كميات كبيرة من أجل بيعها بسعر مرتفع، وذلك بعد القرار الخاطئ الذى أصدره رئيس الوزراء بزيادة أسعار الأدوية، وهو ما استغلته الشركات وقامت بالبيع بسعر الشريط وليس العبوة فضلاً عن إدخالها مستحضرات ومكملات غذائية لا يشملها القرار ورفع ثمنها أيضًا، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة للأسف تخضع لهذه المافيا، ولم يكن هناك تصرف واحد صحيح للوزير إلا تصريحه بأن مكاسب شركات الأدوية أكثر من 2000فى المائة. من جانبه، كشف محمود فؤاد مدير مركز الحق فى الدواء ل«الصباح»، عن كارثة أخرى هى نقص أدوية التخدير، ما أدى إلى التوقف عن إجراء العمليات الجراحية، منوهًا بالقبض منذ عدة أشهر على مناديب لشركة أدوية كانوا يقومون ببيع أدوية مجهولة المصدر، عن طريق الاتفاق مع المرضى على صفحات «فيسبوك»، والغريب أن مباحث التموين هى التى تولت القبض على هؤلاء السماسرة، وبتهمة الغش التجارى فقط. وبدوره أكد الدكتور إسلام محمد، صيدلى، أن مناديب شركات الأدوية أنشأوا صفحات على «فيسبوك» لبيع الأدوية المهربة والمغشوشة، بحجة أنها أدوية مستوردة وناقصة فى الصيدليات، وهو ما سبب تشويشًا للرؤية لدى أجهزة الدولة الساعية إلى إحكام السيطرة على الأزمة. أما الدكتور هشام شيحة، وكيل وزارة الصحة للطب العلاجى سابقًا، فعلق ل«الصباح» بأن أزمة نقص الأدوية سببها سوء الإدارة فى الأساس، وذكر أن وزارة الصحة فى السابق كانت تعقد اجتماعات أسبوعية لمعرفة مواعيد صفقات وشحنات الأدوية التى تأتى من الخارج، لذلك فإن سياسة الوزير الحالى أدت إلى هذه الكارثة التى لم تحدث فى تاريخ المستشفيات المصرية.